هل يناور العسكريون في السودان بتعليق القاعدة الروسية وعلى ماذا يختلفون؟ 

31 مايو, 2021

بينما يحتدم السباق الدولي على مياه السودان وانشاء قواعد عسكرية وصراع من نوع آخر في السيطرة على الموانئ السودانية، أقدمت الحكومة الانتقالية في السوداني مؤخراً على تعليق قرارا سابقا بإستضافة قاعدة عسكرية روسية في مدينة بورتسودان الساحلية.

وكانت الحكومة السودانية بررت تعليق إنشاء القاعدة البحرية الروسية في البحر الاحمر والتي أطلقت عليها قاعدة فلامنجو الأسبوع قبل الماضي بالحصول على موافقة المجلس التشريعي الذي لم يشكل بعد في السودان.

  • مخاوف رد الفعل

القرار المفاجئ  للسلطات الانتقالية في البلاد، بتعليق النشاط العسكري الروسي في البلاد والسماح لقاعدة أمريكية مماثلة بمواصلة وجودها في المنطقة، أثار حفيظة الكثير من السودانيين لجهة ردة الفعل الروسية حيال ابعاد السودان لقاعدتها العسكرية لا سيما وان روسيا تساند المحور الإيراني التركي الذي تنشط حكومة الثورة السودانية في الابتعاد عنه او أمنها لشره خاصة وان تركيا تستضيف حاليا انصار النظام المخلوع في السودان عبر ثورة شعبية في ديسمبر من العام 2019.

ما يثير المخاوف هو اثارة روسيا الغلاغل بشكل او بآخر في شرق السودان الذي يحتضن سواحل البحر الأحمر خاصة وان المنطقة تشهد صراعات مكتومة بين المكونات الاهلية وتفجرت عدة مرات بعد الاطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير.   

هل يناور العسكريون في السودان بتعليق القاعدة الروسية وعلى ماذا يختلفون؟
صورة تجمع بين السفير السعودي في الخرطوم علي بن جعفري وزعماء البني عامر والبجا

رسالة أولى ربما لتطمين السودانيين، بعثت بها المملكة العربية السعودية عبر صورة متداولة على المنصات الإجتماعية في السودان الأسبوع قبل الماضي تجمع بين السفير السعودي في الخرطوم علي بن جعفري وزعماء المكونين الرئيسيين في شرق البلاد، البني عامر والبجا، وهما علي دقلل ناظر عموم البني العامر وناظر عموم البجا.

حفلت المنصات الاجتماعية باحتجاج خافت من بعض السودانيين على ما اعتبروه تدخلًا سعوديًا في الشأن السوداني سيما بين المكونات الإجتماعية لكن هذا اللقاء تزامن مع قرار للحكومة السودانية بتجميد إنشاء المركز اللوجيستي الروسي في البحر الأحمر.

السعودية تخشى أن تنقلب روسيا على القرار السوداني بإثارة التوترات الأمنية بين المكونات الاجتماعية شرق السودان

وربما خشيت الرياض ان تنقلب روسيا على القرار السوداني بإثارة التوترات الأمنية بين المكونات الاجتماعية شرق السودان وسارعت الى احتواء توترات تستمر منذ عامين بين مكونين اجتماعيين في شرق البلاد. وحول مخاوف السعودية ومصر من وجود قاعدة عسكرية روسية في البحر الأحمر يعزو مصدر أمني تحدثت اليه (عاين)، تلك المخاوف إلى أن الدولتين تنتظران بعين الاعتبار للخدمات التي قدمتها موسكو لسوريا إلى جانب عدم وجود ضمانات أن روسيا قد تتقارب مع ايران والجماعات الحوثية وتهدد أمن السعودية عن طريق البحر الأحمر.

بالنسبة لمصر فإن المخاوف تتمثل أن الأمن القومي المصري لا يحتمل وجود قاعدة روسية في البحر الأحمر على مقربة منها وسارعت القاهرة في العام 2017 الى رفضها وهي من الأسباب التي دعت مصر للتعاون المباشر مع كبار قادة الجيش السوداني للإطاحة بالرئيس المعزول الذي استنجد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العام 2017.

وتعد المملكة العربية السعودية من الدول التي تعترض على إنشاء قاعدة روسية في البحر الأحمر وسارعت العام الماضي إلى تنظيم مؤتمر الأمن للدول الثمانية المطلة على البحر الأحمر لتوقيع اتفاق يمنع استضافة القواعد العسكرية في المنطقة. لكن المحلل السياسي، عبد الواحد إبراهيم يؤكد أن روسيا لا تميل إلى إثارة الغلاغل حال الاعتراض على وجودها فهي تفضل العمل تحت رضا مؤسسات الدولة المستضيفة لقواعدها.

ويقلل مسؤول دبلوماسي بوزارة الخارجية السودانية مشترطا حجب اسمه لحساسية الأمر في مقابلة مع (عاين) من ردة روسية على قرار تعليق مركزها العسكري في البحر الأحمر مشيرًا إلى أن استمرار مصالح روسيا في البلاد تحتم عليها التعامل مع القرار بعقلانية.  وتابع: “لا اتوقع أن تثير توترات شرق السودان لأن روسيا لاتزال تستثمر في التعدين وفي بعض الأنشطة وهناك تعاون في مجال التسليح بين الخرطوم وموسكو غالبية المعدات العسكرية التي بحوزة الجيش السوداني روسية الصنع”.

ورغم أن قرار تعليق القاعدة البحرية العسكرية الروسية جاء في أعقاب ضغوط خليجية وأمريكية والرأي العام المحلي إلى جانب ضغوط داخل الجيش السوداني على رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق ركن عبد الفتاح البرهان. إلا أن عبد الواحد إبراهيم المحلل السياسي يرجح ان تجميد القاعدة الروسية قد تكون مناورة من المكون العسكري لأن القرار الصحيح هو إنهاء الوجود الروسي في السودان لدرء المخاطر.

ويقول “هناك تكهنات قوية لدى بعض المهتمين بالشأن الروسي في السودان أن موسكو تسعى إلى استكشاف الموارد في البلاد بالأقمار الاصطناعية لذلك كلما اتجهت أنظارها إلى دولة ما خاصة مع الهشاشة السياسية تتغلغل إلى نهب مواردها”.

هل يناور العسكريون في السودان بتعليق القاعدة الروسية وعلى ماذا يختلفون؟

  • علاقة مشبوهة 

ويشير عبد الواحد إبراهيم في حديث لـ(عاين) إلى أن السودان تعرض إلى ضغوط خليجية وأمريكية لكن الضغوط بدأتها مصر عندما غادر مسؤول أمني من القاهرة إلى موسكو بالتزامن مع توسلات الرئيس المخلوع عمر البشير في العام 2017 للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحماية نظامه الذي كان يتصدع آنذاك.

ويضيف إبراهيم: “حاول البشير تحصين نفسه بالقاعدة الروسية العسكرية لأنه كان يخشى من انقلاب الإسلاميين في الجيش والدعم السريع لم يكن يدري أن الانتفاضة الشعبية هي التي ستطيح به”. عندما اندلعت الإحتجاجات الشعبية في السودان أواخر عام 2018 استعان نظام الرئيس المعزول بشركة أمنية روسية اسمها فاغنر شوهد رجالها على مقربة من شوارع رئيسية جرت فيها تظاهرات وهم يرصدون المحتجين.

لاحقا ذكرت مصادر أن رجال الشركة الامنية الروسية كانوا يقدمون خدمات لوجستية لقوى الامن السوداني برصد حركة المحتجين و إحصاء أعدادهم وتحديد مواقعهم وكيفية التعامل مع تحركاتهم وقمع قادة الحراك السلمي في الميدان. أيضا استعان النظام البائد بالشركة الأمنية الروسية في احتجاجات جرت بمدينة نيالا ضمن الحراك السلمي الذي كان يطالب البشير بالتنحي عن السلطة فيما ظل الأخير  متشبثا حتى ابريل 2019.

ماذا تريد روسيا؟

تنوي روسيا الحصول على موارد من أفريقيا وتحديدا من أفريقيا الوسطى وتشاد والسودان ومع التمدد الفرنسي والأميركي في هذه الدول فهي تحاول إيجاد موطئ قدم لها على الحدود مع تلك الدول. ويوضح المحلل السياسي عبد الواحد إبراهيم أن شركة أمنية روسية لديها معسكرات في الحدود بين أفريقيا والسودان وعلى الجانب الآخر في افريقيا الوسطى تنتشر معسكرات للجيش الأمريكي.

تحاول روسيا الاستحواذ على موارد النحاس من حفرة النحاس الواقعة داخل الأراضي السودانية وهي منطقة متنازع عليها بين الخرطوم وجوبا إلى جانب ذلك تخطط موسكو لضمان حماية مصالحها الاقتصادية في دول أفريقيا الوسطى وتشاد والسودان من خلال إنشاء القاعدة العسكرية في البحر الأحمر يقول إبراهيم. ومع تعليق المركز اللوجستي الروسي في البحر الاحمر إلى حين موافقة المجلس التشريعي لم يعلن السودان إنهاء كافة الانشطة التي تنفذها موسكو في البلاد.

هل يناور العسكريون في السودان بتعليق القاعدة الروسية وعلى ماذا يختلفون؟

  • معادلة الدعم السريع

تبرز إشارات قوية أن دوافع جنرالات الجيش السوداني لتعليق المركز الروسي جاء لقطع العلاقة بين قوات الدعم السريع وموسكو والتي تشير تقارير غير رسمية على أنها تزود هذه القوات بالأسلحة والمعدات.

لكن كيف بدأت العلاقة بين هذه القوات مع روسيا؟

في مارس من العام  2015 خطف مسلحون بمدينة زالنجي بولاية وسط دارفور غربي السودان اثنين من الطيارين لشركة روسية كانت تقدم خدمات لوجستية للبعثة المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي “يوناميد” في دارفور. عقب فشل الحكومة السودانية في ملاحقة المختطفين استعانت روسيا بقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو والتي نجحت في إعادة الطيارين الروسيين وتوطدت العلاقة بين الطرفين.

شعرت موسكو أن ثمة حليف لديها غربي السودان في اقليم دارفور وهي قوات الدعم السريع المدعومة من القبائل العربية وقد تقدم لها هذه القوات خدمات لوجستية وأمنية إذا ما أرادت الاستثمار في التعدين في المنطقة.

هناك وقائع تعزز وجود علاقة ورغبة متعطشة للتسليح الروسي وسط قوات الدعم السريع فمثلا زار قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق محمد حمدان دقلو إيطاليا لإبرام اتفاقات تجارية لشركة معدات في صناعة الألبان لديها ارتباطات وثيقة بالشركات الروسية.

لم تمض ساعات على قرار التعليق القاعدة الروسية في البحر الأحمر حتى صرح قائد هيئة الأركان في الجيش السوداني محمد عثمان الحسين في منطقة عسكرية غربي العاصمة السودانية أن بعض المجموعات العسكرية في الدولة تحاول اختراق القوات المسلحة.اتهام ارفع جنرال في الجيش  السوداني جاء بعد ساعات من تعليق ما يعني أن قوات الدعم السريع كانت على تحاول التواصل مع المركز اللوجستي الروسي والذي تحول الى صراع خفي بين الجيش والدعم السريع انتهى الى التعليق مؤقتا.

يوضح مصدر مطلع اشترط حجب اسمه العلاقة بين قوات الدعم السريع وروسيا في تصريحات لـ(عاين) أن روسيا التي تتعامل مع قوات الدعم السريع هي روسيا غير الرسمية أي الشركات والقطاع الخاص التي تمول صفقات الأسلحة والتعدين والتكنولوجيا لهذه القوات العشائرية. وأضاف المصدر: “هناك تعامل للشركات الروسية في التعامل مع قوات الدعم السريع لأن الحكومة الروسية لا تتعامل مع هذه القوات مباشرة لحفظ علاقتها مع الخرطوم وفي نفس الوقت تسمح للقطاع الخاص المحمي وعلى صلة وثيقة بالحكومة الروسية بالتعامل مع هذه القوات”.

يضيف قائلا: “في مطلع مايو الجاري وقعت اشتباكات بين قوات الشرطة وعصابة تعمل في مجال المخدرات في منطقة سونقو بولاية جنوب دارفور على الحدود مع أفريقيا مع الوسطى هذه العصابات استخدمت السلاح الروسي الذي يأتي عن طريق المافيا الروسية التي تنشط في هذه المنطقة وصولا إلى غرب أفريقيا”.

هل يناور العسكريون في السودان بتعليق القاعدة الروسية وعلى ماذا يختلفون؟

        صفقة عسكرية

ويؤكد المصدر، أن المعلومات المتداولة عن تعطيل الجيش السوداني صفقة طائرات الدرون بين تركيا وقوات الدعم السريع حقيقية تعود خلفيتها الى أن قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي سافر إلى إيطاليا العام الماضي وطلب من المسؤولين الأوروبين تزويده بهذه الطائرات لمراقبة عصابات الاتجار بالبشر خاصة وان هناك اتفاق سري بين الجانبين يقضي بتولي هذه القوات مكافحة الشريط الحدودي مع ليبيا لمنع تسلل المهاجرين الى البحر المتوسط.

وتابع : “شعر المسؤولون الأوروبيون صعوبة إتمام الصفقة بموجبها تحصل هذه القوات على طائرات الدرون وعندما تلقت تركيا هذه المعلومات التقطت القفاز وتواصلت مع الدعم السريع وأبدت استعدادها لتوفير الطائرات”.

ويشير المصدر، إلى أن هناك جهتين تتعاملان مع قوات الدعم السريع بطرق غير رسمية هما الإمارات والشركات الروسية التي تعمل تحت رعاية موسكو محذرًا من أن الوضع الراهن ينبئ إلى أن هناك رغبة قوية في سباق التسلح لقوات الدعم السريع ويعتبر المصدر هذه القوات والاتفاقات الدولية التي تركها الرئيس المعزول عمر البشير بمثابة حقول الغام بالنسبة للقوى المدنية التي تتقاسم السلطة الانتقالية مع العسكريين.

  • انتقاص السيادة 

ويستبعد مسؤول دبلوماسي بوزارة الخارجية التقته (عاين) أن تلجأ روسيا إلى التعاون مع قوات عسكرية عدا الجيش السوداني ويبرر ذلك بأن المركز الروسي في البحر الأحمر وهي منطقة نفوذ عسكري للقوات البحرية السودانية والقوات العسكرية الموازية لا تملك قوات بحرية.

محلل عسكري يصف المركز الروسي بـ(المخيف) لأنه الاتفاق الذي أبرمه مع الرئيس المخلوع احتوى على بنود تسمح للقاعدة الروسية بدخول الرؤوس النووية والسفن الحربية الدفاعية المزودة بالأسلحة بالتالي هذه نوايا هجومية.

لكن المحلل العسكري اللواء أمين مجذوب اسماعيل، يصف المركز الروسي بالمخيف لأنه الاتفاق الذي أبرمه مع الرئيس المخلوع احتوى على بنود تسمح للقاعدة الروسية بدخول الرؤوس النووية والسفن الحربية الدفاعية المزودة بالأسلحة بالتالي هذه نوايا هجومية.

وأضاف مجذوب في حديث لـ(عاين) الاتفاق انتقاص لسيادة السودان أيضا لأنه يمتد 25 عاما كما أن ديباجته نصت على أن القاعدة العسكرية خارج ولاية النظام القضائي في مواقعها التي تتواجد فيها بالبحر الأحمر ما يعني أن أي انتهاكات ترتكبها هذه القوات غير خاضعة للنظام القضائي السوداني. ورغم تعليق السودان للقاعدة الروسية إلا أن سفينة حربية روسية زارت البحر الأحمر الأسبوع الماضي بحسب ما نقل مصدر من الإعلام العسكري لـ(عاين) قائلا إن زيارة السفينة الحربية الروسية عادية في إطار التزود اللوجستي لكن هذا لايعني ان المركز الروسي لم يغلق نشاطه.

هل يناور العسكريون في السودان بتعليق القاعدة الروسية وعلى ماذا يختلفون؟

وأضاف المصدر العسكري مشترطا عدم الكشف عن هويته أن السودان ألغى الاتفاق العسكري مع روسيا وهو في طور التنفيذ.“في موضوع القاعدة الروسية التي علقتها الحكومة السودانية الأسبوع الماضي تلاحظ أن هناك صراعا خفيا بين الجيش السوداني والدعم السريع حول القاعدة انتهى الصراع بانتصار مؤقت للقوات المسلحة بإرجاع الأمر الى المجلس التشريعي”. يقول المحلل السياسي عبد الواحد ابراهيم لـ(عاين).

 القاعدة الروسية لم يتم حسمها نهائيا أي أن العسكريين قد يلجأون اليها يوما ما عندما يواجهون تقلبات سياسية في الفترة الانتقالية تشهد توترات عديدة خاصة الشراكة مع القوى المدنية.

عبد الواحد إبراهيم

ويختتم المحلل السياسي عبد الواحد  افاداته قائلا إن : ” المسؤولين العسكريين في السودان يحتفظون بالملف الروسي إلى حين إشعار آخر لانهم لا يثقون في المضي قدما مع الولايات المتحدة الأميركية لذلك تم تعليق القاعدة الروسية”.