الجوعى ينتظرون”..  صراع السيطرة على مسارات الإغاثة بدارفور يحتدم   

عاين- 26 مارس 2024

دخلت عملية السيطرة على مسارات نقل المساعدات الإنسانية إلى إقليم دارفور غربي السودان مرحلة جديدة في الصراع المحتدم بين الجيش وقوات الدعم السريع، وذلك بدخول الحركات الدارفورية المسلحة طرف ثالث في المعادلة، مما يجعل جهود إغاثة المتضررين أكثر تعقيداً.

ويتبادل طرفا الصراع الاتهامات بشأن استخدام مسارات نقل الإغاثة إلى عمليات نقل الإمداد العسكري، بينما تحاول مجموعة من الحركات المسلحة بقيادة “مني أركو مناوي” حاكم إقليم دارفور التحكم على المساعدات من خلال تجميع مواد الإغاثة في مدينة “الفاشر” عاصمة الإقليم التي تخضع لسيطرة مشتركة بين الجيش وقوات الحركات المسلحة

ويأتي ذلك بالتوازي مع اتهامات لقيادات الحركات المسلحة والجيش بالسيطرة على مواد إغاثية وصلت الفاشر في وقت سابق، ومنع وصول حصص الولايات التي تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع، والتصرف فيها لاحقاً “وفقا لمسؤول لجنة الطوارئ بجنوب دارفور”

إلى ذلك يقول صالح محمدين، خبير في مجال العمل الإنساني بدارفور،  إن الجيش وحلفاءه من الحركات المسلحة الموالية له يريدون فرض مرور المساعدات عبر المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وهذا الأمر يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة إلى قوات الدعم السريع التي تخشى استغلال الأمر كغطاء لتمرير إمدادات عسكرية للجيش المنحصر وسط المدينة من جهة، بالإضافة إلى ذلك تحقيق كسب سياسي من خلال تدفق الإغاثة إلى مناطق سيطرتهم، وهذه الخطوة قد تزيد وتيرة الصراع خاصة في ولاية شمال دارفور.

فرن تقليدي لتصنيع الخبز في مخيم لاجئين سودانيين في جنوب السودان

ويقول خبير  العمل الإنساني لـ(عاين): إن “في الوقت ذاته تريد الدعم السريع  فرض خيار إيصال المساعدات الإنسانية عبر مسار مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور المجاورة لدولة تشاد التي تخضع بصورة كلية لسيطرة الدعم السريع علاوة على ولايات جنوب وشرق ووسط دارفور، ربما لنفس الأهداف وهو ما يرفضه بصورة قاطعة الجيش السوداني”.

ويرى محمدين، أن مخاوف الطرفين بشأن المسارات الإنسانية ربما لها ما يبررها، لذلك يجب الضغط عليهما من قبل الفاعلين الدوليين والدول الإقليمية المؤثرة في اتجاه وقف الحرب من خلال الوصول إلى تسوية سياسية تضمن سلاماً  شاملاً في السودان.

تسيس الإغاثة

وفي ذات الشأن طالبت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين “وهي أكبر جسم يمثل النازحين واللاجئين في دارفور”، طرفي الصراع بعدم تسييس الإغاثة وجعلها أحد أدوات الحرب، داعية إلى ضرورة فتح المسارات الإنسانية دون شرط، مراعاة للأطفال الذين يموتون بسبب الجوع في المخيمات منذ توقف الإغاثة بعد اندلاع الحرب.

وفي هذا الشأن، يرى عضو لجنة الطوارئ في ولاية شمال دارفور، “محمد أبكر”، إن التعقيدات الجارية في مسارات الإغاثة إلى دارفور ما هي إلا مخطط من مخططات تصعيد الحرب في مدينة الفاشر لجهة المدينة تحتضن ما يقارب مليون نازح منذ اندلاع الحرب في أبريل الماضي.

وقال محمد أبكر في مقابلة مع (عاين) أن المسارات الإنسانية يجب أن تكون عبر لجنة مشتركة تضم ممثلين من طرفي الصراع ووكالة الأمم المتحدة لتنسيق العمليات الإنسانية (أوشا) وذلك حسب إعلان جدة الموقع في نوفمبر الماضي، وكل طرف يراقب عبر ممثله في اللجنة المشتركة،  وقال: “لا توجد أي مبررات للتحكم في مسارات الإغاثة من قبل الطرفين”.

ويشير عضو لجنة الطوارئ، إلى أن مواقف حركة تحرير السودان بقيادة مناوي والعدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وضعت نفسها في محل عدم الثقة، وتحوم حولهم شبهات الفساد في الإغاثة من جهة، ومحاولة تمرير أجندة الجيش من جهة أخرى، ومن ثم مشاركتها في نقل الإغاثة سيكون له عواقب وخيمة في الاستقرار خاصة في شمال دارفور.

ويعتزم مناوي وعدد من قيادات الحركات المسلحة تحركهم برفقة قافلة المساعدات الإنسانية عن طريق “الدبة” بالولاية الشمالية إلى مدينة الفاشر وسط تهديدات من الدعم السريع بعدم الموافقة على دخول المساعدات بدون اتفاق مُسبق.

وأعلن مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور عقب اجتماعه مع ممثلي المنظمات ووكالات الأمم المتحدة، “إنه تم الاتفاق على إيصال هذه المساعدات للفاشر ليتم توزيها لولايات دارفور، مؤكداً استلام المساعدات من دول الجوار بمنطقة الطينة الحدودية مع دولة تشاد”.

طرفا الحرب يتبادلان الاتهامات بشأن عرقلة وصول المساعدات الانسانية للمحتاجين

وفي خطوة مماثلة حذرت قوات الدعم السـريع في بيان بثته على في حسابها في منصة (إكس) محذرةً من مسار مرور المساعدات إلى إقليم دارفور عبر الولاية الشمالية، ووصفت ذلك بمخطط يجري تنفيذه لنقل إمدادات عسكرية لولاية شمال دارفور موضحةً أن مناوي لا يملك الحق في إبرام أي اتفاق، أو استلام الإغاثة نيابة عن أهل دارفور دون تفويض.

وتصاعدت في الأيام الأخيرة حدة المواجهات بين الجيش والحركات الموالية له وبين قوات الدعم السريع في دارفور، لا سيما في الفاشر، حيث يحاول الجيش جاهدا استعادة بعض التوازن العسكري الذي فقده في الإقليم، بينما تسعى قوات الدعم السريع التضييق ومنع تقدم الجيش الذي يسعى لعمل مشترك مع قوات الحركات المسلحة.

وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم أنحاء دارفور في المقابل يفرض الجيش محاصرة لصيقة على مسارات مرور المساعدات للمدنيين، الأمر الذي بات يهدد الإقليم بمجاعة.

واتهمت مناوي بتحويل الإغاثات والمساعدات المخصصة لأهل دارفور، إلى مصلحته وتخزينها من أجل ابتزاز المواطنين، وحمّلته المسؤولية الكاملة أمام أهل دارفور الذين قالت إنهم يعانون المجاعة وانعدام الغذاء.

تأتي التطورات في مسارات الإغاثة في وقت وصل عدد النازحين واللاجئين الذين شردتهم الحرب السودانية إلى (11) مليون شخص، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة أكبر أزمة نزوح في العالم.

ويواجه 18 مليون شخص في السودان مخاطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويوجد في دارفور أعلى نسبة من الأشخاص الذين يعانون نقص الغذاء، في أربع من أصل خمس ولايات، بنسبة تتجاوز 40 بالمئة من سكان الإقليم الواقع غرب السودان.

وحذرت منظمة الهجرة الدولية الأربعاء الماضي، من العواقب الوخيمة التي يواجهها المدنيون في ظل استمرار الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي، مطالبة الأطراف المتصارعة في البلاد بضمان الوصول السريع للمساعدات الإنسانية دون عوائق.

ولفتت إلى أن أزمة النزوح في السودان هي الأكبر على مستوى العالم، مبينة أن كل واحد من أصل 8 نازحين داخليا هو سوداني.

ويستضيف السودان حوالي 13 ٪ من النازحين داخليا حول العالم، في وقت يحتاج نصف السكان إلى مساعدات إنسانية عاجلة.