انتفاضة السودان تنتزع المدن من قبضة السلطة
تقرير عاين : 22 ديسمبر 2018
اشتعلت مظاهرات واسعة عمت معظم مدن البلاد في حالة غضب جماهيري تعد الأوسع والأقوى منذ انتفاضة سبتمبر 2013 التي أستشهد فيها أكثر من مائتي شخص.وفي خلال اليومين الماضيين اتسعت التظاهرات بصورة غير مسبوقة ما قاد حسب شهود عيان ومصادر طبية ونشطاء الى مقتل ما لا يقل عن 12 شخصا حتى الان في مدن عطبرة والقضارف والجزيرة أبا.
وأعلنت السلطات حالة الطوارئ وحظر التجوال في أربعة ولايات هي القضارف ونهر النيل والشمالية والنيل الأبيض، وسط مخاوف الحزب الحاكم والحكومة من انحياز القوات المسلحة إلى حركة الجماهير.دفعت هذه التظاهرات والعنف المفرط من قبل الشرطة والأجهزة الأمنية، عددا من ضباط القوات المسلحة إلى التدخل حماية للمدنيين في عطبرة، القضارف، بورتسودان، الخرطوم وغيرهم.
عطبرة تشتعل السودان
وبدأت التظاهرات يوم الاثنين في كل من مدن الدمازين بولاية النيل الأزرق النهود بولاية شمال كردفان الفاشر بشمال دارفور ثم تبعتها يوم الاربعاء مدينتي بورتسودان وعطبرة حيث تمكن المتظاهرون من دحر الشرطة والأجهزة الأمنية لا سيما في عطبرة التي أحرق المتظاهرون فيها مقار الحزب الحاكم،ومقر الحكومة وغيرها من المؤسسات الحكومية. خرج المئات إلى الشوارع منددين بسقوط النظام قبل أن تتمدد المظاهرات الى مدن الولاية والقرى القريبة.
من مدينة عطبرة في مناطق خليوة وعنيبس ودار مالي بإغلاق الشوارع الرئيسية، إلا أن الاحتجاج في مدينة بربر كان الأعنف الأمر الذي تعاملت معه القوات الأمنية بعنف مفرط أدى الى مقتل عدد من المتظاهرين. وانتقلت التظاهرات بسرعة الي مدن الولاية المختلفة في الدامر شندي والمتمة وغيرها.
وذات القوة بحسب تصريح المواطن أحمد حسن عبد الجليل لـ (عاين)، قدمت الى منطقة سوق الجمارك في العبيدية وأطلقت الرصاص الحي في مساء الخميس ما أسفر عن مقتل شخصين واصابة ستة آخرين في حالة حرجة. وهذا الاعتداء العنيف على المتظاهرين، وفقا لعبد الجليل، قوبل برد فعل عنيف من قبل المتظاهرين الذين هاجموا مبنى جهاز الأمن والمخابرات والاعتداء على رجل أمن حاول اطلاق اعيرة نارية تجاه المتظاهرين ما ادى الى كسر يده.
وتطورت الاحداث وفق ما يقول عبد الجليل لـ(عاين) عند المساء حينما تجمع عدد من شباب المنطقة المسلحين واحتلوا مبنى جهاز الأمن واجبروا القوة المرتكزة بداخله على الفرار إلى جهة غير معلومة.وتتمركز قوة امنية منذ وقت بالمنطقة لحراسة شركات تعمل في مجال تنقيب الذهب في المنطقة.ونقل عبد الهادي عثمان لـ(عاين)، والذي كان مسافرا على الطريق من منطقة بربر الى عطبرة، ان معظم القرى التي مر بها في طريقه الى عطبرة تظاهرا طلابها وعدد من المواطنين على الشارع الرئيس واضرموا النيران في إطارات سيارات على الطريق دون تدخل الشرطة التي لا وجود في بعض قرى المنطقة.
ويروي المواطن ابراهيم عبد الرحمن، من منطقة الباوقة لـ(عاين) ان “المئات من المواطنين تجمعوا منددين بغلاء المعيشة وانعدام بعض السلع الاساسية والوقود وهتفوا ضد الحكومة لساعات، قبل أن يتوجهوا إلى مقر الوحدة الإدارية في المنطقة الذي أحرقه مع سيارة لاندكروزر تتبع لجهاز الأمن والمخابرات”.
وشيع متظاهرون في عطبرة مساء الجمعة جثمان الشهيد الطالب طارق أحمد علي وسط جنازة مهيبة رددت فيها شعارات تنادي بذهاب حكومة عمر البشير.
هروب من بورتسودان
مدينة بورتسودان كانت ثاني أكبر المدن انضماما لخط الثورة، إذ خرج طلاب جامعة البحر الاحمر وتجاوب معهم المواطنون منذ يوم الثلاثاء ما أدى لسيطرتهم على المدينة بأكملها عقب مقاومة وكر وفر بين الشرطة والمتظاهرين. ويقول وليد أحمد لـ(عاين) ان “يوم الثلاثاء كان يوما عاصفا وحاسما في المدينة، إذ خرج طلاب جامعة البحر الاحمر،وعند وصولهم الى السوق بوسط المدينة تعرضت الشرطة بالضرب والاعتداءات على المتظاهرين الأمر الذي أغضب المواطنون فبدأت التظاهرات في الأحياء السكنية”.
“التظاهرات وصلت الى كافة الاحياء وأحرق المتظاهرون اطارات السيارات وتجمعوا في أعداد كبيرة في الأحياء المختلفة واستطاعوا القبض على عدد من أفراد الأمن مثل حي كوريا في الديوم الجنوبية، وتواصلت التظاهرات الليلية حتى فجر الاربعاء، وفي يوم الخميس تمكن متظاهرون غاضبون من التظاهر أمام منزل والي الولاية لكن الأجهزة الامنية تصدت لهم بعنف”. ويقول وليد ان التظاهرات بدأت منذ صباح الثلاثاء عندما تفاجأ المواطنون بارتفاع سعر الخبز إلى ثلاثة جنيهات، مشيرا الى سيطرة المتظاهرين على المدينة لعدة ساعات لدرجة اضطرار الرئيس البشير الذي كان يزور الولاية لإلغاء مخاطبة جماهيرية كانت مبرمجة في نفس اليوم عصرا باستاد بورتسودان.
القضارف
وشهدت مدينة القضارف أكبر تظاهرات في تاريخها، قوبل بعنف مفرط من قبل الاجهزة الامنية ما أدى لأن تقدم المدينة أكبر عدد من القتلى خلال هذه التظاهرات حيث أقرت السلطات بمقتل ستة اشخاص على الاقل، وسط عدد كبير من الإصابات الحرجة. وفرضت السلطات حالة الطوارئ في القضارف، وسط حملة اعتقالات واسعة بدأت منذ صباح الجمعة لعدد – لم يحصر بعد – من الناشطين.
ويقول شاهد عيان من مدينة القضارف لـ(عاين) ان التظاهرات التي اندلعت الأربعاء شملت كافة أحياء المدينة من الصوفي وديم النور وغيرهم ووصلت الى سوق المدينة وأحرق المتظاهرون الغاضبون مقر الحزب الحاكم وعدد من مبان الحكومة. “المتظاهرون الغاضبون اندفعوا يهتفون متجهين نحو مقر المؤتمر الوطني بالولاية وهو المركز الرئيس للحزب الحاكم وكانوا في حالة تصميم شديدة، ورغم أن البوليس والاجهزة الامنية قابلتهم بعنف مفرط وأطلق الرصاص والغاز المسيل للدموع إلا أن الجماهير المندفعة هزمتهم ودخلت المقر وأحرقته”. ويقول شاهد عيان آخر لـ(عاين) ان “مدينة القضارف خرجت عن بكرة أبيها وكان لطلاب الجامعة الدور الأكبر في تنظيم التظاهرة والصمود أمام قوات الامن حتي تمت هزيمتها في بسالة نادرة”.
النيل الأبيض
جماهير ولاية النيل الأبيض كانت آخر المنضمين إلى التظاهرات التي عمت معظم أرجاء البلاد، حيث تمددت من مدينة كوستي الى الدويم، ثم ربك والجزيرة أبا وتندلتي. ويقول مصدر فضل حجب هويته من مدينة كوستي بالولاية أن التظاهرات بدأت في مدينة كوستي ثم تمددت إلى مدن الدويم وربك والجزيرة أبا وتندلتي. ويضيف المصدر في حديث لـ(عاين) ان المتظاهرون الغاضبون أحرقوا أيضا مقر المؤتمر الوطني ورئاسة الحكومة واستطاعوا دحر الشرطة، مضيفا ان مواطنا قتل برصاص القوات الامنية في المدينة يرجح أنه طالب”. ويضيف قائلا “ان مواطني النيل الابيض تجمعوا صفا واحد ضد معاناة انسان الولاية والفساد المستشري فيها وسيهزمون جحافل حكومة المؤتمر الوطني في كافة محليات ومدن الولاية”.
الولاية الشمالية
وفي الولاية الشمالية خرج الالاف في مدينتي دنقلا وكريمة واضرموا النار في دور المؤتمر الوطني، بعد أن تمكنوا من دحر قوات الشرطة في الولاية التي انسحبت بكل كبير من عظم المرافق والأقسام. ويقول ناشط سياسي ان المتظاهرين في كريمة أحرقوا مقر جهاز الأمن والمخابرات بمدينة كريمة بعد قتلهم أحد المتظاهرين يوم الجمعة. ويقول “أضرم المئات من المحتجين عصر اليوم الجمعة بمدينة كريمة بالولاية الشمالية النيران في مباني جهاز الأمن والمخابرات الوطني بعد أن قام أفراد الجهاز بإطلاق كثيف للنار على المتظاهرين الذين تجمعوا بالمئات بعد تشييع جثمان الشهيد عثمان اللبوتة”.
الخرطوم والقناصة
ووصلت التظاهرات منذ الاربعاء الي الخرطوم واتسعت نهار الخميس عقب انضمام طلاب الجامعات علي رأسها جامعتي الخرطوم والنيلين للمتظاهرين. واستمرت التظاهرات الليلية يوم الخميس حتى صباح الجمعة في أحياء الخرطوم وامدرمان. واستخدمت السلطات عنفا غير مسبوق ضد طلاب جامعة الخرطوم، فيما قالت مصادر إن قناصة ملثمين بملابس مدنية ظهروا في عدة أماكن. ويقول طالب جامعي لـ (عاين) ان ” يوم الخميس كان يوما احتدمت فيه مواجهات شرسة بين طلاب معظم الجامعات بالخرطوم والاجهزة الامنية والشرطية، لكنه يكشف عن انضمام قوات ما يسمى ب “الأمن الطلابي” لقمع المتظاهرين. ووقع بالفعل -حسب الطالب- حملة اعتقالات واسعة وسط الناشطين من الطلاب وقيادات الحراك الطلابي. ويقول شهود عيان آخرون إن التظاهرات عمت معظم أحياء العاصمة ليل الخميس، فيما أغلق المتظاهرون معظم الشوارع الرئيسية في العاصمة.
كسلا
في أوقات متاخرة من عشية الجمعة دخلت مدينتي كسلا والقاش طرفاً قوياً في حملة انتزاع مدن من الحكومة السودانية وخرجت جماهير ولاية كسلا مطالبة باسقاط النظام ويقول المواطن هيثم على العامل الأساسي في الحراك هو الغياب التام لمتطلبات الحياة التي اصبحت مشلولة تماماً ولم يتبقى امام الناس سوى الخروج الى الشارع موضحاً لـ(عاين) ” مشو الناس مباشرة على دار المؤتمر الوطني ولكن الاجهزة قامت بإطلاق الرصاص الحي ولكن تواصلت الحشود الى ان تم حرق الدار حوالي الساعة 10 مساء” وزاد ولكن الاجهزة الامنية تعقبت المواطنين في منازلهم وقامت بحملة اعتقالات واسعة من ضمنهم تم اعتقال الناشط هيثم عيسي.
حالة الطوارئ
ومع انتشار التظاهرات في كافة أنحاء البلاد رفعت الحكومة من حالة الطوارئ ومددت حظر التجوال إلى أربعة ولايات في وسط وشمال البلاد وهي ولايات نهر النيل والقضارف ثم الولاية الشمالية والنيل الأبيض.
وكما تشي خطوة إعلان حالة الطوارئ في معظم انحاء البلاد بتخوف الحكومة من اتساع التظاهرات في ظل الدعوات الكبيرة والتجاوب غير المسبوق من قبل المواطنين، إلا أنها تنذر – حسب مراقبون- باطلاق يد حكومات الولايات والاجهزة الامنية ومليشيات الحزب الحاكم في استخدام العنف ضد المتظاهرين من أجل قمع تمدد الانتفاضة الحالية. بينما يرى اخرون ان الحكومة تريد منع اتساع بوادر انحياز ضباط من القوات المسلحة للمواطنين المتظاهرين وتصديها للأجهزة الامنية وخطورة تلك الخطوة التي يمكن أن تفقد الأجهزة الأمنية والمليشيات السيطرة علي الموقف تماما، لا سيما في ظل التبرم السابق لضباط الجيش بشأن الصلاحيات الواسعة الممنوحة لقادة المليشيات. ويشير آخرون إلى تخوف قيادات الحزب الحاكم من انحياز قادة القوات المسلحة للمتظاهرين ويعملون علي تحجيم ذلك الاحتمال بإعلان حالة الطوارئ.
الجيش
واحدة من أبرز التطورات اللافتة خلال المظاهرات المندلعة في معظم أنحاء البلاد، هو ظهور بوادر تعاطف الجيش مع المواطنين واحتمالات خروجه عن السيطرة في المرحلة القصيرة المقبلة. وبرزت حالات عديدة لأول مرة منذ وصول الإنقاذ إلى الحكم في العام 1989، مثلت انحيازا من ضباط في القوات المسلحة قاموا بحماية المتظاهرين من بطش قوات الأمن والشرطة في مدن القضارف وعطبرة وبورتسودان.
ويقول شاهد عيان بدرالدين علي من مدينة عطبرة ان مشادة كلامية وقعت بين ضابط برتبة عقيد وجنود وضباط من الشرطة في سوق المدينة دفعت ضابط الجيش الي منع الشرطة من اطلاق الرصاص في الهواء وحذرهم بأن الجيش سيتدخل في حال محاولتهم إطلاق الرصاص علي المواطنين، وسط هتافات من المواطنين تحية لضباط القوات المسلحة. ويضيف علي في حديث لـ (عاين) ان قائد القوة المتمركزة شمال عطبرة قام بمنع قوات الاحتياطي المركزي التي حاولت حكومة الولاية إحضارها لقمع التظاهرات من دخول المدينة. أما في مدينة القضارف فقد خاطب اللواء محي الدين الهادي جموع المتظاهرين في سوق المدينة طالبا منهم عدم التعرض للممتلكات العامة، مؤكدا أن الجيش لن يسمح بضرب المتظاهرين السلميين.
أما في مدينة بورتسودان فيؤكد مصدر طلابي ان ما لايقل عن ثلاثمائة من طلاب جامعة البحر الأمر من المتظاهرين اضطروا للاحتماء برئاسة الحامية العسكرية في مدينة بورتسودان بعد تعرضهم للملاحقة من قوات الشرطة والأمن، مؤكدين أن جنود القوات المسلحة شكلوا صفا أمام المدنيين منعا لتعرضهم للعنف من قبل الشرطة الأمر الذي قاد الاخيرة للانسحاب من المكان.
ظهور رسمي واتهامات
وفي اثناء حراك الشارع الموشح بدماء الشهداء خرج وزير الإعلام السوداني بشارة ارور ببيان قال فيه ” إن الحكومة لن تسمح بالفوضى” الأمر الذي اعتبره ناشطون تحريضاً على استخدام العنف وقال الناشط فيصل موسى حديث وزير الاعلام يدل إطلاق الحكومة لايدى رباطتها لقتل الابرياء واضاف ” هم الفوضى شافوها وين” وعقب بيان وزير الاعلام اتهم مدير عام جهاز الامن الفريق صلاح عبد الله الشهير بـ(قوش) علنا حركة جيش تحرير السودان قيادة عبد الواحد محمد نور بالوقوف خلف التظاهرات. واتهم مدير الجهاز في لقاء مع بعض رؤساء تحرير الصحف ، أفراد يتبعون لمجموعة عبد الواحد محمد نور، بممارسة التخريب والعنف في بعض المدن أحرقوا خلالها بعض المقار الحكومية، وكشف أن الحركة أعادت 280 فرداً، انتقلوا إلى نيروبي ومنها دخلوا إلى البلاد، وذكر أنه تم تجنيد عدد من أولئك العائدين للموساد الإسرائيلي. ولكن حركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد وصفت تصريحات قوش بالبلاهة وقال الناطق الرسمي باسم الحركة محمد عبد الرحمن الناير لـ(عاين) نحن نفرق بين معارضة النظام ومعارضة الوطن ، في معركتنا مع النظام ومليشياته وأجهزته القمعية وليست مع الشعب السوداني ، ونعلم يقينا أن الممتلكات العامة هى ملك للشعب السوداني وليست للمؤتمر الوطني وبالتالي ما قاله المدعو قوش هو سذاجة وبلاهة سياسية وترهات تعبر عن حالة العجز والتوهان التى وصل إليها قادة النظام الذين أصبحوا يقولون ما لا يعلمون ويظنون بأنهم بهذه الاكاذيب يخدعون الشعب السوداني الذي يعلم من قتل اكثر من 600 الف في دارفور وحدها هو نظام صلاح قوش الذي اصبح رأسه مطلوبا وهارب من العدالة الدولية ، في القتل والتخريب ونهب الثروات والممتلكات هي سياسة وممارسة رسمية للنظام وماركة مسجلة باسمه. ولدينا المعلومات الكاملة ان الذين أحرقوا ونهبوا هم منسوبي الاجهزة الامنية بهدف إجهاض الثورة. وتسائلا الناير قائلاً ” اذا كانت لدي صلاح قوش معلومات عن وصول 280 عضوية للحركة من اسرائيل عبر كينيا كما يزعم فلماذا لم يعتقلهم قبل ان يحدثوا هذا التخريب المتعمد”