الجيش السوداني يضغط لتوسيع صلاحياته في الاتفاق المرتقب مع أحزاب سياسية

15 نوفمبر 2022

 تقترب مجموعات سياسية في السودان من إبرام اتفاق مع العسكريين مع تنازلات قدمها الطرفان طيلة الأسابيع الماضية في محادثات جرت في مقر إقامة قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

وكان قائد الجيش السوداني اطاح بالحكومة المدنية في أكتوبر 2021 الماضي ومنذ ذلك الوقت يتظاهر آلاف السودانيون في الشوارع بالعاصمة والمدن رفضا للانقلاب العسكري بينما تطرح الحرية والتغيير- المجلس المركزي- عملية سياسية مع العسكريين تفضي إلى اتفاق باستعادة المسار المدني لكنها بالنسبة لهؤلاء المحتجين مرفوضة.

ورغم هيمنة الجيش على السلطة في السودان منذ استقلال هذا البلد إلا أن المجموعة المدنية تدافع عن الاتفاق المرتقب مع جنرالات الجيش وتقول إنه سيكرس لـ”مدنية رأس الدولة” بينما يتمسك الجيش بالجمع بين “رئاسة الدولة” والقائد الأعلى لمجلس القوات المسلحة” وتسمية الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

ويواجه الاتفاق  ثلاثة نقاط خلافية يتحفظ عليها العسكريين وهي عملية توصيف قوات الدعم السريع بـ “القوات النظامية” كما جاء في مسودة الاعلان الدستوري إذ أن الجيش يعترض على هذا التوصيف إلى جانب طلبه رسميا بتقلد قائد الجيش رئاسة الدولة مستحوذا على صلاحيات العلاقات الخارجية واعتماد تعيين محافظ البنك المركزي وإجراء الترتيبات الأمنية واصلاح المؤسسة العسكرية.

أما  البند الثالث عملية تشكيل مجلس القضاء إذ يدعو العسكريين إلى منحهم الفرصة للمشاركة في تأسيسه وهذا المجلس ينص مقترح على تشكيله من 11 قاضيا مرموقا  أما البند الرابع يتعلق بالعدالة وبينما تظهر “الحرية والتغيير” ترحيبا حذرا بمقترح من العسكريين بتوقيع العقوبة على الجنود والضباط الذين أطلقوا الرصاص على المتظاهرين وضحايا الانتهاكات قبل وبعد الانقلاب قد يجلب هذا البند غضبا شعبيا على المجموعة المدنية التي تتفاوض مع الجنرالات.

رئاسة الدولة لقائد الجيش

بينما قال مصدر لصيق بالمحادثات الجارية بين وفد من “المجلس المركزي” والمكون العسكري الذي يهيمن عليه قائد الجيش لـ(عاين)، إن البرهان أبلغ دبلوماسيين غربيين أن رئاسة الدولة يجب أن يحتفظ بها القائد العام مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو جسم جديد يضم كبار الجنرالات  في الاتفاق المرتقب.

قائد الجيش السوداني

وأردف قائلا: “شدد البرهان أمام دبلوماسيين غربيين أنه لا يمكن التنازل عن رئاسة الدولة لصالح الأحزاب السياسية إذا كان المجتمع الدولي حريص على وحدة السودان لأن الجيش لا يثق في الأحزاب السياسية أن تحافظ على وحدة هذا البلد”.

وكان قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان قد أعلن في خطاب أمام الجنود والضباط في قاعدة عسكرية غربي العاصمة السودانية الأحد الماضي أن الجيش لن يسمح لأحد بالتدخل في شؤون تحت مزاعم اصلاح المؤسسة العسكرية.

وهدد قائد الجيش بـ”قطع ألسنة وأيادي” السياسيين الذين يتدخلون في شؤون الجيش ومضى أكثر من ذلك وطلب من القوات المسلحة بإيقاف الحكومة المدنية القادمة إذا خرجت عن الطريق.

الجيش ينفرد بالإصلاح

وتؤكد تصريحات البرهان صحة المعلومات التي حصلت عليها (عاين)، من قيادي في “الحرية والتغيير المجلس المركزي” حيث اشترط قائد الجيش على الرباعية الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة إصلاح المؤسسة العسكرية وتكوين جيش موحد بتنفيذ الورقة التي تقدمها الحكومة المدنية دون السماح بتدخل المدنيين.

وأضاف هذا القيادي مشترطا حجب اسمه: “البرهان أبلغ دبلوماسيا أمريكيا أن الجيش يصلح نفسه داخليا وإن كانت هناك خطط للمدنيين فيجب أن تمرر إلى الجيش عن طريق رئيس الوزراء المدني على أن لا يتدخل أي مدني في إصلاح المؤسسة العسكرية”.

وتابع: “الولايات المتحدة الأميركية لم تعترض على هذا الطلب شريطة أن يكون هناك جيشا موحدا في غضون السنوات القليلة القادمة”.

اتفاق وشيك

فيما يعتقد متحدث الحرية والتغيير “المجلس المركزي” شهاب الطيب في حديث لـ(عاين) أن الاتفاق قد يكون قريبا حال انتهاء المشاورات الجارية داخل “الإئتلاف السياسي” للرد على الملاحظات التي ابداها العسكريون حول بنود مسودة الإعلان الدستوري المقترحة لتكون دستورا انتقاليا.

وفد من الحرية والتغيير المجلس المركزي يلتقي الآلية الثلاثية 12 مايو 2022

وحول تحفظ الجيش على اعتبار قوات الدعم السريع قوات نظامية كما جاء في مسودة الاعلان الدستوري لـ”المحامين” قال الطيب إن الحرية والتغيير تحاول السيطرة على التعقيدات حتى لا تتحول إلى صراعات بين العسكريين وفي نهاية المطاف لابد من تكوين جيش موحد.

ويشدد الطيب، على أن الاتفاق مع العسكريين ضروري لتدارك الوضع في البلاد. وقال “إن عملية عض الأصابع بين العسكريين والمدنيين لن تسفر عن شيء في ظل وضع معقد أمنيا وعسكريا”.

ويكشف الطيب، عن انخراط المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير في اجتماع لصياغة الرد على ملاحظات العسكريين ومن ثم عقد “لقاء مباشر” خلال الأسبوع القادم بين العسكريين و”الحرية والتغيير”.

وحول موعد توقيع الاتفاق يرى شهاب الطيب، أن العراقيل التي توضع أمام العملية السياسية الجارية متعددة من الجماعات الاسلامية والنظام البائد لذلك من الصعب التكهن بموعد محدد لكن في ذات الوقت قد يكون خلال الشهر القادم.

مستقبل الحراك السلمي

ويؤكد عضو اللجنة الفنية المشتركة لدمج مواثيق لجان المقاومة وعضو تنسيقيات لجان مقاومة جنوب الخرطوم معز الدين محمد في حديث لـ(عاين)، أن الاتفاق المرتقب رغم أنه قد يؤثر على “المستويات العليا” التي تقود الحراك السلمي خاصة وأن بعض الأحزاب تحاول اضعاف التنسيقيات بولاية الخرطوم لتمرير الصفقة السياسية لكننا قادرون على إعادة التقييم وإحياء التنسيقيات.

وتقود تنسيقيات لجان المقاومة في العاصمة والولايات الاحتجاجات الشعبية ضد الحكم العسكري منذ الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، وترفع شعارات ليس من بينها التفاوض مع العسكريين ووقعت فيما بينها ميثاقا “اسمته الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب“.

الأمن السوداني يقمع تظاهرات حاشدة واعتقالات وسط المحتجين
الأمن السوداني يقمع تظاهرات حاشدة بالخرطوم 13 سبتمبر 2022

وأوضح معز الدين محمد أن المجموعة المدنية التي ستوقع على الاتفاق مع الجنرالات ستُعامل معاملة الانقلابيين ورغم أن هناك استهداف لاضعاف اللجان نحن نثق أن الشارع سيكون له تأثير كبير في مقاومة السلطة القادمة.

وأضاف: “الكتلة التي تخرج في الاحتجاجات لن تتأثر بالاتفاق”.

مناهضون للاتفاق

وتأسس الاتفاق المرتقب بين “الحرية والتغيير” والجنرالات على مشروع الإعلان الدستوري الذي قدمته “نقابة المحامين” وسط اعتراضات قوية من أنصار البشير ومجموعات داخل السلطة الحالية وأبرزها الحركات المسلحة التي تنخرط ضمن قوى الحرية التغيير الكتلة الديمقراطية.

ويقول القيادي في قوى الحرية والتغيير “الكتلة الديمقراطية” محي الدين جمعة في تصريحات لـ(عاين)، إن الاتفاق الثنائي بين “مجموعة المجلس المركزي” والعسكريين لن يمضي إلى الأمام ولن يفضي إلى عملية تحول ديمقراطي لأن أقصى الأطراف الشريكة من المشهد.

ويقول جمعة إن قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” تكرس للسلطة من جديد كما فعلت في 2019 ولذلك نحن رفضنا هذا الاتفاق و اقترحنا تعديل الوثيقة الدستورية للعام 2019 وكنا أكثر شجاعة حول علاقة الدين بالدولة في الإعلان السياسي الذي طرح الأسبوع الماضي.

ويشدد جمعة على أن “الكتلة الديمقراطية” لن تعترف بالاتفاق الثنائي لأنها تتبنى التسوية الشاملة بين السودانيين وخلق علاقة متوازنة بين المدنيين والمؤسسة العسكرية.

ويشير جمعة إلى أن “مجموعة المجلس المركزي” غير مستوعبة للتعقيدات في البلاد وتعتزم تكرار نموذج السلطة الانتقالية قبل الإجراءات العسكرية في 25 أكتوبر 2021 وتضع أقدامها على السلطة.

ومن خلال رصد ومتابعة (عاين) للاتفاق المرتقب بين العسكريين و”الحرية والتغيير” والذي قد يُوقع في الفترة بين ديسمبر ويناير في أقصى تاريخ طبقا لمشاورات الآلية الرباعية بحسب مصادر مطلعة، فإن رئاسة الدولة ستُمنح “صلاحيات” اعتماد السفراء واعتماد المراجع العام وإدارة العلاقات الخارجية ومحادثات السلام مع الحركات غير الموقعة وإذا تمكن الجيش من الجمع بين المجلس الأعلى وصلاحيات رأس الدولة فإن المؤسسات المدنية المؤثرة ستكون تحت سيطرة العسكريين.

متحدث الحرية والتغيير “المجلس المركزي” شهاب الطيب – الصورة ارشيف

لكن متحدث الحرية والتغيير “المجلس المركزي” شهاب الطيب، يستبعد حدوث هذا الأمر ويقول إن “الصلاحيات ستخضع إلى المفاوضات المباشرة بين العسكريين والمدنيين بتسهيل من الآلية الثلاثية”.

وقد تستغرق التفاهمات بين العسكريين و”الحرية والتغيير” أسبوعين على الأقل قبل الوصول إلى مرحلة المحادثات المباشرة وبينما يتطلع الجيش إلى منح حق تشكيل الحكومة المدنية للقوى السياسية التي تبرم معها الاتفاق إلا أن “كفة الصلاحيات” هي التي ترجح مستقبل الاتفاق.

 

تعليق واحد

  1. نأمل ذلك أن يتم بتوافق شامل بين كل أبناء الوطن السودان ومؤسساته وكياناته السياسية والدينية والاجتماعية

عذراُ. التعليقات مغلقة.