السودان: منبر مهمل ومبادرات مبعثرة لإنهاء الحرب
عاين- 20 يوليو 2024
خلال أكثر من عام تجولت الأزمة السودانية بين عدة مبادرات إقليمية ودولية فضلاً عن منبر جدة الوحيد الذي لا يزال يحُظى بدعم دولي وإقليمي إلى جانب أنه يُحظى بقبول معقول من قبل الطرفين المتحاربين، الجيش والدعم السريع.
ومنذ انعقاد منبر جدة، الذي أنطلق في 6 مايو 2023 أي بعد أقل من شهر من اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023. طُرحت عدة مبادرات للمساهمة في إنهاء الصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع. أبرز هذه المبادرات مبادرة الإيقاد والاتحاد الأفريقي، إلى جانب دعوة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المتعلقة بمحادثات معنية ببحث الوضع الإنساني وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية التي تهدف إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر لأغراض إنسانية.
وفي المقابل، هناك دعوات أيضًا للقوى المدنية بدأت بالعاصمة المصرية القاهرة مرورًا بدعوة الاتحاد الإفريقي التي قاطعتها بعض القوى الرئيسية المدنية على رأسها “تقدم” وحركة جيش تحرير السودان، والحركة الشعبية وحزبي البعث العربي الأصل والشيوعي.
تخوف من دخول جماعات متطرفة
يرى الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني والقيادي في «تنسيقية تقدم» ، شريف محمد عثمان، أن تعدد المبادرات يعبر عن الاهتمام بالقضية السودانية كما يعبر عن إدراك لمخاطر استمرار الحرب والكارثة الإنسانية، إلى جانب الخوف من تمدد العنف ودخول جماعات متطرفة من شأنها أن تهدد الإقليم ودول الجوار.
شريف عثمان: تعدد المبادرات يعد تبديداً للجهود، كما أنه يمنح الأطراف العسكرية فرصة للتهرب من مسؤولياتهم تجاه وقف الحرب
وعلى الرغم من ذلك يعتبر عثمان في مقابلة مع (عاين) أن تعدد المبادرات يعد تبديداً للجهود، كما أنه يمنح الأطراف العسكرية فرصة للتهرب من مسؤولياتهم تجاه وقف الحرب.
لذا وبحسب -شريف ، فإن «تقدم» دعت المؤسسات الإقليمية والدولية والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية (منبر جدة) ودول جوار السودان إلى توحيد الجهود وإنهاء تعدد المنابر. في وقت أشار فيه إلى أن قضية وقف الحرب ترتبط بأطرافها على نحو مباشر.
الدعم السريع وفقا لهذا المصدر، ظلت تعلن بشكل متكرر استعدادها للتفاوض، بينما ظلّ خطاب الحرب هو المسيطر على قادة الجيش، متماهياً مع خطاب عناصر النظام البائد.
فك الارتباط مع الإسلاميين
ويرى القيادي في «تقدم» أنه من المهم أن تمارس دول المنطقة والإقليم والقوى المدنية والديمقراطية ضغوطًا على الجيش لفك ارتباطه عن الإسلاميين لصالح السلام الدائم والمستدام.
في الشق المدني، يؤكد عثمان إلى أن «تقدم» أعلنت موقفها من قضية إنهاء الحرب وعرضت رؤيتها، بدءًا من خارطة الطريق لإنهاء الحرب التي قدمتها في ديسمبر الماضي، مرورًا برؤيتها السياسية التي تمت إجازتها في المؤتمر التأسيسي نهاية شهر مايو المنصرم.
ولفت إلى أن المبادرات المقدمة لحل أزمة السودان تتمثل في مبادرة (الإيغاد) والاتحاد الإفريقي ومنبر جدة والمنامة والقاهرة، والآن جنيف. وأوضح أن هذه المبادرات بعضها استهدف الأطراف المتحاربة وبعضها استهدف القوى المدنية.
فيما يخص الأطراف المتحاربة، يشير عثمان، إلى أن المبادرات الأكثر فعالية في المشهد هي منبر جدة برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب اتفاق المنامة الذي تم بجهد إماراتي مصري مع تنسيق مع منبر جدة.
ويرى أن هذين المبادرتين (جدة والمنامة) نجحتا في الوصول لتفاهمات متقدمة في قضية وقف الحرب، وكان من الممكن أن تقود إلى وقف إطلاق نار لولا تراجع وفد القوات المسلحة في اللحظات الأخيرة في العاصمة البحرينية المنامة. كما يرى أن هذه الدعوات تبنت آليات مختلفة ومتباينة عن بعضها البعض إلى حد كبير.
وتابع: “في جدة اتبعت خطوات للتفاوض المباشر بين الطرفين وهو تفاوض معلن، بينما في اتفاق المنامة كان التفاوض سريًا وبين قيادات رفيعة بين القوتين (الفريق كباشي والفريق عبد الرحيم)، بينما اعتمدت الإيقاد والاتحاد الأفريقي منهج دعوة (برهان وحميدتي) للتفاوض المباشر”.
وبالنسبة لمحادثات جنيف التي قدمتها الأمم المتحدة، فإنها تهدف إلى فتح المسارات الآمنة لدخول المساعدات الإنسانية وقضية حماية المدنيين”.ويبدو أن هذه المحادثات ستناقش وقف إطلاق نار لأغراض إنسانية.ووفقاً لعثمان فإن مؤتمر القاهرة كان ناجحاً؛ لأنه استطاع تحقيق الأهداف المرجوة منه، كما أنه وسع دائرة الأطراف الرافضة للحرب وتكوين آلية لتطوير النقاش بينهم.
بالنسبة للدعوة التي قدمها الاتحاد الأفريقي، يرى عثمان أن تقدم مع تأكيدها لأهمية قيادة الاتحاد الأفريقي للعملية السياسية بين القوى المدنية، إلا أنها ترى أن المسؤولين عن الملف في الاتحاد الإفريقي لم يحسنوا التعامل مع هذه الدعوة إلى عدة أسباب؛ عدم التشاور مع القوى الرئيسية حول الأطراف المشاركة، كما لم يتم التشاور معها حول الأجندة. إلى جانب أن الاتحاد الأفريقي أصدر دعوات لجهات هي في الأصل واجهات للمؤتمر الوطني المحلول ولا قيمة سياسية لها، حسب قوله.
وبين القيادي في «تقدم»، أن ذلك دفع «التنسيقية» لمقاطعة اجتماع الاتحاد الأفريقي إلى جانب مقاطعة أطراف رئيسية أخرى (الحلو وعبد الواحد نور والبعث والشيوعي) مما جعله بلا قيمة سياسية تُذكر.
عثمان أكد في حديثه إلى أن إلى منبر جدة يظل هو أكثر منبر لا يزال يُحظى بدعم دولي وإقليمي مع مشاركة الإيقاد والاتحاد الأفريقي، لذا يجب بذل الجهود لدعم هذا المنبر والعمل على حث الطرفين للعودة إلى طاولة التفاوض.
ورداً على سؤال حول أهمية حث اللاعبين الدوليين، لتوحيد كل هذه المبادرات، يقول القيادي في «تقدم»، شريف محمد عثمان: “قدمنا دعوتنا إلى الفاعلين الإقليميين والدوليين لتنسيق الجهود وتوحيدها”. وأضاف” أعتقد أن هناك تنسيقاً واتصالات عديدة تهدف إلى ضم أطراف أخرى إلى منبر جدة، على رأسها دولتا الإمارات ومصر”.
ورأى أن الواجب يحتم على المؤسسات الدولية والإقليمية ودول جوار السودان العمل على توحيد الجهود وتنسيقها للوصول إلى هدفها النهائي وهو إيقاف الحرب وإنهاء معاناة الشعب السوداني.
جدة.. نهاية الحل!
وأمام الاتفاق على أن تعدد المبادرات أثر سلباً على سرعة إنهاء حرب السودان، كما أدى إلى تأخر إحلال السلام، فإن أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين، مصعب محمد علي، يؤكد أن الأفضل هو توحيد المبادرات لتقود إلى منبر واحد للتفاوض عن طريق جولات تقود لوضع نهاية للحرب.
استاذ علوم سياسية: أهم الأسباب التي تمنع الأطراف من الجلوس إلى طاولة التفاوض هو أن كل طرف يعتقد بقدرته على حسم المعركة عسكرياً.
ويلفت في مقابلة مع (عاين) إلى أن أهم الأسباب التي تمنع الأطراف من الجلوس إلى طاولة التفاوض هو أن كل طرف يعتقد بقدرته على حسم المعركة عسكرياً.
وفي ما يخص الجهود الأفريقية رأى مصعب علي، أن المنظمتين الإقليميتين؛ الإيغاد والاتحاد الأفريقي فشلتا حتى الآن في إحداث أي اختراق يتعلق بحرب السودان. بينما يؤكد أن منبر جدة واتفاق المنامة أحدثا اختراق نوعي.
وأوضح: “في جدة أكد الاتفاق على خروج الدعم السريع من منازل المواطنين والأعيان المدنية. كما أن اتفاق المنامة تميز بأنه جرى بتمثيل قيادات عسكرية من الصف الأول لطرفي الحرب”.
ووفقاً لأستاذ العلوم السياسية، فإن فشل أي بادرة للتفاوض، يُعزى إلى أن الطرفين لا يمتلكان الرغبة اللازمة في إنهاء الحرب. ويرى أن الجهود الإقليمية والدولية خلال الفترة القادمة ستبذل جهداً أكبر لأجل توحيد المبادرات في منبر واحد مرجحا أن يكون هذا المنبر هو “منبر جدة”.
منبر واحد هو جدة
وهنا، فإن الناطق الرسمي باسم «تقدم»، بكري الجاك، يعتقد أيضا أن تعدد المنابر يضر بحل الأزمة السودانية. وفسر بقوله”مع بداية كل منبر جديد سيتم فتح ملفات جديدة دون أن تحديد المسؤوليات ووضع آليات للمحاسبة والرقابة حول ما تم الاتفاق عليه.
واعتبر في حديث لـ (عاين) أن تعدد المنابر دون تنسيق وترتيب للقضايا عبر وضع جداول أعمال مع وجود رقابة دولية ستكون مدخلا للتسويف وعدم الالتزام بأي حلول سلمية.
واعتبر أنه حتى الآن لا يوجد منبر بذلك المعنى. وأوضح: “المنبر الوحيد هو منبر جدة، لأنه استطاع أن يجمع الطرفين المتحاربين للتفاوض بشكل غير مباشر؛ مما قاد لتفاهمات تمخضت عن إعلان جدة في 11 مايو 2023.
الجاك أوضح أيضا وجود اتفاق سياسي عبر ذات المنبر بين طرفي النزاع في ديسمبر الماضي تراجع عنه الجيش في آخر لحظة، حسب قوله. وتابع: “عن طريق ذات المنبر كانت هناك تفاهمات بين الطرفين لإيقاف إطلاق نار جزئي في الفاشر، وهو الأمر الذي تراجع عنه الجيش”. وأضاف: “لذا، فإن المنبر الوحيد هو منبر جدة الذي له القدرة على جمع الطرفين”.
وأردف “الآن، توجد هذه المحاولة في جنيف، إنها تهدف إلى حث الطرفين السماح بدخول المساعدات الإنسانية وفتح ممرات آمنة دون الحديث عن ترتيبات بعيدة المدى أو عملية سياسية.
وزاد “التحركات الأخرى لم تكن منابر، بل مبادرات لم تصل لدرجة جمع الطرفين المتحاربين…”لا نستطيع أن نقول بوجود منابر، هناك عدة مبادرات لم ترق لحث الطرفين للجلوس على طاولة تفاوض مباشر”.
الرغبة في حسم المعركة عسكرياً
ويعتبر الجاك، أن العوامل الرئيسية لفشل أي بادرة للتفاوض بين الطرفين المتحاربين،تتمثل في عدم جدية الطرفين في الذهاب للتفاوض بسبب ورغبتهما في حسم المعركة عسكريا. كما أن كلا الطرفين يرغبان في تحسين موقفهما التفاوضي عبر تحقيق انتصارات عسكرية.
بكري الجاك: الطرفان لا يدركان أن ملف السودان ليس من الملفات التي تٌحل بهزيمة أحد الطرفين على الأرض
ولفت، إلى أن الطرفين لا يدركان أن ملف السودان ليس من الملفات التي تٌحل بهزيمة أحد الطرفين على الأرض، معتبراً أن الوضع معقد أكثر من ذلك.
وحول أهمية توحيد المبادرات يؤكد بكري الجاك بقوله: “ما زلنا نحث القوى الإقليمية والدولية وخصوصاً الاتحاد الأفريقي ودولة مصر على توحيد المبادرات أو التنسيق بينها لئلا تتحول أي مبادرة لـ”خبطة عشواء” تبدأ من مكان ما حيث لم تنتهي المبادرة التي سبقتها.
استرايجية التسويف
المحللة السياسية، خلود خير، تقول، إن الوساطات تكتسب زخما في هذه اللحظة الزمنية فقط، لأن موسم الأمطار والفيضانات نقل ساحة المعركة من الأرض إلى طاولة الوساطة. وترى في حديثها لـ(عاين) إن تعدد مسارات الوساطة هو أحد أكبر الأسباب التي أدت إلى فشل الوساطات.
ورأت أن اختيار المؤتمرات هو استراتيجية ناجحة يستخدمها الطرفان. وتشير إلى أن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ليسوا مستعدين للسلام، وتعتبرهما بارعين في التمويه وكسب الوقت من خلال الوساطات نفسها.
خلود خير: الوساطات لا تأخذ في الحسبان ديناميكيات الصراع المحلي، كما أنها بنفس القدر لا تأخذ في الحسبان فرص بناء السلام المحلي.
وتنتقد خير، الوساطات الفاعلة في ملف السودان، وتقول إنهم يكافئون المتحاربين عن طريق وضعهم في المركز. بينما تقول إن المحادثات التي تشمل المجتمع المدني والنساء والشباب وما إلى ذلك كانت قليلة جدًا.وترى خير أن الوساطات متطرفة من حيث مطالبتها بوقف إطلاق نار وهو ما أظهر الطرفين عدم القدرة على تحقيقه.
وتضيف: “ينبغي أن يكون هناك تفاوض حول؛ على سبيل المثال، إعادة خدمة الاتصالات التي من شأنها بناء بعض الثقة بين المتحاربين والوسطاء، وكذلك إظهار التقدم للشعب السوداني.
ورأت أن الوساطات تركز فقط على القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وليس على الجهات المسلحة الأخرى، التي تؤدي دورًا حاسمًا.
كما أوضحت خير أن أنها الوساطات لا تأخذ في الحسبان ديناميكيات الصراع المحلي، كما أنها بنفس القدر لا تأخذ في الحسبان فرص بناء السلام المحلي.