السودانيون يترقبون مفاوضات (جدة).. أبرز عوامل الفشل والنجاح

عاين- 24 أبريل 2024

بعد أشهر من تعليق مفاوضات سلام السودان، من المقرر أن تعود الأطراف العسكرية المتحاربة – الجيش والدعم السريع- إلى منبر جدة خلال مايو القادم في ظل تضاعف المأساة وارتفاع عدد النازحين داخليا وخارجيا إلى قرابة 9 ملايين شخص بينهم مليون شخص تخطوا الحدود.

ويعتزم الميسرون الأميركيون والسعوديون طرح خارطة جديدة للمفاوضات وهي شبيهة بالاتفاقيات التي وقعت في دول القرن الأفريقي مثل بروتوكولات تنفذ على مراحل، وقد تستغرق نحو عشرة أعوام- بحسب مصدر دبلوماسي لـ(عاين).

والجولة المرتقبة ستضم الإمارات ومصر كأعضاء جُدد في منبر جدة حسب ما ذكر المتحدث باسم تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) بكري الجاك الذي اعتبر دخول الدولتين في هذه الجولة قد يكون مؤشرا إيجابيا.

ومن المؤشرات الإيجابية لصالح وقف الحرب، والتي يراها “الجاك” في حديث مع (عاين) عدم وجود تغير موازين القوى على الأرض بين الطرفين المتنازعين إلى جانب الضغوط الدولية هذه المرة قد تختلف قليلا عما كانت عليها في الجولات السابقة.

ولا يخفي متحدث تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية بكري الجاك تفاؤله بإحراز تقدم خلال الجولة القادمة وملامسة خطوة نحو وقف الحرب في السودان حينما سألته (عاين) هل أنت متفائل هذه المرة؟ أجاب “نعم”.

حصيلة عام

في 11 مايو من العام الماضي وُقِّع على اتفاق مبادئ أولي بين الجيش والدعم السريع يلزم بحماية المدنيين والسماح بمرور المساعدات الإنسانية، كما اُتُّفِق على هدنة قصيرة لوقف إطلاق النار، لكن انهار الاتفاق، ولم يلتزم الطرفان حتى بالهدنة.

في ذات الشهر بدأت الجولة الثانية بدون تقدم على الأرض ما اضطر الوساطة إلى تعليق المفاوضات؛ بسبب الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الطرفان وفق بيان صدر عنها مطلع يونيو 2023.

وبعد توقف استمر 5 أشهر عاد الطرفان مجددا إلى منبر جدة بعد أن اتفقا على التهدئة وعدم التصعيد الإعلامي وإجراءات بناء ثقة، لكن المحصلة لم تكن أفضل من سابقاتها، واستمرت المعارك بدون توقف.

بعد تعثر المفاوضات في جدة؛ دخلت كل من القاهرة وأبوظبي في سباق الوساطة؛ وقامتا برعاية منبر غير معلن في المنامة تميز بارتفاع تمثيل المفاوضين من الطرفين؛ حيث ناب عن الجيش السوداني نائب القائد العام “شمس الدين كباشي” ومثل الدعم السريع قائد ثاني القوات “عبد الرحيم دقلو”، وُقِّع إعلان مبادئ تجاوز فيه الطرفان بعض الأمور العالقة في اتفاق جدة مثل آلية تشكيل الجيش الواحد وضرورة تفكيك تمكين نظام ١٩٨٩، لكن توقفت المفاوضات عند هذا الحد.

بعد تعيين الولايات المتحدة الأمريكية لمبعوث جديد، توم بريللو، أعلن العودة إلى المفاوضات في 18 أبريل الجري، لكنه سارع إلى الاعتذار عن التاريخ.

 كشفت مصادر لـ(عاين) أن التأخير جاء من الجانب السعودي الذي اعتذر بالانشغال بأعياد الفطر.

يدخل الطرفان المتنازعان منبر جدة وهناك بعض التغييرات على الأرض بإحراز الجيش تقدما كبيرا في أم درمان غربي العاصمة، كما أن القوات المسلحة تمكنت من وقف تمدد الدعم السريع في بابنوسة والأبيض وكوستي والمناقل وسنار والقضارف وشندي وتعزيز السيطرة على هذه المدن.

وفي خطاب أمام الجنود والضباط تمسك قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان خلال هذا الشهر بشروط مغادرة الدعم السريع منازل المواطنين والمرافق المدنية والمدن، لكن هذه الشروط حتى الآن لم تسلم رسميا إلى الميسرين السعوديين والأميركيين ما يعني أن الجيش سيذهب إلى المحادثات دون شروط مسبقة.

في وقت يرى الخبير العسكري اللواء أمين إسماعيل، أن العودة لمنبر جدة مرتبطة بتنفيذ ما جاء في اتفاق جدة بتاريخ 11 مايو 2023. ويشير في مقابلة مع (عاين) إلى أنه، ومن خلال متابعته للخطة الموضوعة من جانب الجيش تشترط عدم العودة إلا بالاستناد إلى اتفاق 11 مايو من العام الماضي في جدة”.

فيما أكد ضابط رفيع في القوات المسلحة، فضل حجب اسمه لـ(عاين) إن “الجيش لم يقرر الذهاب إلى المفاوضات”.

وكشف عن أن اجتماع البرهان مع القيادات العسكرية من الرتب الرفيعة بقاعدة وادي سيدنا في أم درمان مؤخرا “لم يتحدث قائد الجيش مطلقا عن العودة إلى المفاوضات، بل طرح البرهان خلال اللقاء ضرورة تشكيل حكومة لإدارة شؤون الدولة”.

في جانب الدعم السريع، أشارت مصادر مقربة من القوات لـ(عاين) إلى أنهم لم يتلقوا دعوة رسمية من الوساطة بعد، لكنهم يعلمون باقتراب العودة إلى المنبر وفق الإرهاصات الإقليمية والدولية.

ويقول المستشار الإعلامي لقائد الدعم السريع هارون مديخير لـ(عاين): إن “وضع شروط مسبقة قبل التفاوض هروب من السلام”.

ويضيف مديخير قائلا: “الوفد المفاوض للدعم السريع موجود في جدة، ولم يغادرها منذ الجولة السابقة، وجاهز للانخراط في المحادثات دون شروط مسبقة؛ لأننا من دعاة السلام لا الحرب”.

خلافات أميركية سعودية

وأبلغ مصدر دبلوماسي (عاين) إن “السعودية على خلاف مع الولايات المتحدة الأميركية بعد أن قررت الأخيرة إشراك الإمارات في منبر جدة، وتعتقد الرياض أن أبوظبي ليست مؤهلة للعب دور محوري في المحادثات بين الجيش والدعم السريع؛ لأنها متهمة بمساندة هذه القوات.

ويضيف المصدر الدبلوماسي: “تباين وجهات النظر بين السعودية والولايات المتحدة ما زال قائما حتى الآن، على الرغم من تحديد الأسبوع الثاني من مايو القادم موعدا لاستئناف المفاوضات”.

وتابع: “مصر لن تشارك أيضا بإيعاز من الإمارات في منبر جدة حتى الآن لم توضح القاهرة موقفها حول التقارير التي أشارت إلى أنها قد تكون وسيطا في المحادثات المرتقبة الشهر القادمة ما يعني أن الخارجية المصرية لم تصل حتى الآن إلى قرار، وهذا مفهوم في إطار العلاقة بين أبوظبي والقاهرة مؤخرا حصول الأخيرة على تدفقات مالية بلغت 35 مليار دولار ساعدت نظام عبد الفتاح السيسي اقتصاديا من ورطة الأزمة الخانقة”.

مسارات صعبة لوصول الغذاء إلى جوعى حرب السودان

بينما يقول الباحث في الشؤون الأفريقية عادل أحمد إبراهيم لـ(عاين): إن “المفاوضات تختلف خلال هذه الجولة كونها تأتي بعد مرور عام من الحرب، ولا تزال الإرادة السياسية غير متوفرة لدى الجيش والدعم السريع”.

وأضاف: “قيادة الجيش لا ترغب في التفاوض، وترهن ذلك بخروج الدعم السريع من الأعيان المدنية، وهذا الشرط يمكن تنفيذه خاصة مع وجود ضغوط دولية على الطرفين لا سيما، وأن الولايات المتحدة الأميركية زادت ضغوطها هذه المرة”.

ومع تمدد رقعة الحرب إلى بعض الولايات دفعت المعارك إلى نزوح إضافي لـ 200 ألف شخص خلال شهري مارس وأبريل الجاري مع قلق ينتشر بين عمال الإغاثة الإنسانية في الوصول إلى 3 ملايين شخص في العاصمة السودانية أصبح يتضاءل يوما بعد يوم.

عوامل الاختراق

ويعزو الباحث السياسي عبد الله ديدان صعوبة ذهاب الجيش إلى مفاوضات جدة بإرادة جديدة لجلب السلام إلى تعدد مراكز القرار داخل المؤسسة العسكرية. وقال إن “القوات المسلحة تواجه خطر الانقسامات حتى على مستوى الجنود وصغار الضباط والقادة الكبار نتيجة تفاعلات الحرب والعوامل المصاحبة لها”.

ويعتقد ديدان الذي عمل مديرا لمكتب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك خلال الفترة الانتقالية في حديث لـ(عاين) بأن الجيش مكبل من الإسلاميين، على الرغم من أنه مؤخرا بدأ بتفكيك هذه السيطرة، ونلاحظ ذلك في تصريحات الفريق أول شمس الدين الكباشي في القضارف، والذي حذر من ممارسة العمل السياسي باسم الجيش إلى جانب تسريبات صدرت عن قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في قاعدة وادي سيدنا محذرا من سرقة كتيبة البراء بن مالك انتصارات القوات المسلحة.

وأردف: “هذا يعني أن الجيش بدأ في استعادة نفسه من الإسلاميين خاصة مع قلق دول الجوار وأبرزها مصر التي باتت ترغب في وقف الحرب خوفا من عودة الإسلاميين إلى السلطة في السودان عبر بوابة الحرب”.

سيارة عسكرية في سوق ام درمان

ويقول ديدان إن قيادة الجيش أيضا تواجه ضغطا شعبيا لوقف الحرب خاصة مع تأثيرها في 25 مليون مواطن ووضعهم على حافة المجاعة وظهور ملامح تفكك السودان كلها عوامل تجعل الاتفاق ممكنا في منبر جدة خلال هذه الجولة.

ويذهب ديدان، إلى عامل خارجي آخر قد يرجح كفة حدوث اختراق في منبر جدة يتمثل في تهديد الحوثيين لأمن البحر والحرب بين إيران وإسرائيل، وهذه التطورات تضر بأمن الخليج خاصة المملكة العربية السعودية.

عوامل الفشل

في الوقت ذاته، فإن العقبات التي قد تقف في طريق منبر جدة تتمثل في رغبة الإسلاميين في استمرار الحرب، وقد تلجأ جماعاتها المسلحة التي تقاتل مع الجيش إلى فتح جبهات جديدة في السودان للضغط على قادة الجيش والامتناع من المفاوضات- حسب ما يقول عبد الله ديدان.

ويرى أن هناك مؤشرات تحد من فرص الاتفاق في منبر جدة وهي مخاوف قادة الجيش والدعم السريع من المحاسبة في فترة ما بعد الحرب وهناك جرائم ارتكبت من الطرفين ترتق إلى درجة وصفها بـ”الإبادة الجماعية”.

ويقول ديدان، إن “رعاة منبر جدة في حال تمكنهم من تحقيق اختراق والتغلب على عوامل إفشال المفاوضات لدى الطرفين، فإنه يمكن توقيع وقف إطلاق نار قصير الأجل قد يمتد لشهرين على أمل المواصلة وتطويره إلى مرحلة وقف الحرب نهائيا”.