“عام على الانقلاب”.. الثورة مستمرة وسيطرة مسارات الحلول الخارجية

22 أكتوبر 2022

بعد عام من الانقلاب العسكري في السودان، ظلت الأزمة السياسية تراوح مكانها ولم تفلح الجهود والمبادرات الداخلية والخارجية في وضع حد للأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ إطاحة الجيش بالحكومة الانتقالية عبر انقلاب عسكري في 25 أكتوبر. في التقرير التالي، تسلط (عاين) الضوء على أبرز الأحداث.

ناهض السودانيون بقيادة لجان المقاومة منذ الساعات الأولى انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 في كل ولايات السودان عن طريق المقاومة السلمية من أجل إسقاطه وإقامة الحكم المدني.

في صباح الانقلاب، اعتقل الجيش السوداني، رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ومعظم قادة الحكومة المدنيين بالإضافة إلى عدد من المسؤولين وقادة الأحزاب السياسية. لم تمر سوى ساعات معدودة، حتى أعلن القائد العام للجيش السوداني في بيان  انقلابه حالة الطوارئ وتعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية وحل مجلسي السيادة والوزراء وإعفاء جميع الولاة ووكلاء الوزارات وتجميد عمل لجنة إزالة التمكين، مع التمسك باتفاق جوبا لسلام السودان.

ومع استمرار الاحتجاجات الشعبية السلمية، استخدمت أجهزة الانقلاب الأمنية أكبر قدر من العنف ضد المحتجين السلميين، بالرصاص الحي وعبوات الغاز المسيل للدموع، والطعن.

ونظمت لجان المقاومة نحو 45 موكباَ مركزياً بالإضافة للوقفات الاحتجاجية، وعلى الرغم من من القمع المفرط واستخدام الذخيرة الحية واستخدام سلاح “السكسك” والغاز المسيل للدموع استطاعت مواكب لجان المقاومة الوصول للقصر الرئاسي ثلاثة مرات. ففي 19 ديسمبر 2021 تمكن آلاف المحتجين  السلميين من الوصول إلى القصر الرئاسي، وكررت لجان المقاومة ذات الأمر في 25 ديسمبر، حيث تمكن عشرات الآلاف من الوصول إلى القصر مرةً أخرى وأصيب وقتها  178 بعضهم كان في حالة حرجة.

متظاهرون سودانيون يحاصرون القصر الرئاسي وسط الخرطوم 18 ديسمبر 2021

ومع استمرار التظاهرات المناهضة للانقلاب العسكري، وصل المتظاهرون في 28 فبراير 2022 إلى القصر الرئاسي في مليونية تأسيس سلطة الشعب التي استطاعت كسر الطوق الأمني بوسط الخرطوم.

وكانت لجان المقاومة شرعت في إعداد ميثاق تأسيس سلطة الشعب وهو خاص بولاية الخرطوم والميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب الخاص بالولايات. قبل أن توقع تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم، في 11 مايو الماضي، على إعلان ميثاق سياسي، حيث قالت إن الميثاق يهدف إلى تدشين حقبة جديدة من الممارسة السياسية القاعدية في السودان.

تحت وقع ضغوط دولية، وقع القائد العام للجيش ورئيس الوزراء المنقلب عليه، عبد الله حمدوك إتفاقاً إطارياً في 21 نوفمبر من العام 2021 ، تضمن أربعة عشر بنداً أبرزها التأكيد على أن الوثيقة الدستورية المعدلة في 2020 هي المرجعية الأساسية لاستكمال الفترة الانتقالية.

استقالة حمدوك

أمام استمرار الاحتجاجات السلمية المناهضة للانقلاب، قدم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك عبر خطاب بثه التلفزيون القومي، في 2 يناير 2022 استقالة مسببة أوضح فيها فشل مساعيه مع المكونات السياسية المختلفة في التوصل إلى توافق سياسي ينهي الأزمة السياسية.

هل أذعن (حمدوك) لإرادة العسكريين في الانفراد بالسلطة في السودان؟
اتفاق حمدوك البرهان

وإزاء الواقع السياسي المحتقن، برز الدور الأممي الذي كان من المتوقع أن يسهم عبر الجهود السياسية في المساهمة الفاعلة في حل الأزمة السودانية.

وكانت البعثة الأممية التي أنشئت وفقاً لقرار مجلس الأمن 2524 بموجب الفصل السادس بطلب من رئيس الوزراء آنذاك عبد الله حمدوك. حيث تم تعيين الألماني فولكر بيرتس، في السابع من يناير 2021 ممثلاً خاصاً للسودان ورئيساً للبعثة الأممية المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان “يونتاميس”.

بعد انقلاب “البرهان” بوقت وجيز، في الثامن من يناير 2022، أطلق بيرتس المبادرة الأممية لحل الأزمة السودانية التي سيتم تأسيسها على إجراء مشاورات أولية غير مباشرة وفردية تتحدد على ضوئها الدعوة لحوار ينهي الأزمة بالبلاد.

ووجدت المبادرة الأممية قبولاً ودعماً دولياً من دول الترويكا الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والنرويج والاتحاد الأوربي، بالإضافة للدعم العربي والأفريقي.  كما أن المبادرة لقت قبولاً من قوى الحرية والتغيير، والقوات المسلحة السودانية، على الرغم من الحذر الذي أبدته الأخيرة تجاه المبادرة.

وأعلنت المبادرة الأممية أنها ستعمل على إجراء مشاورات أولية لعملية سياسية بين الأطراف السودانية، إلا أنها لم تعرِّف ماهية الأطراف السياسية المشاركة، الأمر الذي أدى لانغماسها في  مشاورات استمرت لخمسة أسابيع مع عشرات الأحزاب السياسية والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان ومنظمات المجتمع وغيرها.

السودان يعتزم تشكيل القوات المشتركة في مناطق السلم بعد توفر ضمانات مالية
رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس

وفي الأول من يناير 2022 هدد “البرهان” رئيس البعثة الأممية فولكر بيرتس بالطرد خارج البلاد بسبب تدخله السافر في شأن البلاد. أردفه بتصريح آخر في الأول من أبريل 2022، خلال حفل تخرج عسكري بالعاصمة الخرطوم دعا فيه “البرهان” بيرتس للكف عما وصفه بالتمادي في تجاوز تفويضه.

وبين 8 يناير و10 فبراير من العام الحالي، أجرت البعثة الأممية مشاورات أولية مع أطراف الأزمة السودانية لبحث سبل الخروج من الأزمة الراهنة.

والسبت 12 فبراير 2022 عاد القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان وصرح مجدداَ بإن المبعوث الخاص لدى الأمم المتحدة فولكر بيرتس  مجرد وسيط ولا يحق له إطلاق المبادرات. لكن في 13  فبراير 2022 أعلنت البعثة الأممية إختتام المرحلة الأولى من المشاورات لإطلاق العملية السياسية.

وفي 7 مارس 2022 أعلنت البعثة الأممية المتكاملة في السودان “يونتامس” والاتحاد الأفريقي تأسيس آلية للتنسيق المشترك تقود الحوار السوداني الهادف لإنهاء الأزمة السياسية، لتنضم منظمة التنمية الحكومية إيغاد لاحقاً وتتحول المبادرة الأممية إلى مبادرة ثلاثية.

وحددت الآلية الثلاثية الفترة من 10 إلى 12 مايو 2022 موعداً لبدء المرحلة الثانية من الحوار بين الأطراف السودانية.

أدى التباين في وجهات النظر داخل الآلية الثلاثية، في 10 مايو 2022، إلى تأجيل الملتقى التحضيري وهي المرحلة الثانية من المشاورات، بسبب خلاف نشب بين رئيس بعثة يونتامس فولكر بيرتس ومبعوث الاتحاد الأفريقي محمد الحسن ود لبات بشأن طبيعة الأطراف التي ستشارك في الملتقى.

وعلى الرغم من دعمها لجهود الآلية الثلاثية ترفض قوى الحرية والتغيير مشاركة القوى التي دعمت إنقلاب الخامس والعشرين، وتطالب الآلية بضرورة تحديد ماهية المشاركين في الحوار المباشر.

بعد مشاورات منفردة بين الفرقاء السياسيين، في 12 مايو 2022، انطلق بمقر بعثة اليونتامس بالخرطوم، الحوار السوداني السوداني الذي ترعاه الآلية الثلاثية وضم الاجتماع الهيئة القيادية لقوى الحرية والتغيير “التوافق الوطني”.

قوى التوافق الوطني

في الثامن من يونيو 2022  إنطلق الحوار السوداني السوداني بفندق “السلام روتانا” وغابت عنه قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي ولجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين وهي أبرز القوى المناهضة للانقلاب العسكري.

وفي الرابع من يوليو 2022 أعلن قائد الانقلاب، عبد الفتاح البرهان خروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية وعدم مشاركتها في الحوار لافساح المجال لتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة عن طريق التوافق.

وعلقت الآلية الثلاثية الحوار بسبب انسحاب المكون العسكري من العملية السياسية إلا أنها قالت إنها ستنخرط مع جميع المكونات التي شاركت في الاجتماع السابق ومع أصحاب المصلحة الآخرين لتسهيل التوصل إلى حل سياسي.

وفي 7 يوليو 2022 استدعت وزارة الخارجية رئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتس بشأن إضافة توقيعات مبعوثي الأتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد إلى خطاب أرسلته الآلية الثلاثية إلى الحرية والتغيير التوافق الوطني بخصوص العملية السياسية، وهو الأمر الذي اعتذر عنه فولكر بيرتس.

مبادرات على الطاولة

في الأول من مارس 2022 طرح بعض مديري الجامعات السودانية مبادرة بهدف تجميع المبادرات الموجودة في الساحة، وتحليلها وفق نهج علمي؛ لتحديد نقاط الاتفاق والاختلاف، ثم إدارة حوار مباشر مع كل القوى الثورية والمدنية والسياسية، ومن ثم عقد ملتقى تحضيري للقوى الموافقة على الجلوس للحوار، بغرض التحضير للملتقي التفاكري الجامع بمشاركة كل القوى السياسية.

لاحقاً، في 27 مارس 2022 أطلقت الجبهة الثورية نهاية مؤتمرها التداولي الأول الذي عقد في مدينة الروصيرص، مبادرة وطنية للتوافق بين الفرقاء السياسيين لحل الأزمة السودانية تقوم على ضرورة التوافق الوطني بين كافة القوى السياسية، مع تأكيد أهمية الشراكة المدنية العسكرية.

وفي 13 أغسطس 2022 انطلقت مبادرة مؤتمر المائدة المستديرة، وحازت على تأييد “البرهان” برئاسة الشيخ الطيب الجد، وشاركت فيها عدد من الأحزاب السياسية.

وترتكز المبادرة على تشكيل حكومة كفاءات وطنية غير حزبية، ورفض أي تدخلات خارجية بما في ذلك جهود الآلية الثلاثية، وتحديد فترة انتقالية لا تزيد عن 18 شهرًا تجرى بعدها انتخابات لا يقصى فيها أحد، مع استكمال ترتيبات اتفاق جوبا للسلام، والعودة للعمل بدستور 2005. وضمن عدة مآخذ، فإن المبادرة أرسلت إشارات واضحة لإمكانية عودة الاسلاميين.

ومع توالي الانقسامات، أعلنت قوى التوافق الوطني وهي ضمن القوى الداعمة لإنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، في 23 أغسطس 2022، عن تحالف جديد يضع رؤية حول مستقبل العملية السياسية، حيث وقعت على إعلان سياسي وآخر دستوري “وثيقة الإعلان السياسي للتحول الديمقراطي”، يقترحان تعديلات واسعة على الوثيقة الدستورية التي تم تجميد معظم بنودها.

وشارك في التوقيع على الإعلان، مجموعة التوافق الوطني وتنسيقية شرق السودان والمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، إضافة إلى تنسيقية شرق السودان والمجلس الأعلى لنظارات البجا وتنسيقية وسط السودان،علاوة على ممثلين للإدارات الأهلية ورموز دينية وممثلين مصنوعين تمت نسبتهم للجان المقاومة.

ورشة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين حول مشروع مسودة الدستور

مع استمرار الحراك السياسي، أعلنت اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، في 10 سبتمبر 2022، انتهاء مشروع الدستور الانتقالي بعد ورشة عمل حول الإطار الدستوري استمرت لثلاثة أيام بمشاركة معظم القوى الفاعلة في الساحة السياسية، ويتكون المشروع من 12 باباً و76 بنداً، وينص أول بند على إلغاء الوثيقة الدستورية لسنة 2019 وإلغاء كل القرارات التي أعقبت إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر.

وفي 5 أكتوبر 2022 وبعد مداولات قاعدية في العاصمة الخرطوم والولايات، وقعت عدد من لجان المقاومة وهي ضمن القوى الملتزمة بشعار لا تفاوض لا شراكة لا شرعية على الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب ويرفض الميثاق التفاوض والشراكة مع العسكريين ويتبنى الاطاحة بقادة الجيش عن السلطة إلى جانب محاسبة الاسلاميين وإسترداد الأموال المنهوبة.

توقع الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب

وفي 24 يوليو 2022 دشن الحزب الشيوعي السوداني وتجمع المهنيين السودانيين المنتخب وأسر الشهداء ومفصولو الشرطة تحالف التغيير الجذري، الذي يسعى لتحقيق العدالة وإنهاء الحرب وإستدامة السلام وعدم التفريط في سيادة البلاد ومواردها، وبحسب الاعلان فإن التحالف سيضم الأحزاب السياسية المؤمنة بالتغيير الجذري من النقابات ولجان المقاومة ومنظمات المجتمع المدني.

تقارب المدنيين والعسكريين

الخميس 9 يونيو 2022 وبوساطة سعودية أمريكية انتهى أول اجتماع غير رسمي ضم قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” والمكون العسكري، بمنزل السفير السعودي بالخرطوم علي بين حسن جعفر وبحضور مساعدة وزيرة الخارجية للشوؤن الأفريقية مولي في.

وفي 11 يونيو 2022، قالت قوى الحرية والتغيير أنها طرحت في الاجتماع ضرورة إنهاء الانقلاب وتسليم السلطة للشعب. وفي 19 يوليو من العام نفسه أعلنت ذات القوى السياسية عن لقاء ثان سيجمعها بالمكون العسكري في إطار بحث الأزمة السودانية بناءً على دعوة أمريكية سعودية بواسطة سفارتيهما في الخرطوم، وأعلن المكتب المركزي لقوى الحرية والتغيير وقتها أن العضو طه عثمان ممثلاً في الاجتماع.

وفي سياق الجهود الدولية تكونت الآلية الرباعية للتباحث حول أزمة السودان وتضم الآلية كلاً من بريطانيا والولايات المتحدة والسعودية والامارات.

وفي السبت 3 سبتمبر دعت الآلية أطراف الأزمة السودانية إلى اجتماع غير رسمي قررت أن يشمل المكون العسكري والحركات الموقعة على اتفاق جوبا بجانب المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، إلا أن الاجتماع لم يكتمل بسبب خلافات حول ماهية المشاركين فيه، ورفض المجلس المركزي مع ما اسمتهم وكلاء الانقلاب.

ومع تواتر الأنباء عن  تسوية سياسية وشيكة بين الحرية والتغيير المجلس المركزي وقادة الانقلاب، خلال الأيام الماضية، أقرت الأولى لأول مرة بأنها عقدت اجتماعات غير رسمية مع العسكريين من أجل ما وصفته بإنهاء الانقلاب، بالمقابل أرسل البرهان إشارات غامضة حول الاتفاق المزمع، بعدما أعلن ترحيبه بأي جهود تنهي الأزمة. سبق ذلك، إعلان الآلية الثلاثية المشتركة، عن إحراز تقدم في الأزمة، معربة عن اعتقادها بأنه قد يشكل مدخلاً للحل.

عضو الحرية والتغيير خالد عمر في مؤتمر صحفي

والأثنين الماضي، قال قوى الحرية والتغيير إن المجلس المركزي للتحالف أجاز بالإجماع رؤية لإنهاء الانقلاب العسكري في البلاد، وقال القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير السوداني خالد عمر يوسف إن التحالف والأطراف الموقعة على مسودة الدستور الانتقالي للجنة التسييرية لنقابة المحامين والحركات المسلحة ستكون جزءا من الحل السياسي. ووصف عمر قبول المكون العسكري في السلطة بمسودة الدستور الانتقالي لنقابة المحامين التسييرية بالأمر الإيجابي.