خلافات قبل انطلاق محادثات جوبا للسلام بين الأطراف السودانية
تقرير: عاين 7 ديسمبر 2019م
تواجه الجولة الثالثة من مفاوضات السلام المزمع انطلاقها في العاشر من ديسمبر القادم في جوبا عاصمة جنوب السودان صعوبات عديدة و اختلافات عديدة بين الجهات السياسية المختلفة الممثلة في التفاوض. وكانت الحكومة الانتقالية عقب تشكيلها من مجلسي السيادة والوزراء مطلع سبتمبر الماضي وضعت ستة أشهر لتحقيق السلام في السودان انقضى نصفها حتى الآن.
وكان وفد الحكومة السودانية وقع على اتفاق سياسي وآخر لوقف العدائيات مع الجبهة الثورية السودانية في أكتوبر الماضي فيما تم الاتفاق على أجندة التفاوض مع الحركة الشعبية جناح عبدالعزيز الحلو بحيث تم وضع بند التفاوض حول الترتيبات السياسية والانسانية قبل الترتيبات الامنية.
المفاوضات في جوبا
وكانت الجولة السابقة من التفاوض شهدت شدا وجذبا يتعلق بمقر عقد المفاوضات وكيفية تمويلها وسط استقطاب إقليمي كبير شهدته أروقة التفاوض، وتسريبات بشأن نقل المفاوضات من جوبا إلى عواصم إقليمية أخرى مثل أبوظبي أو القاهرة أو أسمرا. وحسم ملف مقر المفاوضات بحيث تكون في جوبا تحت رئاسة وفد الوساطة بقيادة مستشار الأمن في جنوب السودان توت قلواك، وأكدت الاطراف التزامها باستمرار التفاوض في جوبا.
كما تم تأجيل انطلاق المفاوضات التي رفعت في أكتوبر الماضي وكان يجب ان تستأنف في نوفمبر الماضي لإجراء المزيد من المشاورات بين الأطراف المختلفة واستكمال الترتيبات الجيدة لانطلاق الجولة الثالثة عقب ارتباك شهدته الجولة السابقة. ومن جانبها أكدت الجبهة الثورية السودانية استلامها للدعوة لحضور المفاوضات في العاشر من ديسمبر، مشيرة إلى التزامها بحضور انطلاق المفاوضات في جوبا في العاشر من ديسمبر.
وأكد المتحدث باسم حركة تحرير السودان جناح مني أركو مناوي محمد الحسن (اوباما) ل (عاين) ان الجبهة الثورية ستشارك في مفاوضات السلام في جوبا، مبينا ان الجبهة الثورية ملتزمة بمقر المفاوضات في جوبا. فيما أكد مصدر مقرب من الحركة الشعبية لتحرير السودان جناح عبدالعزيز الحلو ان وفد الحركة لم يستلم خطابا رسميا حتى الآن، لكنه أشار لجاهزية وفد الحركة للانطلاق إلى مقر المفاوضات حال تسلم الدعوة. ورجح المصدر الذي فضل حجب اسمه لانه غير مخول بالحديث إلى الإعلام احتمال تأجيل المفاوضات لعدة أيام نسبة لعدم تسلم الدعوة حتى الآن.
خلافات
في الأثناء حذرت الجبهة الثورية بانسحاب وفدها من التفاوض في حال حضور وفد ممثل لقوى الحرية والتغيير في المفاوضات. وقال المتحدث باسم حركة مناوي محمد حسن (أوباما) أن “الجبهة الثورية ستنسحب من المفاوضات في حال مشاركة وفد ممثل لقوى الحرية والتغيير، مشيرا إلى تنصل قوي الحرية والتغيير عن اتفاقيات سابقة مع الجبهة الثورية بشأن ملف اقتسام السلطة.
“أبلغنا الوساطة والحكومة بأنه في حال وجود وفد ممثل لقوى الحرية والتغيير فإن وفد الجبهة الثورية سينسحب من المفاوضات، لقد خدعنا من قبل (قحت) ولن نكرر التجربة مرة أخري، سنفاوض الحكومة بعقل وقلب مفتوحين ونريد ان نصل لاتفاق يوقف معاناة شعبنا ، والان الفرصة مواتية لإحداث اختراق كبير وتحقيق السلام”.
وكشف أوباما لـ(عاين) ان المفاوضات بين الجبهة الثورية والوفد الحكومي ستركز على مسالة تعيين ولاة الولايات والمجلس التشريعي وكيفية إشراك الجبهة الثورية في اتخاذ القرارات المتعلقة بهذا الأمر. “الجبهة الثورية والوفد الحكومي قطعا شوطا جيدا خلال الجولة الماضية من خلال التوصل لاتفاق وقف العدائيات والاتفاق السياسي الذي تم توقيعه في جوبا في الجولة الماضية، لذلك اتفق الوفدان منذ رفع الجولة الماضية على أن يستأنفوا المحادثات بملف تعيين الولاة والمجلس التشريعي”.
وفي سياق ذو صلة كشف المصدر المقرب من الحركة الشعبية لتحرير السودان جناح الحلو عن استمرار الخلافات بين الحركة الشعبية والوفد الحكومي بشأن تمسك وفد الحركة بطرح مسألة العلمانية مقابل حق تقرير المصير لمنطقتي جبال النوبة والنيل الازرق. وقال المصدر لـ (عاين) ان المفاوضات بين الطرفين كان يفترض أن تبدأ قبل انطلاق المسار الخاص بالجبهة الثورية نسبة لعدم بدء المحادثات الحقيقة في هذا المسار والاتفاق فقط على ترتيب أجندة التفاوض في الجولات الماضية.
وقال ان الحركة الشعبية طرحت حق تقرير المصير للمنطقتين في حال عدم تحقيق مطالب هذه الاقليم في الاقتسام العادل للثروة والسلطة، مبينا أن الحركة تمسكت أيضا بضرورة تحقيق علمانية الدولة كأساس للحكم. وأضاف أن الوفد الحكومي عرض تأجيل هذه النقطة للاتفاق بشأنها من خلال المؤتمر الدستوري المزمع اجراءه بنهاية الفترة الانتقالية الان وفد الحركة طالب بتوسيع وتطوير الوثيقة الدستورية الحالية لتنص على تحقيق العلمانية.
صوت النازحون
في الاثناء صعدت عدد من تنسيقيات وقيادات النازحين في دارفور، من مواقفها الرافضة للمشاركة في مفاوضات السلام، وأعلنت تنسقية النازحين واللاجئين بدارفور مقاطعة ملتقى جامع للتشاور حول تضمين قضايا النازحين في المفاوضات يعقد السبت في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور دعت له الحكومة الانتقالية.
وقال نائب الأمين العام لتنسقية النازحين واللاجئين الشفيع عبدالله ” إن أي عملية سلام لا تشمل الشروط التي تقدم بها النازحين لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك خلال أول زيارة له الى دارفور الشهر الماضي لا تمثلهم”. واضاف لـ (عاين) ان “بعثة اليوناميد قدمت لهم الدعوة للمشاركة في الورشة التشاورية التي تنعقد في نيالا غدا السبت لاختيار ٢٠ ممثلا تمهيدا لمشاركة النازحين في المفاوضات إلا أنهم رفضوا ذلك”.
وكان رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، تعهد الشهر الماضي في أول زيارة ولائية له بعد تعيينه شملت معسكرات للنازحين بولاية شمال دارفور، بالاستجابة لمطالب النازحين، في تحقيق العدالة والاقتصاص من كل مجرم وفاسد، وإحقاق العدالة من المظالم التي تعرض لها سكان معسكرات النازحين، باعتبارها واحدة من أولويات حكومته.
ويطالب النازحون بجمع سلاح المليشيات والقبض على المجرمين وتسليمهم للجهات القانونية للمحاكمة على راسهم الرئيس المخلوع عمر البشير وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، الى جانب إعادة الأراضي التي تم الإستيلاء عليها من قبل مجموعات اهلية على حساب اخرى وتأمين موسم الزراعة والحصاد وحماية قرى العودة الطوعية وتوفير خدمات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء والطرق وضرورة مشاركة النازحين في المفاوضات المقبلة مشاركة حقيقية عبر إداراتهم المعروفة.
وقال علي عبدالله سليمان، وهو احد قيادات مخيم رواندا بمحلية طويلة بولاية شمال دارفور، لـ(عاين) ان النازحين لم يبلغوا بمشاركتهم في الملتقى التشاوري المذكور سواء بمدينة نيالا او الفاشر أو بالذهاب الى المفاوضات في جوبا. وأضاف ” لم تلتفت اي جهة الى معاناة النازحين والوقوف معهم حتى بعد التغيير الذي حدث”.
فيما حذرت القيادية النسوية في مخيم ابوشوك شمالي مدينة الفاشر، أم الحسن سليمان، من تجاوزات في التحضير والاختيار للمشاركة في المشاورات التي تسبق عملية السلام للنازحين”. ولفتت سليمان إلى أن المشرفات على اختيار النساء المشاركات في هذا الملتقى وملتقيات اخرى يمثلن أذرع النظام البائد”. وقالت ام الحسن لـ(عاين)، “لن يكون هناك سلاما حقيقيا بهذه العقلية والسياسات القديمة، لذا يجب أن يتم اختيار المشاركات من أهل الشأن حتى لا تتم عرقلة عملية التفاوض وتنتج عنها محاصصات في المناصب وتظل المرأة تعاني في مخيمات النزوح”.
التزام
في المقابل أكدت مفوضية السلام في السودان حرصها على إشراك كافة الأطراف وتحقيق كافة المطالب من أجل تحقيق السلام، مؤكدا انطلاق المفاوضات في العاشر من ديسمبر في جوبا. وقال رئيس مفوضية السلام محمد سليمان دبليو ان الحكومة الانتقالية حريصة على تحقيق السلام والتوصل لتفاهمات تقود إلى عملية السلام العادل والشامل على كافة الجبهات في البلاد بما في ذلك دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، مشيرا الي اكتمال كافة الترتيبات لانطلاق التفاوض.
وأكد دبليو في تصريح لـ (عاين) ان الوفد الحكومي سيغادر إلى جوبا خلال اليومين القادمين، مشيرا الى ان الوفود التي تمثل النازحين ستصل في 12 من ديسمبر إلى جوبا نسبة لانعقاد الملتقى التشاوري مع النازحين في ولايات دارفور المختلفة خلال اليومين القادمين ومن ثم السفر إلى جوبا. وشدد دبليو على حرص الحكومة على تمثيل النازحين واللاجئين من إقليم دارفور في المفاوضات، مبينا ان المفوضية ستعقد جلسات تشاورية واسعة مع النازحين في الولايات المختلفة. “أهمية مشاركة النازحين والمتضررين بالنسبة لنا يعد أمرا استراتيجيا، لذا نحن حريصون علي وجود النازحين، وبدأنا اتصالاتنا معهم وستعقد الملتقيات التشاورية في مراكز السلام التابعة للجامعات الحكومية في مدن دارفور خلال الايام المقبلة ومعظم ممتلي النازحين أكدوا رغبتهم في الحضور”
قضية استراتيجية
من جانبه يحذر المحلل السياسي السوداني صلاح الدومة من استمرار ما وصفه بـ”البطء” في ملف السلام، لا سيما في ظل انقضاء نصف الفترة المطروحة لتحقيق السلام في كافة أنحاء البلاد. ويقول الدومة في حديث لـ (عاين) ان قضية السلام يجب أن تؤخذ بصورة استراتيجية من قبل كافة الأطراف، دون البحث عن تحقيق مكاسب أو محاصصات لأي طرف من الأطراف.
وناشد أستاذ العلوم السياسية بجامعة امدرمان الاسلامية الحكومة الانتقالية بضرورة تحقيق اختراق حقيقي على الأرض، وبناء الثقة بين الأطراف المختلفة. “بناء السلام يحتاج لبناء الثقة بين الأطراف وتحقيق اختراق علي الارض للمواطنين العاديين وضحايا الحروب من النازحين واللاجئين على سبيل المثال، حتى يشعر الناس بالفرق وبان السلام أصبح أمرا واقعا، وكذلك لابد من تحقيق العدالة حتى يطمئن الناس لحقوقهم”.
“قضية السلام يجب أن تؤخذ بمسئولية كاملة من قبل كافة الأطراف، لابد أن تتخذ “قحت” قرارات شجاعة تجسر العلاقة بينها وضحايا النزاعات، ولابد للحركات ان لا تتخذ عملية السلام جسرا للوصول إلى السلطة”.