تائهون بـ”طرق النزوح”.. حرب سنجة ترفع عدد المفقودين
عاين– 5 يونيو 2024
فقد “سمية” التواصل مع كل عائلتها منذ اليوم الثاني لاجتياح قوات الدعم السريع لمدينة سنجة عاصمة ولاية سنار جنوبي السودان في 29 يونيو الماضي، وهي تمني نفسها الآن بسماع من يخبرها عن أسرتها التي غادرت منزلها بسبب الهجمات العسكرية، وصارت في عداد المفقودين.
تروي سمية التي تقيم في مدينة كسلا لـ(عاين) أنها تعيش في حالة من القلق حرمتها النوم طيلة الأيام الماضية وهي خائفة على مصير عائلتها، بما فيهم رب الأسرة إسماعيل الطاهر وعدد من أولاده وبناته وأحفاده والبالغ عددهم 5 أفراد، فقد تأكدت من خروجهم من مدينة سنجة فور نشوب الاشتباكات المسلحة باتجاه الدندر توطئة للسفر إلى القضارف، لكنهم لم يصلوا وجهتهم، وفقدت التواصل معهم.
وعممت منشوراً في العديد من منصات التواصل الاجتماعي، وهي ترجوه من الذي يعثر عليهم، أو شاهدهم في أي موقع بالتواصل معها، وينهي معاناتها النفسية الجسدية بسبب فقدهم.
حالة سمية تنطبق على مئات السودانيين، فقدوا أفراداً من أسرهم أو جميعها بسبب القتال المفاجئ في سنجة، حيث خرج غالبية السكان من المدينة المضطربة سيراً على الأقدام نحو إقليم النيل الأزرق وولايات شرق السودان عبر جسر الدندر، وذلك بسبب عمليات نهب واسعة نفذها مسلحو قوات الدعم السريع، واستهدفت السيارات الخاصة بالمواطنين تحديدا.
انقطاع الاتصالات
وتفاقمت الأوضاع مع انقطاع شبه كامل لخدمات الاتصالات والإنترنت في ولاية سنار، بجانب انقطاع التيار الكهربائي ونفاد شحن الهواتف المحمولة، مما صعب عملية التواصل.
وأطلق ناشطون حملة “نداء مفقود من سنجة” وأنشأوا منصة على وسيط التواصل الاجتماعي “فيس بوك” مهمتها تبادل المعلومات حول الأسر والأفراد المفقودين ومشاركة أسمائهم وصورهم، ومن حين لآخر يتم العثور على مفقود نتيجة لهذه المشاركات والتداعي الاسفيري الكبير، فتعم الفرحة عائلته.
ويسأل راضي عطا المنان في إحدى المنصات الاسفيرية، عمن يدله على كامل أسرته المكونة من 5 أشخاص بينهم أطفال، وقد غادروا منزلهم في مدينة سنجة نحو الدندر، وكانوا يريدون الذهاب إلى مدينة القضارف، ومع كثرة مناشداته لم يكن هناك من يعرف مصير أهله، لكنه يكسب تعاطفاً كبيراً مثل آخرين فقدوا أعزاء عليهم.
وفي عداد المفقودين جراء الحرب في مدينة سنجة، الصحفي المتخصص في شؤون التحقيقات التاج عثمان، الذي كان يقيم في سنجة، وأعلنت أسرته فقدانه منذ اليوم الأول لاندلاع القتال في عاصمة ولاية سنار، ولم تعثر على أي معلومات بشأنه حتى الآن.
ومن بين المفقودين كذلك الرشيد كمال عوض، وهو عضو سابق في لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ومكافحة الفساد في ولاية سنار، والتي تشكلت خلال فترة الحكومة الانتقالية، وكان إلى وقت قريب معتقل لدى استخبارات الجيش في مدينة سنجة، وقضى في المعتقل أكثر من شهرين. خرج الرشيد وأسرته المكونة من 7 أفراد من سنجة، ولم يتم العثور عليهم حتى اليوم.
نزوح قاسي
وخاض مواطنو سنجة رحلات نزوح قاسية سيرا على الأقدام، وتقطعت بهم السبل في طريق وعر يربط مدينة الدندر والقضارف، وقد كشف الذين حالفهم الحظ بالوصول إلى القضارف واقع مؤلم للفارين، فهم يعانون الجوع والعطش، وباتت حياتهم مهددة خاصة النساء الحوامل والأطفال والأشخاص الذين يعانون أمراضاً مزمنة.
وعاش آدم عبد الله قلقاً كبير على والده الذي كان مفقوداً منذ اندلاع الحرب في مدينة سنجة، لكنهم تمكنوا من التواصل معه اليوم الخميس، لتعم الفرحة أفراد أسرته.
وقال عبد الله لـ(عاين) “سمعت صوت والدي اليوم بعد أيام من القلق والتوتر، لقد أخبرني عبر الهاتف أنه خرج من سنجة فور بدء الاشتباكات، وبعد ما وصل الدندر اندلعت فيها أعمال قتال، فاضطروا للمغادرة باتجاه القضارف سيرا على الأقدام لمدة ثلاثة أيام، ووصلوا إلى إحدى القرى بعد أن قطعوا مسافة تزيد عن 70 كلم بأرجلهم، وهم بخير الآن، لكنهم يعانون إرهاقاً شديداً”.
ويضيف “سعدت بسماع صوت والدي وهو بخير، لكن يستمر قلقي على العديد من معارفي وأقاربي ما زالوا مفقودين في طريق النزوح من مدينة سنجة إلى القضارف”.
وبحسب مصفوفة تتبع النزوح التابعة إلى منظمة الهجرة الدولية، فإن 55 ألف شخص على الأقل نزحوا من سنجة منذ اندلاع القتال فيها يوم السبت الماضي.