تصعيد عسكري في السودان.. صخب البنادق فوق رؤوس المدنيين

عاين- 29 سبتمبر 2024

أثار التصعيد العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عدد من جبهات القتال خاصة في العاصمة الخرطوم لثلاثة أيام متوالية قلقا؛ بسبب اقتراب المخاطر من المدنيين في تلك الأحياء التي يقطنها الآلاف في المنطقة الواقعة بين ولايتي نهر النيل والخرطوم شمال البلاد.

وابتدر الجيش السوداني الخميس الماضي عملية برية وجوية موسعة وعبر مئات الجنود على ناقلات مدرعة جسري الحلفايا في الخرطوم بحري و”السلاح الطبي” من أم درمان إلى وسط الخرطوم، وتحولت منطقة المقرن وقاعة الصداقة وأسفل جسر السلاح الطبي من جهة وسط الخرطوم إلى “منطقة نيران”.

عمليات الجيش بدأت الخميس الماضي، وتعد الأكبر من نوعها منذ عمليات شبيهة نفذها في مايو 2023 بعد مرور شهر من القتال ضد قوات حميدتي فيما أعادت قوات الدعم السريع تجميع حشود كبيرة حول محيط مصفاة الجيلي لضمان بقاء أكبر منشأة نفطية في البلاد تحت سيطرتها الكاملة.

نقل المعركة إلى أرض الخصم

يقول الباحث في الشأن الاستراتيجي محمد عباس: “منطقة المقرن وأسفل موقع جسر السلاح الطبي من ناحية الخرطوم تقع تحت سيطرة نيران الطرفين”.

بينما نفذ الطيران الحربي غارات جوية تعد الأعنف من نوعها وسط العاصمة السودانية التي تشمل السوق العربي والمقرن وشارع الجامعة، وشوهدت بعض المباني، وقد طالتها العمليات العسكرية من بينها مباني تقع في شارع النيل وسط العاصمة.

الهجوم الذي وصفه الجيش السوداني بالعنيف على قوات الدعم السريع جاءت عقب تصريحات أدلى بها مساعد القائد العام الفريق أول ركن ياسر العطا متوعدًا قوات حميدتي بوابل من النيران التي تضعهم في مأزق.

تعثر في استعادة المصفاة

في العمليات الحربية استهدفت القوات المسلحة مصفاة الجيلي شمال الخرطوم بحري مساء السبت، ورغم تقدمها من منطقة حجر العسل بولاية نهر النيل المتاخمة لهذه المنشأة النفطية، لكنها لم تتمكن من الوصول إليها مع تعزيزات قوات الدعم السريع.

ويؤكد الباحث في الشأن الاستراتيجي محمد عباس أن الجيش السوداني تحرك في ثماني جبهات قتالية وسط البلاد لإنهاك قوات الدعم السريع، وشملت منطقة “الحلفايا” بالخرطوم بحري ومصفاة الجيلي للنفط، ومن سلاح المهندسين إلى جسر السلاح الطبي والوصول إلى الخرطوم ومنطقة الفاو بولاية القضارف نحو ولاية الجزيرة وسط البلاد.

وأضاف: “المكسب الذي حققه الجيش أنه نقل المعركة إلى أراضي سيطرت عليها قوات الدعم السريع 18 شهرا إلى جانب سيطرة الجيش على حي الحلفايا وتحييد المدافع الموجهة من قوات حميدتي إلى أحياء أم درمان وضمان خط الإمداد بين أم درمان والخرطوم بحري عبر جسر الحلفايا”.

موجة جديدة من التصعيد

ويرجح الباحث في الشأن الاستراتيجي محمد عباس استمرار التصعيد العسكري على شكل موجات من جانب الجيش السوداني لإضعاف قوات الدعم السريع في العاصمة السودانية، على الرغم من صعوبة هذه المهمة دون تجهيز قوات برية تقدر بعشرات الآلاف من المشاة.

ويرى عباس أن الطرفين تكبدا خسائر فادحة جدا في الأرواح والعتاد؛ لأن المعارك تدور من منطقة “توازن الضعف” ويرى أن الجيش والدعم السريع يواجهان مشكلة حقيقية في التجهيزات الحربية، وفي بعض الأحيان يشعران بالإنهاك من معارك صغيرة جدا.

وأضاف محمد عباس: “الجيش يواجه ضغوطاً دولية بسبب رفضه الذهاب نحو طاولة المفاوضات خلال الفترة ما بين أكتوبر ونوفمبر القادمين يتطلع إلى تحسين وضعه الميداني على الأقل بالسيطرة على الخرطوم بحري وأم درمان”.

وكان قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وصل إلى الخطوط الأمامية شمال العاصمة السودانية أمس السبت توعد قوات الدعم السريع بتضييق الخناق عليها في جميع أنحاء البلاد قائلا إن الجيش لديه القدرة على فعل كل شيء للسيطرة.

معارك مصفاة الجيلي وصفها سكان محليون من قرى الخوجلاب و الزاكياب شمال العاصمة السودانية بأنها الأعنف حيث جرت مساء السبت بين قوات من الجيش وقوات الدعم السريع، وسمع المواطنون دوي الانفجارات والمدافع والغارات الجوية.

تعميق الوضع الإنساني

ويقول محمد نادر وهو عامل إنساني ضمن شبكة متطوعين في الخرطوم بحري لـ(عاين): “إن التصعيد العسكري في الخرطوم بحري قد يعمق من الأزمة الإنسانية؛ لأن الطرفين قد يخوضان المعارك وسط الأحياء السكنية دون حسم واضح لأي طرف ما يعني تلاشي المساعدات الصغيرة التي كانت يحصل عليها المدنيون”.

المعارك التي دارت في الخرطوم بحري قد تعيد المدينة إلى مرحلة القتال النشط

عامل إنساني

وتابع نادر: “تحدث الجيش عن سيطرته على حي الحلفايا وسط الخرطوم بحري سنرى عما إذا كان ممكنا إعادة الحياة العامة ومساعدة المواطنين على عيش حياتهم هذا يتوقف على مدى إمكانية القوات المسلحة للحفاظ على المنطقة”.

وأردف: “أهدر الطرفان المتقاتلان في السودان 18 شهرا، دون أن يتمكنا من ضمان ممرات آمنة والقتال الذي نشب منذ الخميس الماضي، ولا زال مستمرا يستهدف الطرفين المناطق الواقعة بين ولايتي نهر النيل والخرطوم، ويقطنها نحو نصف مليون من المدنيين”.