نصف مليون مهاجر يطرقون أبواب أوروبا عبر السودان 

4 أكتوبر 2021 

يتذكر “تاسافاي” اللاجئ المقيم في مخيم أم راكوبة بولاية القضارف الطرق الوعرة التي سلكها عندما غادر المخيم للهجرة إلى أوروبا ووصل إلى الأراضي الليبية عن طريق مهربين دفع لهم خمسة آلاف دولار أرسلها له شقيقه المقيم في دولة السويد وذلك مطلع العام الحالي.

خسر “تاسافاي” الأموال التي دفعها للمهربين وعاد إلى مخيم اللاجئين في أم راكوبة شرقي السودان فارًا من جحيم المهربين بعد ان اصطدم حلمه بالسفر إلى أوروبا بإجراءات مشددة لخفر السواحل الليبية لمنع القوارب المطاطية من الإبحار، ويقول إن “الإجراءات في الوقت الذي تواجدت فيه بليبيا كانت مشددة جدا لدرجة سماع معلومات عن تقاعس فرق الانقاذ البحري في مساعدة المهاجرين”، وذكر  أنه تلقى روايات عن تعمد إغراق بعض القوارب.

هل سيعاود “تاسافاي” التجربة مرة أخرى؟ نعم بالتأكيد يقول ذلك عبر الهاتف من مخيم أم راكوبة بولاية القضارف لـ(عاين) مضيفًا: “لانملك حلا غير الهجرة إلى أوروبا عبر الأراضي الليبية أو المصرية أو معبر أوسيف البري في السودان ومنه إلى صحراء سيناء المصرية إلى سيناء لأن البقاء يعني الموت في مخيمات اللجوء”.

يعبر المبعوثون الأوروبيون عن قلقهم من تدفقات اللاجئين من الأراضي السودانية عبر قوارب الموت، ورغم الإجراءات الأمنية الصارمة للدول المطلة على ساحل البحر المتوسط مثل إيطاليا إلا أن الوضع لم يتبدل. لاتزال القوارب تنقل المهاجرين من افريقيا متخذة السودان وليبيا منبعين رئيسين لتصدير المهاجرين إلى أوروبا.

حيث ذكرت منظمة الهجرة الدولية إن ارتفاع أعداد المهاجرين غير الشرعيين من السواحل الليبية نحو شواطئ أوروبا شهد تزايداً لم يسجل منذ سنوات بسبب الهدوء النسبي في ليبيا. حيث ذكرت التقارير أن ما يقارب 20257 مهاجراً تم انقاذهم خلال مطلع العام الحالي حتى أغسطس من العام الجاري  اي ما يعادل اجمالي المهاجرين خلال العام الماضي، وقالت المنظمة في منتصف يوليو الماضي إن عدد المهاجرين الذين قضوا في البحر المتوسط خلال محاولتهم الوصول الى أوروبا  في الستة اشهر الاولى من العام 2021 ازداد أكثر من الضعف هذا العام، وقد ناهز الـ  1,146مهاجراً.

نصف مليون مهاجر يطرقون أبواب أوروبا عبر السودان

ضغوط على الخرطوم

وأبلغ الاتحاد الأوروبي الخرطوم في الشهور الماضية أن السودان يعد منبعا رئيسيا للمهاجرين إلى أوروبا و يتعين عليه أن يغلق المنافذ بالقوات العسكرية خاصة مع الاضطرابات الأمنية في ليبيا التي لم تعد موثوقة في إغلاق حدودها المطلة على المتوسط.

يقول الخبير في قضايا الهجرة والذي عمل مع منظمات أوروبية حكومية حذيفة كمال في حديث لـ(عاين)، إن الاتحاد الأوروبي دفع هذا العام للسودان 80 مليون يورو لمكافحة الهجرة ويقلل كمال من هذه المساعدات ويعتقد أن الخرطوم بإمكانها “لي ذراع” اوروبا وطلب مليارات الدولارات مقابل إغلاق بوابات الهجرة نحو اوروبا.

خبير: أوروبا تخشى من فرار أعداد اللاجئين المهولة من السودان ودفعت 80 مليون يورو لمكافحة الهجرة 

يشير كمال، إلى أن غياب الرؤية الخارجية للسودان يبعده من “المصالح الخاصة” مع الاتحاد الأوروبي موضحا أن المبعوثين الأوروبيين الذين زاروا مخيمات اللاجئين في ولاية القضارف وكسلا صُدموا من النسبة العالية للاجئين واقتراب النسبة من 200 ألف شخص.

وأضاف: “أوروبا تخشى من فرار هذه الأعداد من السودان إلى أبوابها ولذلك تريد أن تحكم الإغلاق على حدودها بشتى الطرق وقد تتطور هذه الخطط لاحقا للإجراءات أكثر صرامة كما جرى نشر قوات عسكرية بين ليبيا والسودان في السنوات الأخيرة”.

نصف مليون مهاجر يطرقون أبواب أوروبا عبر السودان
بيانات المنظمة الدولية للهجرة من 2018 عن الهجرة غير الشرعية

هجرة جماعية

خلال الثمانية أعوام الأخيرة كان عدد سكان مخيم “الشجراب” الواقع شمال مدينة خشم القربة شرق السودان حوالي 170ألف لم يتبق في الوقت الراهن سوى 20 ألف في المخيم أغلبهم فروا نحو اوروبا او البقاء في العاصمة السودانية في انتظار هجرة نحو أوروبا يضيف مسؤول مكتب معتمدية اللاجئين بولاية كسلا احمد السر في حديث لـ(عاين) قائلا : “السودان دولة ممر ومصب بالنسبة للمهاجرين نحو أوروبا ومع تطورات عمليات التهريب لا تزال جهود الاتحاد الأوروبي دون الطموح لأن إنشاء مدارس ومرافق في الأرياف لن توقف رغبة شبان أعمارهم تتراوح بين 20 إلى 35 عاما في التوقف عن “الحلم الأوروبي” لأنهم يشاهدون صور وأخبار اشقائهم واقربائهم كيف انهم تنعموا وحصلوا على الحريات والرفاهية في تلك الدول”.

مسؤول سوداني: المئات قتلوا على يد مهربي البشر في شرق السودان، والمهربون يعملون ضمن شبكات تتوزع بين مدن كسلا والقضارف، ودنقلا شمالي السودان وليبيا.

حينما دفع “تاسافاي” خمسة آلاف دولار للمهربين كان يعتقد أن أضعاف هذا المبلغ يمكن تأمينه من بنود الإعانات في اوروبا او العمل في المهن العمالية بالتالي لا داعي للقلق من خسارته هنا.

يظهر “تاسافاي” تصميما على الهجرة عندما سألته (عاين) عما إذا كان يخطط للتخلي عنها والعودة إلى بلاده التي تشهد الحرب الأهلية في إقليم التقراي ويضيف : “قبل الحرب كنا نخطط للهجرة وحتى إن توقفت سنحاول السفر إلى أوروبا كيف يمكن أن أعود الى الجحيم” يتسائل هذا الشاب العشريني الذي تخرج من الجامعة.

وفي هذا الصدد يؤكد مسؤول مكتب معتمدية اللاجئين احمد السر، إن غالبية اللاجئين قد يتحولون لاحقا إلى مجموعات مهاجرة نحو أوروبا واغلبهم مؤهلون ودرسوا الجامعة. الجدير بالذكر فإن عدد اللاجئين الاثيوبيين الفارين من أقليم التقراي بلغ ما يقارب الـ 78 الف لاجئ يحتمل ان يشقوا طريقهم نحو الأراضي  الليبية للعبور نحو الشواطئ الايطالية.

وحول حماية المهاجرين يوضح السر، أن المئات قتلوا على يد مهربي البشر في شرق السودان مضيفًا أن المهربين يعملون ضمن شبكات تتوزع بين كسلا والقضارف والعاصمة السودانية وأوسيف في شرق البلاد ونقطة دنقلا شمالي السودان وليبيا أي هي شبكة عابرة للحدود ولا يمكن ملاحقتها بواسطة الشرطة المحلية.

ويضيف السر: “تفكير أوروبا أن المساعدات التي تدفعها قد توقف الهجرة إلى أراضيها تفكير ساذج لأن رغبة الشباب لا ترتبط بالمدارس أو المرافق ..يريدون حياة مختلفة هناك لذلك يتعين على أوروبا ان تلامس هذه الرغبة وتحققها في هذه البلدان الفقيرة والمضطربة”.

مكتب أوروبي في الخرطوم

وافتتح الاتحاد الأوروبي مكتبا لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر في العاصمة السودانية ووقع مع الحكومة اتفاقية المقر قبل أشهر و تبقت اتفاقية فنية ليبدأ المكتب نشاطه وهي خطوة أدت الى استعجال الاتحاد الأوروبي بعض الدول الى بناء علاقات مع المكتب.

ويختتم مسؤول مكتب معتمدية اللاجئين في ولاية كسلا احمد السر، إفادته بالقول: “إذا ما سارت الأوضاع على هذا الشكل وتزايد حركة اللجوء من ارتريا واثيوبيا خاصة بعد حرب إقليم التقراي الى السودان فإن نحو نصف مليون لاجئ قد يطرقون أبواب في العامين القادمين ولا يمكن للخرطوم منعهم مالم تتخذ تدابير عالية على مستوى السياسات العليا لـ اثيوبيا وارتريا بتحسين اقتصادات هذه الدول”.

يعتقد السر، أن السودان هو ايضا من الدول التي تصدر المهاجرين إلى أوروبا وقال إن الرغبة تزايدت وسط الشبان خاصة بعد الأوضاع الاقتصادية المتردية في العامين الأخيرين.

أما الخبير في قضايا الهجرة حذيفة كمال، ينبه إلى نقطة مهمة قائلا إن الدوافع الحقيقية للهجرة ليست اقتصادية فقط بل يحاول المهاجرون العيش في بلدان تتمتع بالحريات ودرجة من جودة الحياة إلى جانب ضمان مستقبل أطفالهم.

يرى كمال أن الدول التي تعد منبعا لتصدير المهاجرين إلى أوروبا إذا ما إدارات مواردها جيدا قد تتمكن من امتصاص رغبة الهجرة وسط الشباب سيما السودان الذي يعاني من تدهور اقتصادي مريع.

نصف مليون مهاجر يطرقون أبواب أوروبا عبر السودان

دوافع الهجرة

بينما يشير المسؤول بمكتب معتمدية شؤون اللاجئين احمد السر، إلى أن مخيم الشجرات يستقبل يوميا من 50 إلى 60 لاجئا يبقى عدد محدود في المخيم ثم يفر الباقون نحو طرق الهجرة إلى أوروبا أو وكالات الأمم المتحدة.

مسؤولية بمعتمدية اللاجئين يقلل من قانون مكافحة الإتجار بالبشر، ويقول أن عصابات التهريب تتطور كلما توسعت الإجراءات الرسمية ولديها قدرة على نقل مئات المهاجرين في وقت وجيز إلى ليبيا وسيناء.

يضيف السر بالقول: “مكافحة الهجرة مرتبطة باستقرار الأنظمة السياسية لدول السودان واريتريا والصومال وإثيوبيا”. ويقلل السر من قانون جديد سنه السودان لمكافحة الإتجار بالبشر، موضحا أن عصابات التهريب تتطور كلما توسعت الإجراءات الرسمية ولديها قدرة على نقل مئات المهاجرين في وقت وجيز إلى ليبيا وسيناء.