سوء التغذية.. خطر يداهم أطفال السودان
عاين- 26 يونيو 2025
يواجه السودان أزمة إنسانية متفاقمة مع تصاعد معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال والنساء، في ظل استمرار الحرب وتدهور الأوضاع المعيشية داخل مخيمات النزوح.
وتشير تقارير أممية إلى أن 4.9 مليون طفل وامرأة حامل أو مرضعة يعانون من سوء تغذية حاد، بينما يواجه 24.6 مليون شخص الجوع الحاد، أي نصف سكان البلاد.
وتقدّر منظمة اليونيسف أن 3.2 مليون طفل مهددون بسوء التغذية الحاد هذا العام، بينهم أكثر من 700 ألف معرضون للخطر الشديد. في دارفور وحدها، توفي أكثر من 20 طفلًا بمنطقة طويلة خلال شهرين فقط، وسط انهيار الخدمات الصحية ونقص الغذاء. وسط توقعات بزيادة الوفيات.
وتقول مديرة قسم الاتصال والمتحدثة الرسمية باسم برنامج الغذاء العالمي في السودان، ليني كينزلي: إن “البرنامج لا يحتفظ ببيانات عن الوفيات، لكن المناطق الأكثر تأثرًا بالجوع والتي تم تأكيد المجاعة فيها تشمل مواقع داخل شمال دارفور وجبال النوبة الغربية”. وذلك وفقًا لتقييم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA). وأوضحت كينزلي، أن التحدي الرئيسي في الوقت الراهن يتمثل في ضخامة الاحتياجات مقابل تراجع الموارد المتاحة. وتشير إلى أن البرنامج يحتاج إلى 81 مليون دولار لتوفير مساعدات تغذوية طارئة للأطفال الصغار والنساء أو الفتيات الحوامل والمرضعات خلال الأشهر الستة القادمة.
أزمة كارثية
وسبق أن حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من أزمة إنسانية كارثية في السودان، مشيرة إلى أن ما يقدر بـ 3.2 مليون طفل تحت سن الخامسة معرضون لخطر المعاناة من سوء التغذية الحاد هذا العام، من بينهم أكثر من 700 ألف طفل مهددون بسوء التغذية الحاد الوخيم.
ووفقًا لمنظمة “إنقاذ الأطفال”، يشكّل الأطفال 6 ملايين من أصل 15 مليون نازح بسبب النزاع المستمر منذ أبريل 2023، ويعيش معظمهم في ظروف إنسانية قاسية داخل مخيمات النزوح.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن السودان يضم 42% من الأطفال غير المُحصّنين في منطقة شرق المتوسط، بعد أن تراجعت نسبة التطعيم من 85% قبل الحرب إلى 30% في مناطق النزاع.

وتشير احصائية لمنسقية النازحين واللاجئين بدارفور في بلدة طويلة، إلى أن عدد وفيات الأطفال بسوء التغذية في المنطقة التي نزح اليها الآلاف بعد معارك الجيش والدعم السريع في الفاشر، بلغ أكثر من 20 طفلًا خلال شهري أبريل ومايو الماضيين، بينما وصلت حالات الأطفال والنساء الحوامل الذين يعانون من سوء التغذية إلى 500 حالة في نفس الفترة. ووفقًا لتقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الصادر في مايو 2025، فإن نحو 8.5 ملايين شخص في السودان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة الرابعة)، وهي المرحلة التي تسبق المجاعة مباشرة، ويتركز ذلك في ولايات دارفور والنيل الأزرق والخرطوم وكردفان.
كما صُنّف أكثر من 2.5 مليون شخص في حالة كارثية (المرحلة الخامسة) في شمال دارفور وحدها، ما يعني أن السودان يقترب فعليًا من حالة المجاعة في عدة مناطق.
جوع وانهيار النظام الصحي
ومنذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، دخلت البلاد في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث انهارت مؤسسات الدولة، وتوقفت الخدمات الأساسية في قطاعات الصحة والتعليم والمياه. وأجبرت الحرب أكثر من 10 ملايين شخص على النزوح داخل وخارج البلاد، بينما يعيش نحو 25 مليون شخص – أي أكثر من نصف السكان – في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وتسبب النزاع في تفشي الجوع، وانهيار سلاسل الإمداد، وقطع الطرق المؤدية للمساعدات، خاصة في ولايات دارفور وكردفان والخرطوم.
كما أدت الحرب إلى تدهور حاد في النظام الصحي، حيث خرجت أكثر من 70% من المرافق الصحية في مناطق النزاع عن الخدمة، ما أعاق بشدة الاستجابة لتفشي الأمراض وسوء التغذية، وفاقم من معاناة النساء والأطفال والمرضى المزمنين في مناطق محاصرة. وتواجه وكالات الإغاثة صعوبات كبيرة في الوصول إلى المتضررين، نتيجة لانعدام الأمن وغياب التنسيق.
وقال المتحدث باسم منسقية النازحين واللاجئين بدارفور، آدم رجال، إن عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية في كافة مخيمات النازحين بدارفور والسودان عمومًا كبير جدًا، مشيرًا إلى أن الناس يعيشون في ظل “مجاعة حقيقية وظروف إنسانية مريرة”. وأكد في حديث لـ(عاين) أن أعدادًا كبيرة داخل مخيمات النزوح يعانون من سوء التغذية، لا سيما الأطفال والنساء الحوامل، نتيجة لعدم توفر الغذاء، واستمرار الحرب، وارتفاع أسعار السلع. وقال إن الفاشر، المحاصرة لأكثر من عام، تشهد ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار ونقصًا حادًا في السيولة النقدية، مما أدى إلى تفشي أمراض مرتبطة بسوء التغذية لعدم توفر الغذاء بصورة منتظمة.
وأوضح رجال، أن الغذاء المقدم للأطفال يفتقر إلى القيمة الغذائية، وأن أغلب سكان الفاشر، خاصة من الأطفال والنساء وكبار السن، يعانون من سوء التغذية ويتمركزون داخل معسكرات النزوح التي تعاني بدورها من غياب الرعاية الصحية.
ووفقًا لرجال، يُفاقم سوء التغذية معاناة الأطفال في مخيم كلمة بجنوب دارفور، الذين يعانون من نقص الغذاء والضروريات الأساسية. وهذا مثال واحد فقط على الأوضاع الإنسانية المتردية التي يواجهها الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات في المخيم.
وأشار إلى وجود أكثر من 70 مخيمًا داخل إقليم دارفور وأقاليم السودان الأخرى يواجهون أوضاعًا مماثلة من سوء التغذية، داعيًا كل الجهات ذات الصلة ووكالات الأمم المتحدة إلى التدخل العاجل وزيادة الدعم الإنساني اللازم لإنقاذ ملايين الأطفال السودانيين.

منتصف مارس الماضي، حذرت مديرة برامج الطوارئ في منظمة اليونيسف لوشيا إلمي من أن السودان يخاطر بفقدان جيل كامل من الأطفال، مشيرة إلى أن أطفال السودان محاصرون في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم ويعصف بهم الصراع والنزوح والجوع.
وأشار تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في يونيو 2025 إلى أن أكثر من 70% من المرافق الصحية في ولايات النزاع باتت خارج الخدمة، وأن نقص الأدوية والمحاليل الوريدية ومكملات التغذية يعوق بشدة الاستجابة لحالات سوء التغذية. ويؤكد أطباء متخصصون تحدثوا لـ«عاين» أن نقص فيتامين (أ) يؤدي إلى مشكلات خطيرة في الإبصار لدى الأطفال، أبرزها العمى الليلي، ويزيد من خطر الوفاة جراء العدوى. وتشير تقديرات اليونيسف إلى أن واحدًا من كل ثلاثة أطفال في السودان لا يحصل على الجرعة الوقائية من فيتامين (أ) منذ بداية النزاع.
وقال مصدر طبي في مدينة الجزيرة أبا بولاية النيل الأبيض، إن معظم الأسر الوافدة إلى المنطقة تعاني من نقص حاد في الغذاء، خاصة الأطفال. وأوضح المصدر لـ(عاين): أن “أغلب الموجودين في الجزيرة أبا لا تتوفر لهم وجبات غذائية مناسبة، ولا يوجد أخصائي تغذية، والأزمة تتركز بشكل خاص في الفئة العمرية من سنة إلى سبع سنوات”. مضيفًا: “هل يصدق أن بعض الأطفال لا يتناولون سوى وجبة واحدة فقط في اليوم؟”. وأكد أن معظم المقيمين في المنطقة من الوافدين، ويعانون من نقص في فيتامين (أ). موضحًا أن “سوء التغذية يؤثر بشكل مباشر على النظر، وهو ما نلاحظه عند الأطفال في الفترة الأخيرة”.
وأشار المصدر الطبي في مدينة الجزيرة أبا بولاية النيل الأبيض، إلى إن أبرز الاحتياجات الحالية في المخيمات تتمثل في توفير غذاء كافٍ للأطفال، ورعاية صحية وتغذية خاصة للفئة العمرية دون سن الخامسة. وتابع: “لا يوجد أي تدخل من قبل المنظمات الإنسانية حتى الآن، ونحتاج إلى منظمات تركز على الأطفال فقط وتوفر لهم مواد غذائية مكتملة القيمة”.
وأوضح المصدر أن المخيم لا يضم قسمًا متخصصًا في التغذية، وأنه رغم عدم تسجيل أي حالات وفاة حتى اللحظة، إلا أن هناك انتشارًا لمشكلات في النظر بين الأطفال، يُرجّح ارتباطها بنقص فيتامين (أ) نتيجة لسوء التغذية.
في المناطق التي نزح إليها آلاف من الفارين من الخرطوم ودارفور – مثل الجزيرة أبا وبعض مناطق سنار – لا توجد خطط واضحة لتوزيع الغذاء أو الكشف المبكر عن حالات سوء التغذية، ما يعمّق من خطر تفشي الجوع الصامت وسط الأطفال.
ويفقد النازحون، خاصة الأطفال، القدرة على تلقي تغذية متوازنة بسبب تنقلهم المتكرر وتكدسهم في مواقع غير مهيأة، ما يضاعف من تدهور وضعهم الغذائي، ويجعل جهود الرصد والاستجابة أكثر صعوبة.
وفي ظل هذه المؤشرات المقلقة، يقف السودان على حافة كارثة إنسانية غير مسبوقة، إذ يهدد سوء التغذية الملايين من الأطفال والنساء في مخيمات النزوح والمناطق المتأثرة بالنزاع. وبينما تتضاءل الموارد وتتراجع قدرات الاستجابة الإنسانية، تبرز الحاجة الملحّة لتحرك دولي عاجل، يضمن إيصال الغذاء والرعاية الصحية الأساسية، ويمنع انزلاق البلاد أكثر نحو المجاعة الشاملة وفقدان جيل كامل من الأطفال السودانيين.