ضحايا احداث “كريندق”.. مواجهة قاسية مع حياة النزوح
عاين – 16 مارس 2020م
“انهم لا يزرعون، و يمنعون الاخرين من ممارسة الزراعة”، هذا ما يصف به النازح إلى مدينة الجنينة، غربي السودان، في أواخر ديسمبر الماضي، عيسى آدم، المليشيات والمجموعات المسلحة التي هاجمت معسكر كريندق وقتلت وجرحت العشرات. يقيم عيسي حالياً مع أقاربه بالمدينة، إلا أنه كان يعمل بالأعمال اليومية في المعسكر، والآن فقد كل شئ بعد حريق المعسكر مع آخرون فروا من مزارعهم التي كانت تكفل أسرهم، وهم الآن موزعون في أحياء المدينة، وسط ظروف اقتصادية صعبة بعد فقدانهم لمصادر دخلهم المادي.
يعيش النازحين من معسكر كريندنق الواقع شرقى عاصمة ولاية غرب دارفور (الجنينة) الفارين عقب الهجوم الذي وقع في ديسمبر الماضي 2019م والذي نفذته مليشيات قبلية مسلحة يشتبه في مساندة افراد من قوات الدعم السريع لتلك المليشيات، أوضاعا حياتية صعبة حتى الآن. هؤلاء النازحين اتخذوا من بعض المؤسسات والمرافق العامة داخل عاصمة الولاية “الجنينة” إلى مقار و مأوى لهم كالمدارس والمستشفيات العامة.
و بحسب تقرير منظمة “أوتشا” فقد تجاوز عدد النازحين الـ 40,000 شخص جراء أحداث التوتر الذي اندلع في أواخر ديسمبر الماضى 2019، بين المساليت والقبائل العربية، من بينهم 32,000 من ثلاثة معسكرات كريندنق 1 و 2 ، بالإضافة إلى معسكر السلطان. ويقدر عدد المواقع التي يقطنها نازحي معسكر كرندنق بمدينة الجنينة حالياً الـ 34 موقعا، هي عبارة عن مدارس أو مؤسسات حكومية تابعة لحكومة الولاية.
بعض المبادرات الشبابية يقودها نشطاء سودانين و منظمات دولية مازالت تساهم في تقديم المساعدات الطبية والانسانية لهم، وتشير التقارير إلى جانب عمل المتطوعين فإن مستشفى الجنينة وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والشركاء الصحيين، وضعوا سبع مقترحات لتجميع النازحين من أجل القيام بتلبية الاحتياجات الطبية لهم. بينما زودت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) النازحين بمعونات صحية يمكنها تغطية الاحتياجات الصحية لعدد 10,000 شخص لمدة ثلاثة أشهر.
كما أكدت وزارة الصحة القومية ومنظمة الصحة العالمية وجود مخزون طبي كافي لدعم المحتاجين، محذرة في ذات الوقت من وجود فجوة في توفير الرعاية الصحية للأطفال دون سن الخامسة. في ظل الاوضاع الأمنية المعقدة التي تشهدها مدينة الجنينة ، إلا أن منظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي مستمران في تأكيد مساعيهم في تقديم الخدمات الصحية والغذائية للنازحين.
المدارس مراكز إيواء
يعرض آخر تقرير للامم المتحدة عن الأوضاع في ولاية غرب دارفور، ان هناك حوالي 40 ألفا نزح جراء الصدام الذي بلغ ضحاياها 54 قتيلاً و60 مصابا، والتي كان مسرحها معسكرات “كريندق 1 – 2، في أواخر ديسمبر الماضي الآن انها في ذات الوقت أشارة إلى تواصل الجهات الفاعلة لتقديم المساعدات الإنسانية للمتأثرين منهم داخل مدينة الجنينة منذ ديسمبر من العام المنصرم في مجالات الصحة، التغذية، وكذلك (المواد غير الغذائية).
وفي ذات الوقت يجري تقديم المشورة النفسية والاجتماعية للنازحين مع متابعة بعض المسائل والقضايا المتعلقة بالحماية، فقد انشأ الشركاء من المنظمات وبالتعاون مع متطوعين محليين 6 أماكن ملائمة للأطفال، وحتى 17 فبراير عاد ما يقارب 1,950 من الأطفال إلى المدرسة.
وكان مدير عام وزارة التربية والتعليم في الولاية، دفع الله ادم، قال لوسائل اعلام محلية” ان عدداً من المدارس أصبحت مراكز لإيواء للنازحين، وبلغت عددهما الـ 18 مدرسة اساس وثانوي، كما تم توزيع المتأثرين على المدارس الأخرى. وبناءً عليه تحولت الفترة الدراسية إلى صباحية ومسائية ، والذي سيكون ذات تأثير سالب على التحصيل الأكاديمي للطلاب بلا شك “ـ على حد قوله.
صعوبة الوصول للمدارس:
يقول المتطوع والناشط بمدينة الجنينة ابراهيم شمو “منذ احداث معسكر النازحين، قررت الحكومة دمج بعض المدارس الموجودة في مدينة الجنينة، ومن ضمن الطلاب المدمجين، طلاب معسكر كرندنق، البالغ عددهم 5,444 طالب وطالبة، وزعتهم إدارة التعليم داخل مدارس المدينة، البعض يدرس صباحا، وآخرون يدرسون في المساء، ويشير إلى ان بعض الطلاب يواجهون صعوبات في الوصول إلى المدارس، بسبب بعد المسافة، وارتفاع تعريفة المواصلات، كما فضل البعض من الطلاب البقاء في مراكز الإيواء بسبب الظروف الاقتصادية والنفسية التي تعاني منها الأسر نتيجة لعدم قبولهم للأوضاع الكارثية التي شهدها معسكر كريندق ، بالاضافة إلى اكتظاظ الفصول الدراسية بالطلاب، والذي يقدر بنحو 90 طالبا وطالبة تقريبا بالفصل الدراسي الواحد.
ويوضح إبراهيم “ان أسر الطلاب النازحين دائماً ما يواجهون صعوبات غالبها تتعلق بالمشاكل المادية، في الإنفاق على الأطفال على سبيل المثال في توفير ثمن إفطار للطلاب، وكما هو معلوم تجبر المدارس الطلاب على تناول الإفطار بالداخل كما تقدر تكلفة وجبة الإفطار الواحدة فيها 20 جنيه.
الخوف من العودة
بينما تروي الناشطة في منظمات المجتمع المدني بمدينة الجنينة فاطمة عبدالرحمن، ان اوضاع النازحين كما هي، لم يحدث فيها أي تغيير ملموس، وتقدر أن نسبة العائدين إلى معسكر كريندق 2% فقط، من جملة النازحين ومايزال المتبقي في مراكز الإيواء، وتضيف ” فاطمة أن سبب عدم عودة النازحين إلى المعسكرات، الوجود والانتشار الكثيف لقوات الدعم السريع ” إلا أن الملاحظ أنه مايزال رفض النازحين قائم حتى بعد سحب قوات الدعم السريع من المعسكرات .
و تذهب فاطمة قائلة في ذلك لـ(عاين) أن خوف النازحين من العودة إلى معسكراتهم يعود إلى غياب الأمن، كما أن عمل لجان التحقيق حول القضية لم يكن مرضى للنازحين، بعد تدوين بلاغات جنائية في أحداث قضية كريندنق، لدى اللجنة القانونية، ولجان أخرى لم تسميها تعمل في شأن النازحين وقضاياهم. مازال امر الكشف عن الجناة وتقديمهم للجهات العدلية يكتنفه الغموض والتي تصفها بـ الشائكة في ظل مطامع كثيرة من جهات عديدة أبرزها الشيوخ والشباب والدعم السريع، وحتى بعض شباب النازحين بدأوا تكوين مجموعات موازية لإبراز القوة.
وكان عضو اللجنة العليا لإدارة أزمة مخيم كريندنق للنازحين، المحامي، عبدالله باقة، اشار في مؤتمر صحفي عقد في اواخر فبراير الماضي إلى تورط جماعات من الدعم السريع والشرطة ونافذين من الدولة واللجنة الأمنية بالولاية في الأحداث. وقال باقة ” تم تحديد الجناة وتحرير بلاغات لدى الشرطة وبينهم نافذون في الدولة والشرطة والدعم السريع واللجنة الأمنية للولاية والتي ساهمت بالإهمال والتقصير في أداء واجبها “.
أمراض في فصل الصيف
ويرى الناشط المدني في المنطقة ابراهيم شمو، ان عدد المنظمات الانسانية، غير كاف، مقارنة مع أعداد النازحين الذي يبلغ حوالي 47,000 الف، وعن عدد المنظمات الموجودة حاليا يقول أن هناك 9 منظمة، 7 منها تعمل في الحقل الصحي، وأخرى تقدم المعونات الغذائية للنازحين، ويقول شمو لـ(عاين)” أن برنامج الغذاء العالمي قدم 18000 جوال ذرة لـ15,000 الف شخص، لمدة اسبوع خلال الأيام الأولى للنزوح.
كما انتقد التقصير في المجال الصحي، قائلاً ” في ظل وجود 36 مركز إيواء، توجد فقط 13 عيادة محولة، كشفاً عن 200 من حالة سوء تغذية وسط الأطفال، بالاضافة إلى مايقارب 400 حالة حمل تحتاج إلى الرعاية والمتابع الصحية، ومن الصعوبات والإشكاليات الموجودة الآن على حد تعبيره وجود عدد كبير من النازحين في غرف صغيرة، مع ضعف في جانب الصرف الصحي الذي يقلق النازحين من وقت إلى آخر وهذا مؤشر لظهور للأمراض و الاوبئة خلال فترة الصيف .