كردفان.. تحولات عسكرية تفاقم الوضع الإنساني

عاين- 19 يوليو 2024

يعيش إقليم كردفان على وقع تحولات عسكرية كبيرة، بعد سقوط مدينتي الفولة وقاعدة الميرم، فتوسعت رقعة الحرب، وتقلصت المساحات الآمنة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني للمواطنين في كل نواحيه، في ظل غياب تام لكافة التدخلات الإنسانية.

وأدى تغيير خارطة السيطرة الميدانية في كردفان، إلى إغلاق العديد من المسارات والطرق التي كانت تشكل شريان حياة للمواطنين خاصة في ولايتي غرب وجنوب كردفان الذين كانوا يعتمدون على أسواق متاخمة وحدودية للحصول على السلع التموينية، مما قاد إلى مزيد من التصاعد في الأسعار، وندرة في بعض الأصناف، إلى جانب شح في الأدوية والخدمات العلاجية.

وفي 4 يوليو الجاري سيطرت قوات الدعم السريع على رئاسة اللواء 92 التابع للجيش في مدينة الميرم الحدودية مع دولة جنوب السودان، والذي سبقه بأيام سيطرتها على عاصمة ولاية غرب كردفان الفولة، لينحصر وجود الجيش في حقل هجيلج، وبابنوسة التي غادر كل سكانها، وصارت بمثابة مدينة أشباح تنعدم فيها الحياة ومحاصرة من الاتجاهات كلها، إلى جانب النهود التي ما يزال الجيش يحتفظ بالسيطرة عليها.

وتحولت مدينة النهود إلى مركز رئيسي يأوي آلاف النازحين الذين وصلوا إليها من إقليم دارفور، والجزء الجنوبي لولاية غرب كردفان، والذين فروا بسبب توسيع الدعم السريع لعملياته العسكرية في تلك المناطق، الأمر الذي شكل ضغطاً كبيراً عليها، في ظل نقص في الموارد وتأثر مسارات وطرق وصول السلع الغذائية.

نزوح سكان من مدينة بابنوسة في غرب كردفان- الصورة ارشيفية: غرفة طوارئ بابنوسة- يناير 2024

وبحسب حمد سليمان وهو صحفي مقيم في النهود، فإن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة تصل 30 بالمئة خلال الأسبوعين الماضيين، وذلك نتيجة للتطورات العسكرية في ولاية غرب كردفان، وتسبب الخريف في إغلاق بعض الطرق البرية مثل خور أبو زعيمة الذي عطل حركة السير، إلى جانب أن النهود تعاني ضغطاً كبيراً؛ لأنها أصبحت تغذي المناطق كلها هناك بما في ذلك إقليم دارفور، بالسلع.

توجس أمني

ويكشف سليمان الذي تحدث مع (عاين) أن النهود تعيش حالة من التوجس الأمني الكبير، مما دفع التجار إلى الإحجام عن جلب كميات كبيرة من البضائع خشية تدهور الأوضاع؛ وبالتالي التعرض إلى خسائر مالية، الأمر الذي أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار مجمل السلع الاستهلاكية، مع ندرة وانقطاع في بعض المنتجات.

النهود: أوضاع سيئة يواجهها آلاف النازحين الذين وصلوا إلى المدينة من المناطق المضطربة الواقعة في الجزء الجنوبي من ولاية غرب كردفان.

ويشير إلى أوضاع سيئة يواجهها آلاف النازحين الذين وصلوا إلى مدينة النهود من المناطق المضطربة الواقعة في الجزء الجنوبي من ولاية غرب كردفان، وأيضا من الفاشر وولاية شرق دارفور، حيث هناك نقص في الإيواء، فهم يتكدسون في المؤسسات الحكومية وبعض المدارس، ولا توجد أي تدخلات إنسانية فقط بعض المبادرات الصغيرة من الأهالي المحليين.

ويمثل تصاعد أسعار السلع قاسم مشترك في ضروب المعاناة التي يعيشها مواطنو إقليم كردفان، ويعود السبب إلى تعطل الطرق والمسارات بسبب التدهور الأمني أو ظروف الخريف التي جعلت صعوبات في التحرك ببعض الطرق.

وبحسب عضو غرفة طوارئ بابنوسة مهاد جامع، فإن “وضع نازحي بابنوسة يمضي نحو مزيد من التدهور، مع تطور العمليات العسكرية في المنطقة، فالتدخلات الإنسانية ربما تمضي نحو تعقيد أكثر”.

وقالت مهاد في حديث لـ(عاين) إن “وتيرة العنف في مدينة الفولة انخفضت إلى حد بعيد مقارنة بالفترة الأولى لسيطرة قوات الدعم السريع، فهناك بعض الطلعات الجوية لطيران الجيش، ولكن لم يسجل أي ضحايا وسط المدنيين، لكن في المقابل الأوضاع المعيشية للمواطنين في تدهور مستمر يوم تلو الآخر”.

مدينة الأبيض: زيادة في أسعار مجمل السلع الاستهلاكية بشكل مضطرد

وينقل شاهد من الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان لـ(عاين) أن المدينة تشهد زيادة في أسعار مجمل السلع الاستهلاكية بشكل مضطرد، مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة، وتدهور في الخدمات الصحية.

وتعيش الأبيض لأكثر من عام تحت حصار تام تفرضه عليها قوات الدعم السريع من ثلاثة اتجاهات، الغرب والجنوب والشرق، بينما تستميت الفرقة الخامسة مشاة هجانة التابعة للجيش في الدفاع عن المدينة ومنع سقوطها.

كارثة محتملة

وفي الجزء الشمالي والغربي من إقليم كردفان استطاع المواطنون الذهاب إلى الزراعة خلال فصل الخريف الحالي، لكن يسودهم توجس كبير بسبب تدهور الوضع الأمني وانتشار عصابات النهب المسلح على نطاق واسع، لكن في ولاية جنوب كردفان وفق شهود، سيغيب جميع مزارعيها عن مشاريعهم الزراعية هذا الموسم لانعدام الأمن.

أهالي بلدة في جنوب كردفان يعودون للزراعة بعد سنوات الحرب
سيدة في حقل زراعي بجنوب كردفان

ويقول مجاهد إنديا وهو ناشط في العمل الطوعي في مدينة الدلنج، إن تطورات الأوضاع الأمنية في ولاية غرب كردفان ألقت بمزيد من الأعباء على منطقته، حيث توقف الإمداد بالمواد الغذائية التي كانت تصلهم فقط من هناك، وبالتحديد من سوق أم جمينا الذي أُغْلِق منذ شهرين بسبب الوضع الأمني، الشيء الذي أدى إلى مزيد من التصاعد في أسعار السلع.

جنوب كردفان: المدنيون محاصرون من كل القوات المتقاتلة في الولاية، ومسلحون ينشطون في مصادرة سيارات نقل البضائع من أصحابها.

ويشير مجاهد الذي تحدث لـ(عاين) إلى أن المواطن يحاصر من كل القوات المتقاتلة في ولاية جنوب كردفان، وقد نشط مسلحون في مصادرة سيارات نقل البضائع من أصحابها، وشهدنا أكثر من حادث مماثل خلال الأسبوع الماضي، وهي وضعية حرجة ستقود إلى مزيد من الندرة والغلاء في أسعار المواد الغذائية، في حين لا يستطيع الوصول إلى المزارع مما ينذر بكارثة.