الخرطوم بحري.. مدينة مُحترقة ويحاصرها الجوع

عاين- 12 سبتمبر 2024

بعد مرور نحو 17 شهرا على الحرب في السودان، ما زالت المناطق المأهولة بالمدنيين تحت الحصار العسكري، ومن بينها مدينة الخرطوم بحري التي تسيطر قوات الدعم السريع على الجزء الأكبر فيما قيد الجيش حركة التنقل في الطرق البرية شمالا نحو ولاية نهر النيل وغربا نحو مدينة أم درمان، ويشدد الطرفان الإجراءات على دخول القوافل التجارية ما أدى إلى ظهور مؤشرات أولية على الجوع بين آلاف المدنيين.

منتصف أغسطس الماضي تجددت العمليات القتالية في الخرطوم بحري قرب قاعدة حطاب العملياتية التابعة للجيش، والذي صد هجوما عنيفا لقوات الدعم السريع التي حاولت الاستيلاء عليها وبالفعل استولت على السوق الرئيسي قرب المنطقة العسكرية، وقتلت ما لا يقل عن 15 مواطنا ونزح المئات إلى المناطق المجاورة سيرا على الأقدام.

معارك فوق رؤوس المدنيين

مرور أكثر من 500 يوم على القتال لم يكن كافيا أمام الجنرالين لإبداء رغبة السلام فيما تمكن الوسطاء الدوليون من نقل الإغاثة إلى المناطق الساخنة خلال مفاوضات غير مباشرة في جنيف منتصف الشهر الماضي بالمقابل تقترب الخرطوم بحري من المجاعة” يقول العامل الإنساني محمد نادر لـ(عاين).

300 ألف شخص في بحري مهددين بالجوع وشح الدواء والمياه

عامل إنساني

ويرى نادر، أن وضع حياة المدنيين في الخرطوم بحري أو أي منطقة أخرى في نطاق الحرب جزء من “استراتيجية الجنرالين” لابتزاز المجتمع الدولي والمحلي؛ لأنهما لا يكترثان لحياة الناس، ويتسابقان لحصد مكاسب سياسية تقودهما إلى السلطة بناءً على تنازلات على الأرض مثل السماح بدخول الإغاثة أو وقف إطلاق النار، وهذه لا تعتبر تنازلات بقدر ما أنها حقوق مكفولة بموجب القانون الدولي الإنساني مضيفا أن حوالي 300 ألف شخص في بحري يواجهون نقص الغذاء والمياه والدواء والرعاية الصحية وبنهاية العام لن ينحو الآلاف من المخاطر إذا استمرت الأوضاع بهذه الوتيرة.

مطبخ جماعي في الخرطوم

ويقول محمد نادر: إن “غرفة طوارئ بحري والمتطوعين يوزعون الطعام من المطابخ الجماعية على المدنيين في أربعة قطاعات بالخرطوم بحري وهي مؤن غذائية تكفي لأقل من مائة ألف شخص فقط والمطلوب وقف الحرب للسماح للمواطنين بممارسة حياتهم اليومية وكسب المال“.

وأردف “توفي عشرات الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة لنقص الغذاء والدواء والعلاج ومستشفى الخرطوم بحري الواقع تحت سيطرة الدعم السريع متوقفاً؛ لأن هذه القوات عاجزة عن إدارة المرافق، وتخصص بعض المقرات لعلاج مصابيها في المعارك“.

تقطيع الأوصال مع المدن

لا يمكن للحافلات المرور من الخرطوم بحري إلى أم درمان حيث محلية كرري الآمنة نسبيا، والتي يسيطر عليها الجيش؛ لأن الحرب أدت إلى تدمير جسر شمبات نهاية العام الماضي، كما أن جسر الحلفايا الممر الثاني بين المدينتين غير آمن نتيجة سيطرة كل طرف على مدخلي الجسر.

خدمة الكهرباء والمياه متوقفة في غالبية أحياء الخرطوم بحري منذ بداية القتال منتصف أبريل 2023 كما توقفت شبكة الاتصالات منذ فبراير مطلع هذا العام، ويمكن القول إن المدينة خارج نطاق العالم.

 تركت خلفي مدينة محترقة يحوم فوقها شبح الموت

مواطنة

تقول إيمان مختار لـ(عاين) وهي أم لطفلين فرت من منزلها بحي الصبابي بالخرطوم بحري على مقربة منطقة سلاح المظلات التي منحها نظام البشير لقوات حميدتي قبل سنوات لإطفاء الاحتجاجات الشعبية “لقد تركت خلفي مدينة محترقة بالكامل لم يعد هناك ما يدعو للبقاء لا ماء ولا كهرباء ولا مواصلات بعض الناس غادروا المنازل، ووصلوا إلى شاطئ النهر سيرا على الأقدام، ثم صعدوا المراكب إلى أم درمان“.

تدمير البنية التحتية

دُمرت أجزاء كبيرة من البنية التحتية في الخرطوم بحري أبرزها محطة الكهرباء ومصفاة الجيلي للنفط ومحطة المياه ومصانع الغلال والأغذية التي تتركز شمال شرق المدينة كما نهب اللصوص محولات الكهرباء والأسلاك.

تسيطر قوات الدعم السريع على مساحة تشكل 90% من الخرطوم بحري بينما يسيطر الجيش على مقاره في الكدرو وحطاب وسلاح الإشارة. أما المتحف الحربي الذي يقع قرب نهر النيل الأزرق قبالة الأحياء السكنية، مرورا بمبنى محلية بحري حولت قوات الدعم السريع هذه المنطقة إلى مركز لوجستي وحركة ناقلات على مدار الوقت لمراقبة الجسر الذي يربط بين المدينة والخرطوم قرب القيادة العامة للجيش.

 قوات حميدتي لجأت إلى تجارة السلع بالخرطوم بحري وهي التي تتحكم في القوافل التجارية

عاملة إنسانية

تؤكد إسراء حماد العاملة الإنسانية أن نصف سكان مدينة الخرطوم بحري غادروا منازلهم قسرا بسبب هجمات الدعم السريع على المساكن بغرض النهب كان يمكنهم البقاء لو أن هذه القوات لم تصوب البنادق في وجوه الأطفال والنساء والمسنين.

وتضيف حماد في مقابلة مع (عاين): “قوات الدعم السريع مؤخرا لا تخوض معارك مباشرة ضد الجيش في الخرطوم؛ لأن القوات المسلحة تفضل البقاء داخل مقارها، وتتفادى الانتشار في الأحياء خشية سقوط حاميتها العسكرية، وعندما استمر الوضع هكذا اتجهت قوات حميدتي إلى تجارة السلع بين منطقة البطانة من شرق البلاد إلى الخرطوم بحري وهي التي تتحكم في القوافل التجارية لجني مليارات الجنيهات”.