قصة مصورة| الخرطوم.. مدينة تَئِنُّ تحت ركام الخراب

عاين- 1 سبتمبر 2025

هل هذه هي الخرطوم؟، وهل هذه شوارعها؟، أين سكانها وضجيجها؟، أين الباعة وأصوات مكبرات الصوت؟، وكيف ومتى يعمر هذا الخراب؟، أسئلة كثيرة تتناسل لزائر الخرطوم في عمقها الضاج بالحركة، تلك المدينة التي تنوء بالأثقال والصخب، دون أن تهدأ أو تتكئ لتحصل على هنيهة من السكون، هي الخرطوم التي لا تعرف الشكوى، وتستقبل زوارها الذين يذوبون في زحامها ولا تضيق، بل أصبحت تتسع وتتسع حتى كادت أن تكون بلا حدود.

وللمقارنة بين خرطوم ما قبل الحرب والخرطوم العائدة لتوها من ويلات القتال كانت هذه الجولة المصورة لـ(مراسل عاين) السبت الماضي في وسط المدينة، والتي انطلقت من موقف المواصلات الشهير ب(جاكسون) وهو الموقف الموجود تحت كبري الحرية من ناحية الغرب هذا المكان الذي من الصعب أن تجد لك موطئ قدم في نهارات الخرطوم، فهو يكاد ينفجر من شدة الزحام طيلة أيام الأسبوع.

موقف مواصلات جاكسون

هذا المكان (موقف جاكسون) لا يعرف الراحة، ويشهد له سكان (أمدرمان، الكلاكلات، الصحافات، أركويت)، وغيرها من المدن التي اعتاد سكانها على زيارة هذا المكان مراراً وتكراراً في رحلات الذهاب والإياب من أعمالهم أو قضاء أشغالهم باعتبار أن تلك البقعة تحتوي مواقف المواصلات الخاصة بهم.

وعلى غير العادة ظهر (موقف جاكسون) وهو خالٍ من أولئك المرتادين، نهار السبت المنصرم، إلا أن المكان لا يبدو هو ذات المكان؛ لأنه لا يعرف الراحة ولا العطلات، خلا المكان من زائريه المعتادين عدا قلة، توجد مركبات ولكنها قد طال بها الانتظار على عكس ما كان في السابق حيث تمتلئ في دقائق معدودات، وتنطلق في وجهاتها المختلفة، تملأ لتفرغ وتفرغ لتملأ.

كان من الصعب على زائر (موقف جاكسون) المشي على راحته فالمكان يشهد زحاماً ملحوظاً، أما في هذه الزيارة فحتى أولئك الباعة الجائلين لم يعد لهم وجود، ولا (الفريشة) من تجار الملابس والخضروات والفواكه والأثاثات المنزلية وغيرها لم يعد لهم وجود، أما ذلك الضجيج الناتج عن أصوات مكبرات الصوت للتجار لم يعد يسمع، هذا المكان الذي كنت تمشي فيه بصعوبة وحذر من الالتحامات الجسدية بسبب الزحام، تكاد تمشي فيه وأنت مغمض العينين؛ لأنه لن يصادفك أحد حيث لا خشية من الصدمات.

الموقف يبدو شبه خالٍ من المارة سوى القليلين جداً الذين يريدون استغلال المركبات في وجهاتهم، وحتى حركة السيارات العامة فهي بطيئة في انتظار الركاب الذي يضطرون للبقاء لفترات داخلها حتى تمتلئ مقاعدها، وتتحرك إلى وجهاتها.

(موقف ستاد) الخرطوم من الجهة الشرقية المخصص لمركبات المواصلات العامة لبعض مناطق أمدرمان وبحري وبري وغيرها هو الآخر أصبح خالياً بعد أن كان قبلة لمرتادي المواصلات العامة، قليلون يجلسون بالقرب من (بائعة الشاي) والشوارع المحيطة به تخلو من المارة سوى قلة.

جوانب من شوارع البلدية والقصر والجمهورية والحرية في وسط الخرطوم  

وفي شارع الجمهورية الذي كان يضج بحركة المركبات الخاصة والعامة لكثير من مدن الخرطوم، ولا يهدأ ولا يعرف العطلات، أصبح خالياً من الحركة بما فيها حركة الراحلين على رصيفه الممتد.

في شارع الحرية الذي اعتاد على حرية الحركة للمركبات والمشاة، ظهر شبه خالٍ، غير أن هناك قلة من المواطنين وعدد قليل من (الفريشة) دون أن يحيط بهم الزبائن على عكس ما كان مشهوداً قبل الحرب.

جانب من منزل الشهيد عبد السلام كشة 

 

شارع القصر الرئاسي وسط المدينة هو الآخر خال إلا من حركة ضئيلة، وذات الحال ينطبق على شارع (الشهيد كشة) (البلدية سابقاً) وهما الشارعان اللذان تجمع بينهما حركة الثائرات والثوار في الطريق نحو القصر الجمهوري في المواكب الجماهيرية الداعية للحكم المدني الديمقراطي، كما يحكي الشهيد كشة، وهو يرنو إلى الأفق في الجدارية التي تزين جدران منزل أسرته بالخرطوم.

 هذه هي الخرطوم؛ وهكذا أصبح حالها بعد أن طالها الخراب، وهي تكاد تنطق وتسأل فهل سيطول انتظارها لتلقي الإجابة حول مواقيت وكيفية إعادة إعمارها، هكذا بدت في لمحة سريعة لمن عايش زحامها وصخبها وحركة سكانها وزائريها، ولسان حالها يملؤه الرجاء، ويحدوه الأمل ويقارب صوتها على الصراخ ليشق فضاءات صمتها وسكونها المقلق: (عمروني عمروني) فما عدت أطيق هذا الخراب.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *