سكان الخرطوم يواجهون مصيرهم.. جهود ذاتية لعودة الخدمات
عاين- 24 أكتوبر 2025
تتضاعف المعاناة على سكان كثير من المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع بولاية الخرطوم، إذ يتحملون عبئاً إضافياً يتمثل في مساعي توفير الخدمات وسط قصور السلطات الرسمية.
وبعد دخول القوات المسلحة للمناطق التي كانت تحت سيطرة الدعم السريع، بدأ السكان في محاولات حل المشاكل التي تواجههم ذاتيا، ومنها المياه والكهرباء، وبعد قرار بداية العام الدراسي شرعوا في تجهيز المدارس ذات البيئة السيئة لتكون قادرة على استقبال التلاميذ.
كبرى المشاكل
وكانت معظم المناطق في الخرطوم قد شهدت أزمة حادة في الإمداد المائي، لكن كثيراً من سكان تلك المناطق لجأوا لحل الأزمة عبر الجهود الذاتية، بحفر الآبار بعد جمع الأموال عن طريق المساهمات العامة لمن هم داخل السودان أو في بلاد المهجر ممن ساهموا مساهمات فاعلة في سد الحوجات.
ولجأ مبادرون إلى تجميع أبناء وبنات مناطقهم في مجموعات على موقع التواصل الاجتماعي (واتساب) وتم من خلالها تفعيل الجهود وجمع المساهمات المالية بالتحويلات البنكية.
في يوليو الماضي، أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قرارًا بتشكيل لجنة قومية عليا برئاسة عضو المجلس الفريق إبراهيم جابر، لتهيئة ولاية الخرطوم والعودة العاجلة للمؤسسات الحكومية والمواطنين.
ومن اختصاصات اللجنة تهيئة ولاية الخرطوم للعودة العاجلة للمؤسسات الاتحادية والمواطنين، وأكد القرار أن الإجراء يأتي في إطار جهود السلطة الانتقالية لضبط هياكل الدولة، وإعادة تفعيل المؤسسات الخدمية، وتحسين الحكم المحلي، وعودة الخدمات للعاصمة الخرطوم في ظل ظروف الحرب وتعطل عمل العديد من المؤسسات في العاصمة.

وحسب القرار تشمل صلاحيات هذه اللجنة وضع الخطط الاستراتيجية لإعادة الإعمار وضمان عودة الخدمات والأمن لمواطني ولاية الخرطوم، مع انخراط جميع الجهات التنفيذية ذات الصلة في تنفيذ هذه المهام.
وتزامن تشكيل لجنة حكومية عليا لتهيئة العاصمة مع دعوات للمواطنين بالعودة إلى الخرطوم عقب سيطرة القوات المسلحة في 20 مايو 2025، ومع ذلك فإن شح الخدمات الأساسية تخفض من رغبات العودة في أوساط السودانيين.
والخميس، دعت منظمة الهجرة الدولية المجتمع الدولي إلى تقديم دعم عاجل لعملية التعافي في السودان، مع عودة أكثر من مليون شخص إلى العاصمة الخرطوم خلال الأشهر العشرة الماضية.
وقال منتصر سلمان- اسم مستعار- لـ(عاين): إن “منطقتهم التي تقع جنوب الخرطوم كانت تعاني معاناة شديدة في توفير المياه حيث بلغت الأزمة حدتها والمعاناة أقصى درجاتها لكنهم كثفوا جهودهم لحل تلك المشكلة حلاً جذرياً، فقادهم التفكير إلى حفر بئر جديدة لتعطل البئر القديمة، وحددت إحدى الشركات التكلفة في مبلغ (٦٠) مليون جنيه”. وأبان أنهم بدأوا في التواصل مع السكان داخل وخارج السودان وجمعوا المبلغ المطلوب وبالفعل تم حفر البئر.
وتابع: “بعد حفر البئر كانت هناك مشكلة أخرى، وهي الحوجة الماسة لربط البئر بالكهرباء، حتى تعمل وتدخل دائرة الإنتاج ولعدم وجود محول كهربائي لتغذية البئر تم تجميع مبلغ بذات الطريقة لتوصيل الكهرباء عبر الطاقة الشمسية التي بلغت تكلفتها (١٨) مليون جنيه، وزاد: “بالفعل دخلت البئر دائرة الإنتاج، وتم حل مشكلة المياه التي كانت تؤرق وترهق السكان، وتم تأمين الإمداد المائي بشكل كافٍ خاصة بعد وصول مياه محطة جبل أولياء عقب معالجة هيئة المياه للإشكالات التي كانت تحول دون وصولها”.
وذكر ذات المواطن أنه بعد توصيل المياه وامتلاء شبكة التوصيلات الخاصة بها داخل الأحياء ظهرت مشاكل (كسور مواسير المياه) بسبب الضغط ونتيجة لذلك امتلأت بعض الشوارع بالمياه، ولم يكن أمام السكان غير أن يعملوا بجهودهم الذاتية لمعالجة تلك الكسور بتجميع أموال وإصلاح ما يلزم إصلاحه خاصة أن تلك الفترة هي فترة توالد البعوض وانتشار الملاريا وحمى الضنك، وعلى الأخص شهر أغسطس المنصرم، وأفاد أن ما جعل السكان يقفون على معالجة كسور المواسير بأنفسهم هو ضعف إمكانيات هيئة المياه.
وعلم مراسل (عاين) من أحد السكان أن حضور الجهة المختصة لمعالجة كسور المواسير يتطلب ترحيل العمال ذهاباً وإياباً لعدم وجود مركبة خاصة بالعمل، بجانب توفير وجبة ومبلغ من المال.
ولفت المواطن (منتصر سلمان) وهو (اسم مستعار) كما تمت الإشارة سابقاً إلى أنه بعد حل مشكلة المياه دخل السكان في حالة حرب مع البعوض، ولتأخر السلطات المحلية المختصة وضعف تدخلاتها شرع المواطنون في عملية مكافحة البعوض ذاتياً بإطلاق مبادرات وعمل نفرات لتجميع أموال وشراء (المضخات) المحمولة على الظهر (الرش الرزازي) لمكافحة البعوض، كما لجأوا لشراء آلات الرش الضبابي، ونوه بأن سعر مضخة الرش المحمولة على الظهر بلغ في بعض الحالات (٩٠) ألف جنيه (في ذروة الحوجة)، بينما بلغ سعر ماكينة الرش الضبابي (مليون) جنيه للمستعملة وما بين (مليون ومليون ونصف المليون) جنيه للجديدة.
وأردف أنه بعد شراء الطلمبات وماكينات الرش الضبابي تم شراء المبيد الخاص بمكافحة البعوض، وبلغت تكلفة إحدى الحملات نحو مليوني جنيه، وأوضح أنه في حالات تمت عمليات المكافحة في المصارف الرئيسية والبرك والحشائش وفي المدارس، وداخل المنازل في بعض الحالات بواسطة شباب الأحياء الذين تم تجميع طاقاتهم، وبذلوا جهوداً على مدى أيام للقيام بمهمة المكافحة التي ظهرت آثارها بشكل واضح بانخفاض انتشار البعوض وتراجع حالات الإصابة بالملاريا وحمى الضنك.
وطبقاً للمتابعات في فترة انتشار الملاريا وحمى الضنك خلال شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين عمل مبادرون على توفير أدوية للعلاج المجاني أو بأسعار مخفضة لتخفيف العبء على المرضى.
تجهيز المدارس

ولم تتوقف معاناة السكان عقب انتهاء حملات مكافحة البعوض، بل دخلوا في مرحلة أخرى وهي مرحلة تجهيز المدارس عقب بداية العام الدراسي في شهر سبتمبر الماضي، ولم تكن البيئة مهيأة على الإطلاق، ويلاحظ ذلك في نمو الحشائش والأشجار بكثافة، وحوجة بعض المباني للبناء بعد سقوطها، وتجهيز أجهزة السقيا وتوصيلات مواسير المياه، كل ذلك كان نقصاً يتطلب بذل الجهود، وهو ما جعل بعض السكان ينتظمون في حملات لتجهيز المدارس لاستقبال الطلاب، وشرعوا في جمع التبرعات للقيام بما يلزم.
وبجانب تهيئة البيئة المدرسية ظهرت مشكلة نقص المعلمين في عدد من المدارس وهو ما جعل سكان بعض المناطق يفكرون في سد النقص بالتطوع.
ونتيجة لعدم توفر خدمة الكهرباء في عدد من المناطق؛ بسبب نهب المحولات من قبل عناصر بالدعم السريع لجأ مواطنون لشراء منظومات طاقة شمسية وتركيبها في منازلهم عوضاً عن الخدمة العامة.
وبالنظر إلى واقع الحال في كثير من مناطق الخرطوم نجد أن مواطنيها قد بذلوا جهوداً مقدرة، ولا يزالون يعملون لإعادة الخدمات، وتحملوا مسؤوليات كبيرة في سبيل جعل مناطقهم قابلة للعيش والسكن الآدمي.
وذكر أحد المواطنين لـ(عاين)، إن كل تلك الجهود تبذل وسط ضعف وجود السلطات وهو ما أدى إلى قيام المبادرين لسد الفراغ وتخفيف أو إنهاء معاناة السكان والعمل على حل المشاكل التي كان ينبغي على الدولة حلها، وفي بعض الحالات يتم الضغط على السلطات للقيام بمهامها في حالة انسداد الأفق أمام السكان، وأردف: “المواطنون يكتوون بنيران الواقع والوضع صعباً والضغط أصبح كبيراً عليهم ولا بد من تدخل رسمي، وفي حالة وجود مصاعب تتم الجهود الشعبية لتجنب تفاقم الآثار؛ لأن الحلول لا تحتمل التأجيل”.
وأردف: “المواطنون يكتوون بنيران الواقع والوضع صعباً والضغط أصبح كبيراً عليهم ولا بد من تدخل رسمي، وفي حالة وجود مصاعب تتم الجهود الشعبية لتجنب تفاقم الآثار؛ لأن الحلول لا تحتمل التأجيل”.





















