احتجاجات المؤسسة العدلية .. الخناق يضيق على العسكريين

22 يناير 2022

بعد إضراب سياسي ناجح لفئات مهنية متنوعة، يقود قضاة سودانيون، ووكلاء نيابة ومستشارون قانونيون لدى وزارة العدل، نشاطاً محموماً، من أجل إيقاف آلة القتل والانتهاكات بحق المحتجين السلميين ضد استيلاء الجيش السوداني على السلطة في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.

وبعبارات واضحة، أدان قضاة سودانيون، الأربعاء، انتهاكات السلطات العسكرية الجسيمة، المتمثلة في القتل خارج القانون، والعنف المفرط ضد المدنيين العُزل.

وسقط 73 قتيلا برصاص السلطات العسكرية، فضلاً عن أكثر من ألفي إصابة منذ بدء الاحتجاجات السلمية ضد انقلاب 25 أكتوبر وفقا لمنظمات طبية. 

والأربعاء، دعا 55 قاضياً وقاضية، بينهم قضاة محكمة عليا واستئناف، وقضاة آخرين من درجات وظيفية مختلفة بالسلطة القضائية، عبر بيان، انطلاقاً من اجباتهم الدستورية والقانونية، لإيقاف الانتهاكات فوراً، وتقديم مرتكبيها للتحري الجنائي، تمهيداً لتقديمهم للعدالة لضمان عدم الإفلات من العقاب.

وأوضح القضاة، وفقاً للبيان الذي أُلحق بمذكرة قُدمت لرئيس مجلس السيادة الإنقلابي، أن السلطات العسكرية في السودان، خالفت كل المواثيق والعهود، منذ انقلابها في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.

وأشار القضاة، إلى أن الخطوة تأتي، وفقاً لما يمليه عليهم ضميرهم المهني وقسم الولاء للدستور والقانون، الذي أوجب على الكافة منع ارتكاب الجريمة استنادا للمادة 4/أ من قانون الإجراءات الجنائية لسنة1991.

ونفذ عشرات القضاة وقفة احتجاجية الخميس، ووجهوا مذكرة إلى رئيس وأعضاء مجلس السيادة الإنقلابي، للمطالبة بوقف العنف والاعتداءات على أبناء الشعب السوداني.

ضربة موجعة

وأرسل رئيس القضاة ورئيس المحكمة العليا وقضاة المحكمة العليا والإستئناف وقضاة المحكمة العامة وقضاة المحكمة الجزئية، الخميس الماضي، مذكرة لرئيس مجلس السيادة الإنقلابي،أشاروا فيها إلى أن “القضاء هو الحامي للحقوق والمناط به بسط العدل في البلاد”.

تجمع امام مستشفى الجودة مجزرة 17 يناير 2022- الصورة مواقع التواصل الاجتماعي

وتأتي مذكرة القضاة كسابقة نادرة، خاصة أنها سُلمت بواسطة رئيس القضاة ممهورة بتوقيعه، الأمر اعتبر ضربة موجعة في وجه الانقلابيين.

وتعرضت المذكرة إلى ذكر القتل خارج نطاق القانون والاعتداءات الصارخة على أبناء الوطن للدرجة التي لا يمكن السكوت عليها، كما دعت للتوقف الفوري عن كافة أشكال الاعتداءات التي تقع على المواطنين وحفظ أرواحهم وصيانة حقوقهم المكفولة بموجب الوثيقة الدستورية والقانون”.

وفي السياق، دعا بيان المستشارين القانونيين بوزارة العدل الموجه للشعب  السوداني في  السابع عشر من يناير الجاري، للإيقاف الفوري للانتهاكات ضد المتظاهرين السلميين، بما في ذلك القتل خارج إطار القانون والاعتقال غير المشروع والاخفاء القسري والتعذيب وغيرها من ضروب الإيذاء أو المعاملة غير الإنسانية .

وطالب البيان بالكشف الفوري عن مرتكبي الانتهاكات وتقديمهم للعدالة بغية محاسبتهم، ونادوا بالبدء فوراً في إجراءات نقل السلطة إلى حكومة مدنية يتوافق عليها الشعب السوداني.

كما أعلن المستشارون العصيان المدني ووقوفهم مع كافة الدعوات للإضراب والوقفات الإحتجاجية إلى حين تحقيق المطالب، مع التوقف عن تقديم الخدمات القانونية لأجهزة الدولة إعتباراً من تاريخه وحتى العشرون من يناير الجاري، تمهيداً للعصيان المدني الشامل ورجوع الوضع للمسار الدستوري.

محلل سياسي: حراك القضاة ووكلاء النيابة قابل لأن يتطور إلى إضراب سياسي، يؤدي إلى أن تتوقف الأجهزة العدلية في الدولة.

“إن الحراك الذي يقوده القضاة بقوة رفضاً للانتهاكات التي تمارسها سلطات الإنقلاب في السودان ضد المدنيين السلميين، قد يشكل ضغطاً على الدولة من أجل إيقاف العنف ضد المحتجين السلميين، كما قد يقود إلى حماية حق التعبير والتظاهر السلمي”، يقول المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية، مصعب محمد على.

وويضيف علي لـ(عاين)، “يكمن أثر حراك القضاة ووكلاء النيابة في أنه قابل لأن يتطور إلى إضراب سياسي، يؤدي إلى أن تتوقف الأجهزة العدلية في الدولة”، مشيراً إلى أن القضاة ووكلاء النيابة باتوا يشكلون ضغطاً مهماً من الممكن أن يُسهم في التأثير على  طريقة تعامل الدولة مع التظاهرات السلمية.

فيما رأى الخبير القانوني والقاضي السابق، محمد الحافظ في حديث لـ(عاين)، أن مذكرة السلطة القضائية، خطوة جيدة، لكنه عاب توجيهها لرئيس مجلس السيادة الإنقلابي، لجهة إنه المسؤول عن تقويض الشرعية الدستورية، فيما كان الأولى توجيهها للشعب السوداني.

لن تسيروا وحدكم:

قضاة السودان لم يكونوا وحدهم الذين انخرطوا احتجاجاً على الانتهاكات ضد المتظاهرين السلميين، حيث أعلن 85 من وكلاء النيابة مبدئياً التوقف عن العمل في 20 يناير الجاري، واضعين كافة الخيارات قيد الدراسة، حالة عدم الإستجابة بإيقاف الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وكلاء النيابة يطالبون بتشكيل لجنة عليا للتحقيق في كافة الإنتهاكات التي وقعت أثناء التجمعات السلمية منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي وحتى السابع عشر من يناير الجاري.

وبحسب وكيل نيابة تحدث لـ(عاين)، فإن الوكلاء يطالبون بتشكيل لجنة عليا للتحقيق في كافة الإنتهاكات التي وقعت أثناء التجمعات السلمية منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي وحتى السابع عشر من يناير الجاري.

كما أشار وكيل النيابة، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن وكلاء النيابة يعتبرون أن الانتهاكات التي جرت ضد المحتجين السلميين، وأدت لسقوط عشرات القتلى والمصابين تعتبر جرائم ضد الانسانية.

اسعاف متظاهر، احتجاجات 13 يناير – الخرطوم

البيان الذي بعث به وكلاء النيابة، موجهاً للشعب السوداني بإعتباره مصدر السلطات، طالب قيادات السلطات الأمنية بوقف الممارسات الإستبدادية الجسيمة، كما دعوا السلطات القائمة برفع حالة الطوارئ فوراً.

ويطالب وكلاء النيابة السلطات القائمة بإخضاع القوات النظامية، التي تتعامل مع المتظاهرين السلميين للرقابة والإشراف الفني والإداري المباشر للنيابة العامة إيفاءً بنصوص قانون الإجراءات الجنائية الساري، سيما المواد 124 وحتى 129، مع تجنب إعاقة عمل النيابة العامة، المتمثل في حماية وحراسة الحقوق الدستورية والحريات العامة.

والثلاثاء بعث أعضاء النيابة العامة، بمذكرة ممهورة بتوقيع العشرات من وكلاء النيابة بدرجاتهم المختلفة، للنائب العام لجمهورية السودان المكلف، تضمنت الدعوة لتشكيل لجنة تحقيق عليا حول كافة الإنتهاكات التي وقعت أثناء فض التجمعات السلمية منذ فجر الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 وحتى تاريخه.

فيما قال مصدر مطلع بالنيابة العامة في حديث مع (عاين): إن وكلاء النيابة هم المعنيون بصيانة الحقوق والحريات، وتقع على عاتقهم مسؤولية قيد الدعاوى الجنائية، تجاه كل من ينتهك الحقوق والحريات، حسب نصوص القانون الجنائي 1991 والقوانين الجنائية الأخرى.

وأوضح المصدر المطلع، أن كلاء النيابة جزء لا يتجزأ من جماهير الشعب السوداني يحملون ذات أشواقهم في وطن ينعم بالتطور والرخاء والأمن والحرية والسلام والعدالة

وأشار إلى أن وكلاء النيابة غير راضين عن رؤية أبناء الوطن يتساقطون بواسطة آلة قمعية لنظام وحشي، ينظر لهم كمهددين لطموحات قادته الشخصية التي لا علاقة بمصالح الشعب.

ولفت المصدر، إلى أن موقف وكلاء النيابة بعث رسالة واضحة لقادة الإنقلاب وللقادة الميدانيين الذين يصدرون أوامر القمع المميت بأنهم ليسوا بمأمن عن المحاسبة، كما أن يد العدالة قادرة على أن تطالهم و أنه لا يوجد مبرر لما يقومون به من إنتهاكات.

خطوات لاحقة 

وأشار إلى أن موقف وكلاء النيابة والقضاة ومستشاري وزارة العدل يعتبر متطابق جهة رفض الإنتهاكات، كلٌ وفق دوره القانوني، فالكل يتفق على مبدأ حرمة وعدم قانونية إهراق دماء المحتجين السلميين، لمجرد ممارسة حق الإحتجاج السلمي الذي أقره الدستور والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

 المصدر شدد، على أنه لن يكون هناك مجالاً للتهاون في انتهاك حرمة الدماء والقمع الوحشي دون مساءلة، مشيراً إلى أن السلطات إذا واصلت القمع على هذا النهج دون احترام للقانون فإن وكلاء النيابة، سينفذون إضراباً وعصياناً مدنياً، مشيراً إلى أنهم ربما يصلون إلى درجة تقديم إستقالات جماعية. وأوضح أن الوكلاء أعلنوا للكافة عدم قابلية تطبيق القانون،  بأمر السلطات العسكرية التي استولت على البلاد دون حق، كما أشاعت التنكيل ضد المواطنين العزل.

“خطوة مهمة” يقول عثمان البصري، عضو “محامو الطوارئ”، تعليقاً على الحراك المناهض للإنتهاكات التي تمت في السودان، بواسطة الأجهزة العدلية، لافتاً إلى أن هذه الأجهزة يُناط بها تحقيق العدالة وحماية المواطنين من القتل خارج القانون وصون حقوقهم الدستورية.

قوات من الجيش تواجه متظاهرين في الخرطوم 13 يناير 2022- عاين

وأشار البصري في حديث مع (عاين) إلى أن للنيابة العامة الولاية الإشرافية على الحق العام لحقوق المواطنين.

ولفت إلى أن هذه الجهود تأتي بالتنسيق مع حراك المحامين، الأمر الذي يعمل على إكمال أزرع العدالة بالوقوف إلى جانب الحراك الثوري وحرية التعبير السلمي مما يفتح الطريق للدولة المدنية وإستعادة المسار الديمراطي.

ورداً على سؤال (عاين) بالنسبة لخطوات وكلاء النيابة المقبلة، يعود المصدر المطلع بالنيابة العامة ويقول: “إن كل الخيارات قيد الدراسة والمشاورة لكنها تنبني في الاساس على طريقة تعامل السلطات القائمة مع المذكرة.”

 وأشار إلى أنه سبق وتقدم وكلاء النيابة في يناير 2019 بمذكرة كان لها الأثر البالغ في وقف الانتهاكات.

وأوضح المصدر، أن توقف وكلاء النيابة يسبب ضررا” بالغا” لأجهزة الدولة لأنها تشرف علي حالات الوفاة وتسليم الجثامين لذويهم، مشيراً إلى أنهم كوكلاء نيابة لا يميلون إلى الإضراب، لافتاً إلى أن لديهم أدوات أخرى للضغط على السلطات القائمة في إيقاف الانتهاكات وإجبارها على احترام القانون، وصولاً إلى الى تقديم استقالات جماعية وترك الخدمه نهائياً رفضاً للأوضاع المزرية في ما يخص تطبيق القانون وإعمال أدوات العدالة.