مجازر الجزيرة تشعل (جوبا) ودعوات للتهدئة
عاين- 18 يناير 2025
تصاعدت التوترات خلال اليومين الماضيين، بين السودان وجنوب السودان على خلفية أحداث عنف متبادلة، وشهدت العاصمة جوبا وعدد من مدن البلاد هجمات على المقيمين السودانيين في البلاد ردا على عمليات تصفية بحق مقيمين جنوب سودانيين نفذها أفراد من الجيش السوداني عقب استرداده عاصمة ولاية الجزيرة ود مدني.
وأظهرت فيديوهات مجموعات مسلحة تابعة للجيش، وهي تقتل مدنيين من جنوب السودان بحجة تعاونهم مع قوات الدعم السريع.
ونتيجة للأحداث الأخيرة، شهدت جوبا موجة من العنف والاعتداءات في مساء الخميس وصباح الجمعة (16 و17) من يناير الجاري استهدفت محلات تجارية وأفرادًا من الجالية السودانية المقيمة في المدينة، وانتقلت الأحداث سريعا في عدد من مدن جنوب السودان؛ مما أدى إلى مقتل سودانيين. الأمر الذي دفع حكومة جنوب السودان بفرض حظر التجول من الساعة السادسة مساء وحتى السادسة مساء.
وقال وزير الخارجية السوداني المكلف، علي يوسف في مقابلة مع (عاين): “إنهم على اتصال دائم بدولة جنوب السودان بعد الأحداث المؤسفة التي وقعت في ود مدني والأحداث التي تعرض لها السودانيون المقيمون في جنوب السودان”. وأكد أن” وزارة الخارجية تعمل مع حكومة جنوب السودان لاحتواء الأزمة بين البلدين، حتى لا تؤثر في مستقبل العلاقات بينهما”.
وزير الخارجية السوداني لـ(عاين): هناك تفاهمات لحفظ حق كل من تعرض لانتهاك
وأشار يوسف، إلى أن “رئيس مجلس السيادة شكل لجنة للتحقيق في الأشخاص الذين ارتكبوا مخالفات في ولاية الجزيرة، مؤكدًا على محاسبتهم أمام العدالة”.
وأضاف: “نتابع ما يحدث في جوبا وعدة مدن في جنوب السودان خلال اليومين الماضيين.. الأمر ما زال قيد المتابعة والجهود مستمرة لاحتواء الأزمة وهناك تفاهمات لحفظ حق كل من تعرض لأي انتهاك”.
وكانت حكومة جنوب السودان استدعت سفير السودان في جوبا، وطالبت الحكومة السودانية بوقف فوري للأعمال العدائية التي تستهدف المدنيين، وتوفير حماية كاملة لمواطنيها، وإجراء تحقيق شفاف ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
وأشعل مواطنون جنوب سودانيون، مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بالرد على أحداث ولاية الجزيرة، انتهت إلى تظاهرات في جوبا وهجمات انتقامية بحق المقيمين السودانيين، وأحرق المتظاهرون محلات تجارية قبل أن تتمدد الأحداث إلى مدن أخرى في جنوب السودان لتشمل ولايات وسط وشمال جنوب السودان، مثل أويل وبور وتونج.
وقال عضو الجالية السودانية في جنوب السودان، محمد عبد الرحيم، في مقابلة مع (عاين): إن “مجموعات غاضبة هاجمت متاجر وممتلكات تعود ملكيتها لسودانيين في عدة مناطق بالمدينة، وسط حالة من التوتر الأمني المتصاعد. وسبقت هذه الهجمات وقفة احتجاجية أمام سفارة السودان في جوبا ومحاولة الاعتداء على دبلوماسي سوداني في أحد فنادق العاصمة”.
وأشار عبد الرحيم إلى أن قوات الشرطة وقوات الحرس الجمهوري المعروفة باسم “تيقر” بدأت، منذ صباح يوم أمس الجمعة، بنقل جميع المواطنين السودانيين الذين يشعرون بالخطر إلى أماكن آمنة، أو إلى مبنى السفارة السودانية تحت حماية الشرطة.
وتأسف الصحافي ورئيس تحرير موقع نيو سايد في جنوب السودان، خميس لوال، على الأحداث التي جرت خلال اليومين الماضيين، وأشار إلى استهداف المدنيين بدعوى تعاونهم مع قوات الدعم السريع أمر مرفوضاً. وتابع في مقابلة مع (عاين): “لا ننكر وجود مواطني جنوب سودانيين بين أطراف الصراع في السودان”.
تهدئة
وعقب الأحداث قادت حكومة جنوب السودان حملات للتهدئة، وحث الرئيس سلفاكير، مواطني جنوب السودان على الهدوء والامتناع من الانتقام. وقال في خطاب تلفزيوني: “من الأهمية بمكان ألا نسمح للغضب والعواطف بأن تتحول ضد الإخوة والأخوات السودانيين.. دعونا نحمي ممتلكاتهم وأعمالهم، فنحن شعب مضياف، ومن واجبنا أن نقدم الحماية والدعم للاجئين السودانيين، دعوهم يجدون الراحة من حولكم، وأن نثق بعمليات السلام والحوار لحل هذه الأزمة بدلاً من أن يأخذ المواطنون الأمور بأيديهم”.
وتابع: “جنوب السودان لا يزال يعتبر السودان وطنه، وعلى نحو مماثل، يعتبر العديد من المواطنين السودانيين جنوب السودان وطنهم. وهذا يرجع إلى تاريخنا المشترك. وبالتالي، فإن حكومة السودان ملزمة بحمايتهم”.
ويشير الرئيس سلفاكير إلى أن هذه الأفعال الوحشية اللاإنسانية ضد المدنيين الأبرياء من جنوب السودان، تثير ذكريات صعبة وحزينة. وتابع: “منذ أن علمت بهذه الفظائع، وجهت وزارة الخارجية للتواصل مع السفارة السودانية في جوبا لتقديم توضيحات، والمطالبة بإجراء تحقيق فوري وشامل في مقتل المدنيين العزل، ومشاركة المنظمات الدولية لحقوق الإنسان لضمان الشفافية في مثل هذا التحقيق”، وحث سلفاكير” الحكومة السودانية على ضمان محاسبة أولئك الذين تثبت إدانتهم بارتكاب هذه الفظائع”.
من جهتها، قالت وزيرة الداخلية بجنوب السودان، أنجلينا تينج، في مؤتمر صحفي بالعاصمة جوبا أمس، أن السودانيين في جوبا لم يرتكبوا أي جرائم في ودمدني، وقطعت بأن حكومتها ستفض أي تجمهر بعد الآن، وقالت: “نقوم حاليا بحصر المحلات التجارية التي تضررت، وحظر التجوال سيستمر إلى حين التأكد من استقرار الأوضاع بشكل كامل”.
من جهتها رحبت وزارة الخارجية السودانية، بخطاب الرئيس سلفاكير ، ودعوته إلى التهدئة وعدم اللجوء إلى العنف ولرد الحقوق عبر السبل المشروعة.
ما حدث في الجزيرة
منذ بدء الحرب في السودان، اتهم كلا الفصيلين المتحاربين المدنيين في الأراضي التي يسيطرون عليها بالتعاون مع أعدائهم، مما يعرض المدنيين لخطر شديد.
ويظهر مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام أحد أفراد القوات الخاصة بالجيش وهو يصرح بأن لديه قائمة بأسماء 6800 فرد داخل ولاية الجزيرة يزعم أنهم متحالفون مع قوات الدعم السريع كمتعاونين. وفي مقطع الفيديو، يهدد الضابط المدنيون أيضًا، محذرًا إياهم من أنه “لن يكون لهم مكان في الولاية” بمجرد استعادة القوات المسلحة السودانية لها.
منذ 11 يناير، حصلت (عاين) على العديد من مقاطع الفيديو التي توثق الفظائع التي ارتكبت في المناطق التي استعادها الجيش، وتحققت منها. ونظرًا للطبيعة الفظيعة لمعظم هذه المقاطع، فقد اخترنا عدم نشرها التزامًا بالمعايير الأخلاقية. ومع ذلك، حللنا اثنين من هذه المقاطع بالتفصيل.
ومن المرجح أن يكون الفيديو الأول قد سُجِّل في 13 يناير عند جسر حنتوب الذي يربط مدينة حنتوب بود مدني عاصمة الولاية. ويظهر في الفيديو ثلاثة جنود يرتدون زي القوات المسلحة السودانية، إلى جانب أفراد مسلحين آخرين يرتدون قمصاناً تحمل شعار لواء البراء بن مالك، وهي جماعة مسلحة إسلامية متحالفة مع الجيش، وهم يعتدون على شاب. ويظهر في الفيديو، وهم يربطون المدني بحبل حول عنقه، ويضربونه، ويأمرونه بمواصلة الركض وإلا واجه الإلقاء من فوق الجسر. وبعد لحظات، ألقوا به في النيل وأطلقوا طلقات نارية في الماء حيث سقط، على ما يبدو لضمان موته.
ويظهر في الفيديو الثاني، الذي صُوِّر في منطقة المنيرة شمال المنطقة الصناعية في ود مدني، عشرات المدنيين، بعضهم يرتدي الملابس السودانية التقليدية وآخرين بملابس مدنية مختلفة، وهم جالسون على الأرض. ويظهر جنود، بعضهم يرتدي زي القوات المسلحة السودانية وآخرين بملابس عسكرية مختلفة، وهم يتحدثون مع بعضهم البعض. ويقول المصور لزميل له: “إذا كنت محترفًا، ضع رصاصة في رؤوسهم”، مبررًا ذلك بقوله إنه لا يريد الاعتراف بأنه من أفراد قوات الدعم السريع. ثم يسأل المدنيين، متسائلاً: “هل هذه وجوه مواطنون؟” في عرض صارخ للخطاب العنصري، خاصة وأن معظم المدنيين ينتمون إلى قبائل سودانية أفريقية. كما يردد بعض الشعارات الإسلامية. وتكشف مقاطع فيديو أخرى حصلت عليها (عاين) عن أدلة مروعة على إعدام المدنيين بدم بارد.