الصراع يعطل حلم تاريخي لصحفيي السودان
26 يونيو 2021
على أكثر من جبهة يعمل الصحفيين في السودان مؤخرا لإستعادة الجسم النقابي الذي غاب طوال سنوات حكم الرئيس المخلوع عمر البشير بعد أعلان انقلاب 30 يونيو 1989، في بيانه الأول، إلغاء قانون النقابات وحل كل النقابات والاتحادات، ومصادرة أموالها ودورها وممتلكاتها.
لم يكن طريق الصحفيين السودانيين بعد اطاحة ثورة شعبية بنظام الرئيس البشير في أبريل من العام 2019، ممهدا لإستعادة النقابة، وسرعان ما دبت خلافات بين المجموعات والأجسام الصحفية المحسوبة على قوى الثورة.
“يعود تاريخ الخلاف الحديث بين الصحفيين السودانيين إلى مايو من العام 2019، بعد أن دعت مجموعة من الصحفيين بعقد اجتماعا مثَّل انشقاقا داخل شبكة الصحفيين السودانيين الجسم الذي كان لسنوات يمثل أغلب الصحفيين بموازاة اتحاد الصحفيين السودانيين المساند لسطلة النظام المخلوع“. |
عودة للوراء
يعود تاريخ الخلاف الحديث بين الصحفيين السودانيين إلى مايو من العام 2019، بعد أن دعت مجموعة من الصحفيين بعقد اجتماعا مثَّل انشقاقا داخل شبكة الصحفيين السودانيين الجسم الذي كان لسنوات يمثل أغلب الصحفيين بموازاة اتحاد الصحفيين السودانيين المساند لسطلة النظام المخلوع.
ونادى وقتها الصحفيون الذين خرجوا عن الشبكة وهم أعضاء سابقين بها بعقد الجمعية العمومية لشبكة الصحفيين وتوسيع سكرتاريتها ، الأمر الذي اعتبرته سكرتارية الشبكة غير ممكنا في ذاك التوقيت بالنظر إلى تمثيلها في تجمع المهنيين السودانيين قائد الاحتجاجات الشعبية ضد نظام البشير وما يترتب عليه من مخاطر أمنية لعقد اجتماع عام في ذلك التوقيت الذي صاحبته قبضة أمنية.
انخرطت مجموعة من الصحفيين في العمل تحت راية اللجنة التمهيدية لاستعادة نقابة الصحفيين، قبل ان تنشق عنها مجموعة أخرى سمت نفسها منصة التأسيس لنقابة الصحفيين السودانيين، وذلك بعد مبادرة توحيد الوسط الصحفي التي قادها عميد الصحفيين السودانيين محجوب محمد صالح بجمع كل الأجسام المتصارعة والتوافق على لجنة تمهيدية.
“الصراع بين الأجسام الصحفية استنفد أغراضه وأخذ وقتًا أكثر مما يجب“.
أيمن سنجراب |
أفضت مبادرة توحيد الوسط الصحفي إلى تشكيل اللجنة التمهيدية لنقابة الصحفيين السودانيين بتوافق 7 اجسام صحفية هي “نقابة الصحفيين السودانيين الشرعية 1989، وشبكة الصحفيين السودانيين، واللجنة التمهيدية لاستعادة نقابة الصحفيين، وكيان الصحفيات السودانيات، وشبكة إعلاميات السودان، وصحفيون وصحفيات لأجل حقوق الإنسان “جهر”، ورابطة صحفيي وإعلاميي دارفور”، قبل أن تخرج عنها لجنة استعادة نقابة الصحفيين بجهة خلافات حول تأسيس النقابة وتشكيل لجنة تسييرية لاتحاد الصحفيين المحلول بواسطة لجنة ازالة تفكيك التمكين المعنية بأمر الاتحادات النقابية في البلاد، الأمر الذي رفضته الأجسام المكونة للجنة التمهيدية وعدّت الذهاب في هذا الاتجاه يقدح في عدم استقلالية العمل النقابي.
تباعد وانقسام
تشكيل لجنة تسييرية لاتحاد الصحفيين السودانيين المحلول مثّل نقطة الخلاف الجوهرية بين المجموعات الصحفية. وبين مؤيد تشكيل لجنة تسييرية للاتحاد ومعارض من مبدأ الابتعاد بالعمل النقابي من كنف السلطة والذهاب إلى تأسيس نقابة حرة ومستقلة تدافع عن حقوق الصحفيين تباعدت الشقة بين الأطراف.
عامل آخر زاد من حدة الانقسامات في الوسط الصحفي يشير إليه السكرتير العام للجنة التمهيدية لنقابة الصحفيين عمرو شعبان، مرده انعكاس الأزمة بين الأجسام السياسية التي تمثل قوى الثورة، وإن تلك الصراعات تعرضت لتشويش وضغط سياسي أبعدها عن المسار النقابي.
“النقابات يتم تكوينها من القواعد والحكومات ليست معنية بتكوين النقابات واللجنة التمهيدية غير معنية باتحاد الصحفيين“..
عمرو شعبان |
ويقول شعبان لـ(عاين)، ” أن اللجنة التمهيدية منذ تشكيلها تسعى فقط لتأسيس نقابة للصحفيين بعيدًا عن الاتحاد العام للصحفيين المحلول”، وأضاف أن “السعي للاتحاد يتطلب إجازة لجنته التسييرية من لجنة تفكيك التمكين”، ووصف ذلك بأنه سيكون تكوين حكومي للنقابة الأمر الذي يرفضونه تماماً، وزاد : “النقابات يتم تكوينها من القواعد والحكومات ليست معنية بتكوين النقابات”.
لماذا الاتحاد؟
وعلى نقيض مسار اللجنة التمهيدية التي يتحدث شعبان باسمها، يقول عضو لجنة استعادة نقابة الصحفيين، علي الدالي لـ(عاين)، “إنهم ماضون في طريق تكوين لجنة تسييرية لاتحاد الصحفيين بغرض استلام أصوله وإرجاع حقوق الصحفيين التي سلبها الاتحاد المحلول”.ويبرر الدالي، موقف لجنة بإن المجتمع الدولي ما زال معترفا باتحاد الصحفيين السودانيين المحلول ويتعامل معه كنقابة شرعية.
“موقفنا من اتحاد الصحفيين المحلول وتشكيل لجنة تسييرية له اضطرنا للانسحاب من اللجنة التمهيدية لنقابة الصحفيين وبالتالي مبادرة توحيد الوسط الصحفي” يقول علي الدالي مع العودة للتاكيد على ضرورة وحدة الصحفيين وتكاتفهم لتكوين نقابة، منوهًا، إلى أن ما يحدث الآن السبب فيه الصحفيون المتصارعين أنفسهم.
“لا مانع من تكوين أكثر من نقابة في حال تعثرت الحلول بين الأجسام المتصارعة“.
منصة التأسيس لنقابة الصحفيين |
ويؤكد عضو لجنة استعادة نقابة الصحفيين، أن الخطوات التي اتخذوها في طريق النقابة متقاربة مع خطوات اللجنة التمهيدية لنقابة الصحفيين في وضع مسودة نظام أساسي ومسودة قانون لنقابة الصحفيين، ووصف ذلك بـ”إشارة جيدة لامكانية توحد الأجسام المتصارعة في طريق النقابة”، مشددا على رغبتهم في المواصلة في طريق استراد أصول اتحاد الصحفيين وفتح بلاغات في الفاسدين الذين نهبوا أموال وحقوق الصحفيين.
ويعود السكرتير العام للجنة التمهيدية لنقابة الصحفيين، عمرو شعبان في حديثه، إلى أن أصول وممتلكات الاتحاد المحلول ملك للصحفيين ومن المفترض أن تعود لهم. وقال شعبان، إن “النقابة التي يكونها الصحفيين لها الحق لاحقًا في المطالبة باسترداد تلك الأصول وعودتها لأصحاب المصلحة الحقيقية”.
ولفت السكرتير العام للجنة التمهيدية لنقابة الصحفيين، أن الخطوة القادمة هي فتح ملف السجل الصحفي بالتوافق مع الأجسام الصحفية ومن ثم الدعوة لجمعية عمومية يتم فيها انتخاب نقابة تؤسس لوجود نقابة صحفيين مستقلة ودائمة للدفاع عن حقوقهم المهضومة. ويقول إن اللجنة عبر لجانها المختصة، انهت كتابة مسودة النظام الأساسي وفورمات السجل الصحفي وتتجه الآن لتشكيل لجنة قومية للسجل تضم عددًا من الصحفيين المشهود لهم بالنزاهة والحياد في الصراع الدائر بين المكونات.
تعدد نقابي
في الوقت الذي يحذر فيه عضو لجنة استعادة نقابة الصحفيين علي الدالي، من خطورة تكوين أكثر نقابة للصحفيين، ترحب عضوة منصة التأسيس لنقابة الصحفيين، نادية محمد علي، بتكوين أكثر من نقابة للصحفيين في حال تعثرت الحلول بين الأجسام المتصارعة. ويقول الدالي، أن عدد الصحفيين الحاليين لا يتجاوز ال700 صحفي، الأمر الذي قال إنه لا يحتاج لأكثر من نقابة، بل نقابة موحدة ومستقلة للدفاع عن حقوق الصحفيين. بينما تقول نادية محمد علي، لـ(عاين)، إن “قانون النقابات الجديد يدعم التعدد النقابي بمراعاته للتغيرات التي طرأت في المجتمع السوداني بامتهان الشخص لأكثر من مهنة ودعم وجود أكثر من نقابة في الوسط المهني الواحد”.
وتشير نادية، إلى أن اختلاف منصة التأسيس مع بقية الأجسام الصحفية يكمن في أن النقابة يتم تكوينها أفقيا من القواعد وليس عبر الأجسام الفوقية التي تمثل الصحفيين، ولم تستبعد وجود توافق بين الاتجاهات المختلفة في تكوين النقابة مشترطة في ذلك البعد عن الأجندة التي لا تخدم مهنة الصحافة. ونوهت إلى إن منصة التأسيس ترتب لبناء نقابة حرة مستقلة بعيدا عن الأجندة الحزبية، فيما أكدت رفضها للتعامل مع اللجنة التمهيدية لنقابة الصحفيين طعنهم في طريقة تكوينها.
لا جدوى من الصراع
“الصراع بين الأجسام الصحفية استنفد أغراضه وأخذ وقتًا أكثر مما يجب”، يقول عضو مبادرة توحيد الوسط الصحفي، أيمن سنجراب لـ(عاين)، ويشير إلى أن الوسط الصحفي يمر بمرحلة صعبة تهدد وجود مهنة الصحافة في ذاتها.
“الصراع بين الأجسام الصحفية استنفد أغراضه وأخذ وقتًا أكثر مما يجب”، يقول عضو مبادرة توحيد الوسط الصحفي“.
أيمن سنجراب |
ويشدد سنجراب، على ضرورة إيجاد المجموعات المتصارعة طرق مهنية لإدارة الصراع والعبور به وصولا إلى نقابة موحدة ومستقلة تعبر عن الصحفيين وتعكس معاناتهم.، مشيرًا إلى “المجازر” التي تمت بحق صحافيات وصحفيين بالفصل التعسفي والحقوق المهضومة من الناشرين، وشدد على ضرورة الالتزام بوحدة النقابة باستصحاب المجهودات التي تمت في هذا الطريق من مسودات نظام أساسي وقانون نقابة الصحفيين ومجهودات تنقيح السجل ووضع سجل جديد للصحفيين الحقيقيين.
مآسي الصحفيين
ويأسف الكاتب والصحافي المستقل، حيدر المكاشفي إلى أن صراع الأجسام الصحفية يتعدى أثره السالب المهنة إلى القضايا الوطنية الكبيرة التي يفترض وجود الصحافة والصحفيين في تغطيتها وعرضها للرأي العام. ويشير المكاشفي في مقابلة مع (عاين)، إلى أن الصحفيين يعيشون مأساة غياب النقابة التي تدافع عن حقوقهم ولذلك هم أكثر الناس معرفة بضرورة عودتها للدفاع عنهم.
ويضيف: إن “تأسيس النقابة في الأصل يعود لعمل فني محض يتم فيه وضع النظام الأساسي وتنقيح السجل وغيرها من الخطوات التي لا يجب الاختلاف حولها أبدًأ، وزاد: “دعونا أولا نتفق على تأسيس الجسم النقابي ثم بعد ذلك نختلف ونتصارع في من يتسيد ذلك المنبر”.
ويدعو حيدر المكاشفي الأجسام الصحفية إلى التحلي بالمسؤولية والحرص على مهنة الصحافة بنبذ الخلافات غير الموضوعية والتوحد حول هدف النقابة بالاستجابة للمبادرات الداعية لرأب الصدع وإزالة الفجوة والشقاق بين الأجسام الممثلة للصحفيين.