“لسعات حارقة”.. حشرة تثير القلق بعدد من بلدات السودان
عاين- 12 يوليو 2025
تغزو حشرة صغيرة، تُعرف بـ “الزرناخة” عدة ولايات سودانية، مخلفة وراءها لسعات حارقة وآثاراً جلدية مقلقة على أجساد المواطنين. ويثير تفشي هذه الحشرة وغموض انتشارها بشكل واسع هذه الأيام القلق وسط المواطنين.
وبينما يتزايد عدد المصابين، وتتنوع أعراض اللسعات من تورمات شديدة إلى حروق مؤلمة، يبرز غياب شبه تام للتوعية الرسمية أو التدخل الفعال للحد من هذا الانتشار في ظل التدهور الذي يشهده القطاع الصحي في السودان؛ بسبب الحرب الجارية في البلاد.
في مدينة الضعين بولاية شرق دارفور، يروي أحمد الطيب الحاج تجربته المؤلمة في خريف 2023، حين تعرض للسعة في يده أدت إلى تورم شديد وإفرازات، وهو ما وصفه بـ تفاعل التهابي عنيف لم يتعرض له من قبل، مشيراً في مقابلة مع (عاين)، إلى أن سكان المنطقة أكدوا له أن الحشرة تظهر عادة في موسم الخريف.
وفي بلدة السميح، محلية الرهد بشمال كردفان، تعرض عبد الله حريكة للسعة هذه الحشرة للمرة الأولى، بينما أشار بعض السكان المحليين إلى أنها مألوفة لديهم. يقول عبد الله: لـ(عاين):”بعد أن قصدت المستشفى، وصف لي الطبيب مضاداً حيوياً ساعد على تخفيف التورم، وما زلت أستخدم الفازلين على آثار الإصابة.” ورغم تحسن حالته، أعرب عن أسفه على غياب حملات التوعية، واصفاً الإصابة بأنها “تشبه الطفح الجلدي”.
أما في كادقلي بجنوب كردفان، تتعدد الروايات عن لسعات مؤلمة، تورم ملحوظ، وآثار تدوم طويلاً، مع شعور متزايد بالقلق. قال آدم هارون لـ(عاين) واصفاً الحشرة بأنها “صغيرة الحجم، تجمع في مظهرها بين الصرصور والدبور، وتتمكن من دخول البيوت بسهولة”. ويتابع: “تبدأ الأعراض باحمرار، يليه تورم وحكة وألم، وقد تترك بقعاً داكنة على الجلد”. وأشار آدم إلى أن البعض لجأ إلى الوصفات الشعبية، بينما لم تكن المراكز الصحية “مهيّأة للتعامل مع هذه الظاهرة الجديدة”.
وفي مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، ظهرت هذه الحشرة مع بداية موسم الخريف، مسببة ذعراً واسعاً. ويروي الترمذي السماني أحد سكان المدينة، تجربته، مؤكداً تعرضه للسعة أثناء النوم؛ بسبب عدم استخدامه للناموسية، وأنه لم يستعمل أي علاج سوى انتظار اختفاء الآثار، مشيراً إلى غياب حملات التوعية الرسمية. لكن قصة أمل محمد التي تقطن المنطقة نفسها، كانت أكثر قسوة، حيث تعرضت للسعة في شفتها السفلية امتدت إلى الذقن، واصفة الألم “كأنه ماء نار سُكب على وجهي”، ومؤكدة انتشار الإصابات بين جميع أفراد أسرتها والجيران. وأشارت المساعدة الطبية في المنطقة “منى” التي تعمل بالمستشفى التعليمي بالأبيض إلى استقبال سبعة مرضى مصابين باحمرار داخل العين وطفح جلدي حول العيون والجسم في يوم واحد، محذرة بضرورة النوم داخل الناموسيات.
الحشرة الغامضة
في مدينة ود بندة بغرب كردفان، يواجه المركز الصحي المحلي ظاهرة مقلقة تتمثل في تزايد الإصابات الناجمة عن “حشرة غامضة”، كما وصفها الطبيب العام هناك، وباتت لسعتها جزءً من المشهد اليومي. الطبيب خالد محمد عبد الله، الطبيب، يؤكد أن الظاهرة أصبحت مألوفة لديهم، مشيراً إلى أنه شخصياً تعرض للإصابة. ويوضح في مقابلة مع (عاين)، أن الحشرة، التي لم يتمكن أحد من رؤيتها بشكل مباشر بعد، تنشط ليلاً وتصيب جميع الفئات العمرية، خاصة مستخدمي الهواتف المحمولة ليلاً والأطفال الذين ينامون دون غطاء كافٍ.
الغريب بهذه اللسعات، بحسب الطبيب خالد، هو أن الضحية لا يشعر بها لحظة لسعتها، بل يستيقظ صباحاً على إحساس بالألم والحرقان في موضع الإصابة. وعلى عكس لسعات “الفسّاية” المعروفة لديهم، لا تظهر فقاعات مائية، بل يقتصر الأمر على احمرار وتورم بسيط، يميل لونه أحياناً إلى الاصفرار المخضر، مما يدفع الطبيب للاعتقاد بأنهم أمام نوع جديد من الحشرات.
وبحسب الطبيب خالد- تتراوح فترة التعافي من ثلاثة إلى خمسة أيام زوال الأعراض الأولية، بينما يستغرق الشفاء الكامل من أسبوع إلى عشرة أيام. وينصح خالد، باستخدام كريمات المضاد الحيوي مثل “Fusiderm” أو مضادات الهيستامين الموضعية مثل “Calamine lotion” في الحالات ذات المساحة الكبيرة، مشيراً إلى أن الأعراض تختلف حسب مكان الإصابة وكمية المادة التي تفرزها الحشرة.
تزداد خطورة الحساسية حين تكون الإصابة في مناطق حساسة مثل العينين، الأذنين، الأنف، الشفاه، أو الأعضاء التناسلية، خاصةً لأولئك الذين ينامون دون غطاء أو حماية كافية. ورغم أن المركز الصحي لم يسجل مضاعفات خطيرة حتى الآن، ويحذر الطبيب خالد، من احتمالية تعرض الجروح للتسلخ والعدوى، لا سيما لدى النساء اللاتي يستخدمن كريمات تفتيح البشرة غير الموثوقة أو حبوب السمنة، وكذلك الأطفال الرضع.
في حال الاشتباه بالإصابة، يرى الطبيب خالد أن غسل المنطقة جيداً بالماء والصابون يُعد إجراءً كافياً في معظم الحالات، باستثناء تلك التي تصيب المناطق الحساسة، والتي تتطلب تدخلاً طبياً مباشراً. يؤكد الطبيب أن الوضع لا يستدعي الذعر، ولكنه يتطلب وعياً مجتمعياً أوسع، ويدعو إلى إطلاق حملات توعية شاملة، مشيراً إلى أن غياب التوعية هو التحدي الأكبر في مواجهة هذه الظاهرة الآخذة في الانتشار.
خنافس سامة
على الرغم من هذا الانتشار والآثار المؤلمة، لا تزال الجهات الرسمية غائبة عن المشهد، بينما تستغل هذه الحشرات نوم الأهالي دون وقاية تواصل انتشارها وتكاثرها. يشير أخصائي في الصحة العامة والوبائيات، إلى ظهور مشكلة أخرى يصفها بـ “المقلقة” ومتمثلة في التزايد الهائل لأعداد حشرة “خنفس الروفر” (Rove beetle)، أو علمياً Paederus، وينوه الأخصائي – الذي يعمل في هيئة حكومية وغير مخول له التصريح لوسائل الإعلام- إلى أن الخطورة تكمن في المادة الكيميائية الحارقة التي تفرزها هذه الحشرة، والتي تتسبب في حروق جلدية مؤلمة. وأشار إلى أن هذا التأثير يختلف عن ذلك الذي تسببه حشرة “الزناخة”، نظراً لاختلاف طبيعة المواد التي تطلقها كل منهما.
وفي ضوء هذا التفاقم غير المسبوق، ينوه، إلى الحاجة الملحة لإجراء دراسة بحثية متعمقة لفهم أسباب هذا التكاثر الكثيف الذي وصل إلى حد الوباء. وأوضح أنه لا يمكن تقديم تفسيرات دقيقة في الوقت الراهن، وأن أي محاولة للتفسير ستبقى في إطار التنظير العلمي ما لم تُجرَ دراسات ميدانية وتُجمع عينات من الحشرة وتحليلها، داعيا إلى ضرورة تحديد سبل الوقاية والعلاج الفعالة لمواجهة هذا التهديد الصحي المتزايد.