مسارات صعبة لوصول الغذاء إلى جوعى حرب السودان
عاين- 23 نوفمبر 2023
بعد رحلة نزوح بدأتها من منطقة كريندق في ولاية غرب دارفور، تنقلت خلالها بين سبعة مخيمات إيواء في الجنينة واردمتا وصلت “خميسة مرجان” مؤخرًا إلى معسكرات اللاجئين بمنطقة أدري التشادية هربا من القتال الدائر بالولاية. تتلقى خميسة مواد غذائية من منظمات الإغاثة الدولية العاملة في المنطقة، لكنها تقول لـ(عاين) من مخيم أدري للاجئين السودانيين في تشاد، إن “ما تتلقاه شهريًا لا يفي حاجة أسرتها الصغيرة”.
بينما وجدت “الشفاء آدم حمد” التي تعول وحدها 9 من الأطفال الصغار خمسة هم أبناؤها من زوجها المفقود منذ اندلاع الحرب في السودان، و4 أطفال هم أبناء شقيقتها التي قتلت بمنزلها في المعارك التي دارت بمدينة الجنينة.
تتلقى “الشفاء” شهريًا جوال من الذرة وكورة من اللوبيا وباقة من زيت الطهو وقليل من العدس. تقول آدم في مقابلة مع عاين بمخيم أدري للنازحين السودانيين أنها تلجأ إلى القيام بأي عمل يتوفر أمامها حتى تتمكن من تغطية احتياجاتها مع الأطفال التسعة الصغار. وتضيف: “صحيح تقدم لنا مساعدات، لكنها لا تكفي لشهر كامل”.ووضعت الحرب التي اندلعت في الخامس عشر من أبريل الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أكثر من 20.3 مليون شخص، أو أكثر من 42 في المائة من سكّان البلاد، أمام مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد لاسيما المناطق التي تحتدم فيها الاشتباكات؛ خصوصاً في دارفور والخرطوم وجنوب كردفان وغرب كردفان- وفقا لما ذكرته تقارير منظمات أممية.
بالمقابل، تعتزم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة تصميم حزمة مقترحات لوضعها أمام الدول الميسرة لاتفاق جدة الإنساني والطرفين المتحاربين في السودان على خلفية موافقتهما في منبر جدة بالمملكة العربية السعودية على السماح بالعمل الإنساني في مناطق سيطرة كل طرف.
في التاسع من نوفمبر الجاري وقع الجيش والدعم السريع بعد ضغوط هائلة مارسها الميسرون الأميركيون والسعوديون والأفارقة على اتفاقية المسار الإنساني بالسماح للمنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة بالعمل في المناطق الساخنة في السودان والتي تشهد حربا منذ سبعة أشهر بين الجيش والدعم السريع.
الأولوية للضمانات
وحسب مقترحات التي دفعت بها الأمم المتحدة وفق لبعض التفاصيل التي حصلت عليها (عاين) فأن العملية تشمل تحديد ممرات آمنة في المناطق الساخنة مثل اقليم دارفور وولايات كردفان والعاصمة السودانية، وإيقاف الاشتباكات المسلحة بين الطرفين المتحاربين أثناء عمليات التوزيع التي تحدد بالساعات والتاريخ حسب تواصل الميسرين مع كل طرف.
كما تشمل المقترحات أسماء المنظمات ووكالات الأمم المتحدة وتحديد عدد العاملين في المجال الإنساني سواء منظمات وطنية أو دولية أو تابعة إلى الأمم المتحدة مع تحميل أي طرف عسكري مسؤولية وسلامة العاملين كل في منطقة سيطرته أثناء توزيع الإغاثة.
وكانت ناكويتا سلامي المنسق الإنساني في مكتب الأمم المتحدة بالسودان قالت في وقت سابق، إن “اتفاق المسار الإنساني الموقع بين الجيش والدعم السريع في منبر جدة ستكون أولويته حماية المدنيين والوصول إليهم وضرورة تقديم الطرفين المتصارعين ضمانات قوية لتنفيذ العملية”.
هدنة مقترحة
يقول مسؤول في فريق مشترك للأمم المتحدة لتقييم الاحتياجات الإنسانية في السودان إن الاتفاق الذي وقعه الجيش والدعم السريع برعاية الميسرين السعوديين والأمريكيين والأفارقة خطوة جيدة لكن الاتفاق ليس كل شئ “نحن لا يمكننا إرسال عامل إغاثة وشحنات تحمل المساعدات إلى مناطق ساخنة في ظل استمرار الاشتباكات المسلحة حتى هذه اللحظة ونحن نعلم مسبقا كيف أن الصراع دفع ثمنه 20 عاملا في المجال الإنساني خلال سبعة أشهر”.
وأردف المسؤول مشترطا عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام: “تقدمنا بمقترح لوقف إطلاق النار أثناء توزيع الاغاثة او تحديد ممرات آمنة بمعزل عن البؤر الساخنة لدى الطرفين وننتظر ردا من الميسرين الأميركيين والسعوديين والأفارقة ربما يتبلور الاتفاق إلى هدنة ساعات لفترات قصيرة لاتاحة إيصال الاغاثة إلى المتضررين والعالقين بين خطوط النار”.
ويُقدر أعداد المتضررين بالنزاع المسلح في السودان بـ 25 مليون شخص من جملة 49 مليون شخص هم عدد سكان البلاد من بين المتأثرين أكثر من 6 ملايين شخص عالقون في مناطق النزاع بالعاصمة السودانية، وشمال كردفان وجنوب كردفان وخمسة ولايات في إقليم دارفور.
وتثير هيمنة قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من إقليم دارفور مخاوف العاملين في المجال الإنساني من عدم وجود “التزام جدي” بشأن تطبيق اتفاق المسار الإنساني على الأرض خاصة وأن هذه القوات لديها تحالفات مع مليشيات ذات طابع قبلي.
ويقول المستشار السابق في منظمة دولية عملت في إقليم دارفور ، علي الحاج عبد الرحمن، في مقابلة مع (عاين) إن تحديد منطقة توزيع المساعدات الإنسانية لا يعني أن الوضع سيكون ملائما سيما في إقليم دارفور وأنا هنا أطرح سؤالا مع من ستعمل المنظمات الإنسانية هل مع الطرف العسكري المسيطر على الأرض وهذا صعب جدا أم مع النظام السابق مثل مفوضية العون الإنساني؟ والتي لا تحظى باعتراف الجنرال دقلو”.
وأضاف عبد الرحمن: “بعض المنظمات بدأت فعليا في توزيع المساعدات في منطقة في غرب دارفور وهي منظمة المجلس النرويجي لكن لا أدري كيف تم التنسيق في ظل الصراع المحتدم هناك لكن ربما اضطرت للدخول بضغوط منها”.
كما يطرح عبد الرحمن تحديات أخرى في مجال توزيع الإغاثة في الولايات التي تقع تحت سيطرة الجيش خاصة في ولايات الشمالية ونهر النيل وكسلا والقضارف والجزيرة والنيل الأبيض.
ويرى علي الحاج، أن المشكلة الأساسية في المساعدات الإنسانية ليست الممرات الآمنة فقط بل عدم توفر رغبة لدى الطرفين المتصارعين في تمرير المساعدات لأنهما يتقاتلان بلا هوادة فوق رؤوس المدنين ومن يرتكب هذه الانتهاكات بالتأكيد لن يكترث بتوزيع المساعدات الإنسانية بل لا توجد ضمانات حقيقية أن الأطراف المتحاربة قد تٌصادر الشحنات الإنسانية تحت تهديد السلاح.
يقول مسؤول برنامج الغذاء العالمي في المكتب الفيدرالي بولاية الجزيرة وسط السودان كارم عبد الله في حديث لـ(عاين) إن “التفاصيل الخاصة بتنفيذ اتفاق المساعدات الانسانية بين الجيش والدعم السريع والموقع في منبر جدة في التاسع من نوفمبر الجاري لا تزال في طور النقاشات لم تصل إلينا التفاصيل الخاصة بالعملية”.
ويرى عبد الله، أن عملية توزيع المساعدات لا يمكن أن تبدأ دون الحصول على ضمانات لوقف إطلاق النار لأن هذه من المسائل المهمة التي ستخضع للنقاشات في الغالب حال الإقدام على إطلاق هذه الخطة.
وأردف : “نفذت عملية شبيهة بهذا الاتفاق في جنوب السودان وهي عملية شريان الحياة بين الحكومة السودانية في تسعينات القرن الماضي مع الحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرنق وحدث وقف إطلاق النار للسماح بدخول الإغاثة”.
ويقول عبد الله إن الدول التي يسرت الاتفاق الإنساني بين الجيش والدعم السريع ربما تنخرط في تفاهمات متقدمة لمراقبة هذه العملية ورصد الخروقات التي ترتكب أثناء تنفيذها.
وأردف : “في هذه العملية تتكون الأطراف عادة من الطرفين المتحاربين والدول الميسرة للاتفاق والأمم المتحدة وتتفق هذه الأطراف على تكوين آلية لتنفيذها على الأرض”.
العصابات.. طرف ثالث
“تنفيذ الاتفاق الإنساني الموقع في جدة في التاسع من نوفمبر الجاري بين الجيش والدعم السريع رهين بوقف إطلاق النار”. يقول الصحفي المهتم بشؤون دارفور عيسى دفع الله لـ(عاين). ويضيف: أن “المشكلة الرئيسية في مناطق كردفان وحتى العاصمة السودانية وإقليم دارفور وجنوب كردفان باعتبارها البؤر الساخنة حيث ملايين المدنيين العالقين في تلك المناطق هي انتشار العصابات المسلحة التي تفرض الأموال على الشحنات التي تخص المواطنين في شمال كردفان .. يحدث ذلك بإستمرار”.
وقال دفع الله: إن “قافلة إنسانية تتكون من 17 شاحنة غادرت بورتسودان في شهر سبتمبر الماضي ووصلت إلى إقليم دارفور وهي تقلصت إلى 10 شحنات لقد صودرت 7 شاحنات في الطريق ما بين كردفان وولايات كردفان بواسطة عصابات النهب”.
وتابع : “كانت القوات المشتركة الموقعة على اتفاق جوبا تقوم بحراسة القوافل الإنسانية ومع ذلك تعرضت للمصادرة في الطرق من خلال البوابات التي أقامها المسلحون والعصابات في كردفان ودارفور وتخوم النيل الأبيض”.
مخاوف انهيار الاتفاق
وتعمل منظمات أطباء بلا حدود ومفوضية شؤون اللاجئين ومنظمة إنقاذ الطفولة ضمن أكبر منظمات عاملة في السودان سيما في المناطق الملتهبة جراء الصراع المسلح بين الجيش والدعم السريع وتشكو من قيود على الحركة وتعريض حياة العاملين إلى الخطر.
ومنذ شهرين تمنع السلطات في مناطق سيطرة الجيش نقل الإمدادات الصحية الخاصة بالمستشفيات بواسطة منظمة أطباء بلا حدود إلى مناطق خاضعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع يحث يقيم ملايين المدنيين.
ويقول أحمد عثمان العامل السابق في منظمة سويدية لـ(عاين) إن “اتفاق المسار الإنساني الموقع في جدة بين الجيش والدعم السريع برعاية الوسطاء الأمريكيين والسعوديين والأفارقة في التاسع من نوفمبر الجاري جاء لحفظ ماء الوجه ولا ينم عن رغبة الطرفين في غوث المدنيين لأننا ببساطة شاهدنا مؤخرا كيف أن السلطات الأمنية قامت بإخلاء مركز إيواء النازحين بمدينة القضارف شرق السودان وشردت ألف شخص”.
وقال عثمان: إن “الطرفين المتحاربين يتخذون من ملايين المدنيين كل في طرف منطقة سيطرته دروعا بشرية ولا يكترثان بالموت والدمار بالتالي لن يكترثا بتوزيع المساعدات دون ضغوط غربية لم تمارس عليهما منذ سبعة أشهر والحصيلة كانت موت ستة آلاف مدني حسب إحصائيات الأمم المتحدة”.
ويعتقد عثمان، أن الوسطاء الأمريكيون والسعوديون إذا منحوا الأولوية لحماية المدنيين أثناء النزاع المسلح في السودان يمكن إحراز تقدم حتى في الملفات الأخرى وحسب مجريات الوضع لم يمنح المجتمع الدولي الأولوية لحماية المدنيين في السودان أثناء حرب الجيش والدعم السريع “الأكثر فوضوية في أفريقيا والشرق الأوسط”.
وزاد بالقول: “لقد كان تقرير الأمم المتحدة الخميس الماضي، بشأن مقتل 258 من المدنيين على خلفية الغارات الجوية التي نفذها الجيش أمر صادما ومؤلما وأخفت الأمم المتحدة هذه المعلومات ونشرتها عندما تعرضت إلى ضغوط سودانية بإنهاء اتفاق المقر لبعثة اليونيتاميس”.
ولم يقرر الجيش والدعم السريع بعد بشأن المراكز الرئيسية لشحن الإغاثة إلى المناطق الساخنة وتعتبر مدينة بورتسودان شرق البلاد والخاضعة تحت سيطرة القوات السودانية المسلحة مركزا رئيسيا لوكالات الأمم المتحدة والمطار الرئيسي الذي يستقبل شحنات الإغاثة منذ بداية الحرب قبل سبعة أشهر.
إبعاد الطرفين المتحاربين
وقال مسؤول سابق في مفوضية العون الإنساني تحدث لـ(عاين) إن الخلاف بين الطرفين سيكون على مقر العمل اللوجستي لانطلاق العمليات الإنسانية بين بورتسودان و ربما تتمسك الدعم السريع بالحدود التشادية أو أفريقيا الوسطى.
وزاد قائلا: “أعتقد أن الحل المقبول هو إشراف الدول الميسرة على العملية مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والوطنية مع وضع الجيش والدعم السريع بعيدا عن العملية واقتصار دورهما على المسؤولية المتعلقة بالحماية فقط”.
ويرى المسؤول السابق في مفوضية العون الإنساني بالخرطوم أن اتفاق المسار الإنساني في جدة جاء ناقصا ولم يكشف عن التفاصيل المهمة والتوقيت الزمني وترك الأمر إلى عملية بناء ثقة بين الطرفين”. وتابع:”من الصعب تنفيذ المسار الإنساني في ظل عدم تحلي الطرفين بالمسؤولية اللازمة تجاه المدنيين”.