جنود الجيش والدعم السريع.. مخاطر التأثر بخطاب إعلامي عدائي

9 مارس 2023

على وقع التوترات بين قادة الجيش والدعم السريع، ترتفع وتيرة المخاوف وسط السودانيين من تأثير الخطاب الإعلامي المشحون وذو الطابع العدائي على أفراد وجنود القوتين المسلحتين وفي البال حوادث سابقة ومتفرقة لمواجهات بين القوتين خاصة في مناطق النزاعات.

ومع تصاعد دعوات التهدئة ووقف التصعيد الإعلامي بين الجيش والدعم السريع،  ينتاب الخوف السودانيين لاسيما سكان إقليم دارفور لجهة ما دفعوه من أثمان باهظة في المواجهات التي حدثت بين الدعم السريع والحركات المسلحة في غرب وشمال جنوب دارفور.

 ويعود الباحث في قضايا السلام والتنمية، حاتم عبد الله الفاضل، إلى تاريخ مواجهات قريبة وان كانت غير معلنة بين الطرفين، ويقول لـ(عاين)، في يناير 2021، حدثت اشتباكات في حي النسيم بمدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور بين الجيش ومسلحين، يُعتقد أنهم يتبعون للدعم السريع، وأسفرت الأحداث عن وقوع وفيات وإصابات.

وتعود تفاصيل الحادثة وفقاً لـ الفاضل- إلى اعتراض قوة عسكرية موكب قائد الفرقة الخامسة عشر مشاة بالجيش، والذي كان يتحرك من رئاسة الفرقة نحو مدينة الجنينة. كما أشار إلى رصدهم لمواجهات مسلحة، في أحداث كرينك الأولى ديسمبر 2021 بين قوات الجيش ومسلحين، بينهم عناصر تتبع للدعم السريع، كما أظهرت الصور والفيديوهات المتداولة آنذاك.

“وفي أحداث متفرقة بإقليم دارفور فإن عناصر من الجيش رُصدت وهي تقف إلى جانب المجتمعات التي تعرضت للهجمات من عناصر تتبع لقوات الدعم السريع، على الرغم من أن مشاركتهم في أحداث الاقتتال لم تكن رسمية، بل دفاعاً عن النفس أو لحماية ذويهم أثناء الهجمات”. يقول الباحث في قضايا السلام والتنمية.

 وقف التصعيد

“التوتر بين الجيش والدعم السريع يقود إلى عدم استقرار المواطنين، وقد تؤدي التصريحات المتبادلة بين القيادات العسكرية إلى وقوع صدام بين جنود القوتين، يقول رئيس المكتب التنفيذي لحزب التحالف الوطني السوداني، كمال إسماعيل.

 يدعو إسماعيل لضرورة وقف التصعيد بين الجيش والدعم السريع، ويقول لـ(عاين)، إن الطرفين يمثلان واقعاً موجوداً ليس بالامكان إنكاره، لكن من المهم إيقاف الحملات الاعلامية المتبادلة بينهما، فإن أول الحرب كلام”.

البرهان وحميدتي في زيارة لقاعدة عسكرية شمالي الخرطوم: الصورة وكالة السودان للانباء

وتفجرت الحرب الكلامية بين الجيش والدعم السريع، عندما أعلن قائد الأخيرة حميدتي، في الخطاب الذي ألقاه في حفل التوقيع على الاتفاق الإطاري فشل إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021. وهو ذات الخطاب الذي أكد فيه دعمه للانتقال، ودعا فيه لإجراء إصلاحات عميقة في المؤسسة العسكرية تؤدي إلى جيش واحد، يعكس تنوع السودان، ويحمي النظام الديمقراطي.

لكن وعلى نحو مفاجئ، فإن القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان رهن، مضي القوات المسلحة السودانية في الاتفاق الإطاري بدمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة في الجيش.

الثلاثاء الفائت، وأمام حشد من جنوده بقاعدة كرري العسكرية شمال أمدرمان، قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان “حميدتي” مشيراً إلى قادة الجيش: أن خلافهم ليس مع الجيش وإنما مع الذين يتمسكون بالسلطة.

وينص مشروع الدستور الانتقالي، الذي بموجبه تم التوقيع على الاتفاق الإطاري على توحيد القوات المسلحة في السودان في جيش مهني واحد. وضمن عدة ملفات، فإن قضية الإصلاح الأمني والعسكري، تعتبر أهم نقاط الخلاف بين القوتين العسكريتين بمصالحهم المشتركة أحياناً والمتباينة أحياناً أخرى.

ففي يونيو 2021 ، أبدى قائد قوات الدعم السريع ، رفضه دمج قوات الدعم السريع، وقال  إنها أُنشئت بموجب قانون في ظل النظام السابق، إلا أنه تراجع عن ذلك لاحقاً، عندما ربط دمجها بتنفيذ إتفاق جوبا لسلام السودان.

صدام مستبعد

“يُعتبر الصراع بين الدعم السريع والبرهان متعدد الأطراف، فضلاً عن أنه صراع طموح بين شخصيّ البرهان- حميدتي“، يقول ضابط متقاعد، وباحث عسكري لـ(عاين). وأكد الباحث العسكري المتقاعد، الذي فضل حجب اسمه، على أن الحركة الاسلامية داخل القوات المسلحة تعمل على تأجيج صراع الجيش ضد الدعم السريع.

قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان

وأضاف: “أمام مصيرهما المشترك، وارتباطهما بعدد من الملفات مثل حرب دارفور واليمن وقضايا فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو 2019 والأسرار التي يمتلكها كل منهما عن الآخر، فإنه من المستبعد إندلاع مواجهة عنيفة بين “البرهان و “حميدتي”، وهو الأمر الذي يجعلهما يحافظان على تحالفهما.

“إن الخطاب الإعلامي العدائي، بين الجيش والدعم السريع، سيؤجج الصراع بينهما حالة إستمراره”. يقول المحلل العسكري، عمر أرباب، وهو ضابط سابق بالجيش السوداني، في حديث مع (عاين) ويضيف: “هناك جهات تقف وراء خطاب التجييش والتعبئة العسكرية ودق طبول الحرب، تهدف لفرض رؤيتها على الواقع”.

و بانتباه لخطورة تعدد الجيوش في السودان، رفعت ثورة ديسمبر مطالب أبرزها ضرورة تكوين الجيش القومي المهني الموحد. يشير رئيس المكتب التنفيذي لحزب التحالف الوطني السوداني، كمال إسماعيل، ويضيف: “على قيادات القوتين المتمثلتين في الجيش والدعم السريع، الجلوس لمناقشة وضعية قوات الدعم السريع وكيفية دمجها في القوات المسلحة بصورة علمية وفنية”.

ودعا إسماعيل، إلى تشكيل لجنة من الطرفين لبناء الثقة بينهما ومناقشة القضايا الفنية، والاستعانة بضباط معاشيون ذوي خبرات عسكرية، لوضع اللمسات الفنية المؤدية إلى دمج كل القوات العسكرية في الجيش السوداني الموحد.

مخاطر تطور الصراع

ويستبعد المحلل العسكري، عمر أرباب، حدوث مواجهة عسكرية بين الطرفين، ويقول أن مراكز القوى والتوازن القتالي يجعل إمكانية سيطرة طرف على الأحداث دون الآخر غير ممكنة.

ويشير أرباب، إلى أن أي عملية عسكرية قابلة للتطور إلى مراحل مما يجعلها غير قابلة للسيطرة في إحدى المراحل، بدخول عوامل أخرى.

وبحسب أرباب، ففي حالة الجيش والدعم السريع فإن الصراع قابل للتطور من صراع بين مؤسستين إلى صراع ذو طابع إثني قبلي وصراع مليشيات. ولفت المحلل العسكري، إلى وجود قوى سياسية ترغب في تحويل الصراع السياسي إلى عسكري.

وأوضح المحلل العسكري، أن التيار الاسلامي لديه إعتقاد بأنه ذو تأثير على المؤسسات العسكرية، سواء في الجيش أو الشرطة أو الأمن، كما أن هذا التيار يعتقد أن  لديه كوادر قادرة على حسم المعركة مع الدعم السريع. وتابع: “هذه تقديرات خاطئة، لأن لا أحد يستطيع السيطرة على مجريات الأحداث”.

طلب لشهادة (حميدتي) أمام النيابة في بلاغ ضد (البشير) بالتحريض على قتل المتظاهرين
قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو 

“لا أعتقد أن الصراع بين الجيش والدعم السريع سيصل إلى درجة  العنف لحسم الخلافات بينهما، يقول الضابط المتقاعد والباحث العسكري لـ(عاين). وينوه إلى أن قوات الدعم السريع مليشيا تطورت بشكل كبير وصار لها وضعية اقتصادية وعلاقات دولية مؤثرة، لكنها بصورة أو أخرى فإنها ملك للمؤسسة العسكرية.

ويخلص المحلل العسكري، إلى أن القوى الدولية حريصة على استقرار السودان، وترى أن نشوب حرب في السودان له تكلفة عالية، لن تستطيع تحملها، في ظل المهددات الأمنية الموجودة في أغلب دول المنطقة، بما في ذلك دول، ليبيا وأفريقيا الوسطى وتشاد وإريتريا وجنوب السودان أثيوبيا.

وإعتبر المحلل العسكري، أن السودان هو الدولة الأكثر استقرارا بالمقارنة بعدد من الدول التي تحيط به ، بالرغم من حالات الانفلات الأمني الموجودة. ورأى أن انفراط عقد الأمن في السودان، يعني إشتعال المنطقة إثر ذلك، مما يزيد  حالات الهجرة والنزوح وعدم الاستقرار لسنوات طويلة، في ظل إنتشار السلاح على نطاق الحدود المترامية لهذه البلدان.

وفي الرابع من مارس الجاري،  قدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريرًا إلى مجلس الأمن الدولي، عملًا بقرار المجلس (2636) للعام 2022 بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لتقديم المساعدة خلال الفترة الانتقالية في السودان (اليونيتامس) حتى الثالث من يونيو 2023.

ووثقت بعثة “اليونيتامس لـ(72) حادثًا خلال الفترة من 21 نوفمبر 2022 إلى 18 فبراير الماضي، زُعم فيها ارتكاب انتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان طالت (316) شخصاً، بينهم (21) طفلًا، ومن بين الحوادث الموثقة تحققت البعثة من (58) حادثًا، بحسب التقرير الذي  يغطي التطورات في السودان في الفترة من 21 نوفمبر 2022 إلى 18 فبراير الماضي.

ومن بين  72 حادثاً وثقتها بعثة “اليونيتامس”، أفادت تقارير بأن المسؤولية عن (15) حادثًا طالت (66) ضحية، نُسبت إلى قوات الأمن الحكومية، فيما نُسبت المسؤولية عن (52) حادثًا طالت (236) ضحية إلى جماعات مسلحة غير تابعة للدولة، بما في ذلك الحركات المسلحة وجماعات المليشيات ، بحسب تقرير الأمين العام للأمم المتحدة.