“زعم امتلاكه آلاف المقاتلين”.. من يقف وراء الكيان العسكري الذي أعلن عن نفسه من الخرطوم؟

16 نوفمبر 2022

بينما كان قائد الجيش السوداني ومنفذ الانقلاب العسكري يقدم خطاباً أمام القوات الخاصة بسلاح “المرخيات” شمالي مدينة أمدرمان، الأحد الماضي، أعلن ضباط متقاعدون عن تأسيس “حركة مسلحة موازية للجيش تمتلك آلاف الجنود المقاتلين ينتشرون في كل ولايات السودان”. وأطلقوا عليه أسم “كيان الوطن العسكري” عبر مؤتمر صحفي أقيم في الخرطوم.

ويهدف الكيان لتحقيق نحو 28 هدفاً من بينها إلغاء اتفاقية جوبا للسلام. وعين الكيان المتحدث السابق للقوات المسلحة الصوارمي خالد سعد قائداً عاماً.

وشغل  سعد منصب المتحدث باسم القوات المسلحة لسنوات فترة حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، وأُحيل للمعاش في العام 2019 بعد فترة قصيرة أمضاها كمنتدب لقوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة الانقلابي محمد حمدان دقلو “حميدتي”

وقال الصوارمي خلال المؤتمر الصحفي، إلى أن الهدف من تشكيل هذه القوة هو خلق التوازن العسكري، ويرى سعد أن الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا لسلام السودان خلقت لنفسها وجوداً سياسياً وعسكرياً على الرغم من قلة مقاتليها وزعم بامتلاك الكيان العسكري والسياسي لآلاف المقاتلين موزعين في ولايات الوسط والشمال وكردفان.

ووقعت الحكومة الانتقالية التي انقض عليها العسكريون، في 3 أكتوبر 2020 إتفاقية جوبا لسلام السودان، التي تضم خمسة مسارات هي مسار دارفور؛ حركة العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي وتحرير السودان ــ المجلس الانتقالي، وتجمع قوى تحرير السودان، ومسار الشرق ومسار الوسط (الحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض ومسار الشمال (كيان الشمال وحركة تحرير كوش السودانية)، ومسار النيل الأزرق وجنوب كردفان.

بعد ساعات من إعلان تكوين الكيان العسكري، أعلنت السلطات الحكومية إعتقال قائده العام، بواسطة الأجهزة الأمنية. لكن نشأت تساؤلات على نطاق واسع حول الجهة التي تقف وراء هذا الكيان، ومن سمح له بعقد مؤتمراً صحفياً على مرأى من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التي تعج بها الخرطوم العاصمة؟

يرى الخبير العسكري عمر أرباب، وجود علاقة بين الكيان الذي سمى نفسه “كيان الوطن العسكري” وبين التيار الاسلامي الذي نشط في أعقاب إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر.

وأتاح إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر للإسلاميين الظهور إلى العلن مرة أخرى، بعد أن أطلقت سلطات الانقلاب سراح بعض قيادات المؤتمر الوطني من السجون، كما أتاحت لهم تنظيم المواكب الاحتجاجية، مع تواتر الأنباء بشكل مستمر بفك حسابات قادة المؤتمر الوطني المصرفية.

وإعتبر أرباب في مقابلة مع (عاين)، أن العلاقة التي تجمع الطرفين تتمثل في  طريقة التفكير القديمة التي تنظر للصراع السياسي في السودان باعتباره بين تيارين أحدهما عروبي إسلاموي و الآخر أفريقي علماني، وهي نفس طريقة التفكير التي أججت الصراع في إقليم دارفور وقامت بتسليح القبائل العربية ضد القبائل الأخرى.

وأضاف أن الكيان الذي أعلن عن نفسه في  المؤتمر الصحفي المشار إليه قال أنه يرغب في خلق توازن عسكري مقابل الحركات المسلحة الموقعة على إتفاق جوبا لسلام السودان، وهو حديث الغرض منه المزايدة السياسية، خاصة أن الكيان المشار إليه يفتقد القدرة على خلق هذا التوازن.

جريمة ضد الدولة

“وفقاً للقانون الجنائي السوداني لعام 1991 فإن الاعلان عن جسم عسكري يعتبر جريمة تندرج تحت باب الجرائم الموجهة ضد الدولة” يقول الخبير القانوني المعز حضرة.

وأوضح،  كان يجب على النيابة العامة فتح بلاغات جنائية ضد الذين أعلنوا عن إنشاء كيان عسكري، في قلب الخرطوم وعلى الهواء مباشرة، بدلاً عن مطاردة الشرفاء من الثوار وفتح البلاغات ذات الطابع الكيدي في مواجهتهم”.

ولفت حضرة في حديث مع (عاين) إلى أن الفعل الذي قامت به هذه المجموعة، يعد جريمة، ولا يحتاج القبض عليهم لأخذ إذن من النيابة العامة لأن القانون يتيح للشرطة فتح بلاغات جنائية في مواجهة مرتكبي هذه الأفعال الجنائية في مثل هذه الحالات.

البرهان وحميدتي في زيارة لقاعدة عسكرية شمالي الخرطوم: الصورة وكالة السودان للانباء

وأوضح أن ما قام به الناطق الرسمي السابق للقوات المسلحة الصوارمي خالد سعد، لا يمكن فصله عن المشهد السياسي بصورة عامة كما لا يمكن فصله عن خطابات “البرهان” الأخيرة في إشارة لدعوة الأخير الأحزاب السياسية للابتعاد عن الجيش.

وأثناء مخاطبته حشداً من القوات الخاصة في قاعدة “المرخيات” العسكرية شمال مدينة أمدرمان، قال القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان أن الجيش لن يسمح لأي جهة بأن تعبث بالقوات المسلحة أو تتدخل فيها”.

وتضمن خطاب “البرهان” تحذيراً للقوى السياسية بالابتعاد عن الجيش وعدم التدخل في شؤونه وتحريض ضباطه، وأضاف أن أي شخص يتحدث في شأن الجيش، هو عدو سواء كانوا إسلاميين أو شيوعيين أو بعثيين.

ورأى القانوني المعز حضرة، أن كل عناصر النظام السابق اختفوا عن المشهد السياسي بعد ثورة ديسمبر المجيدة، ولم يظهروا إلا بعد إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الذي أتاح لهم الظهور علناً، وأعاد لهم فتح حساباتهم المصرفية، وعادوا من جديد للتحكم في كل مفاصل الدولة.

معز حضرة: مجموعة الصوارمي العسكرية لن تتجرأ بالاعلان عن نفسها من دون حصولها على “ضوء أخضر” من القوات المسلحة

وأوضح حضرة أن الصوارمي والمجموعة التي معه إن لم تجد “ضوء أخضر” من القوات المسلحة وغيرها بعض الجهات الأخرى لما تجرأت للقيام بهذا الفعل بكل هذه الثقة.

ويرى المعز حضرة، أنه بدلاً عن الخطابات التي يطلقها “البرهان” و التي يهدد فيها  القوى السياسية التي يزعم أنها تتدخل في الجيش، يجب عليه حسم الجهة الوحيدة التي تفعل ذلك وهي المؤتمر الوطني المحلول، ولفت إلى أنه الجهة التي تقف خلف إعلان تأسيس “كيان الوطن العسكري”.

وأشار حضرة إلى أن ما قام به الصوارمي لا ينفصل عن تحركات حزب المؤتمر الوطني في الجيش والشرطة. وأضاف “إذا كان  البرهان جادأً في إصلاح الجيش فعليه أن يبدأ بتنظيف كل من مكتبه ومجلس السيادة من الإسلاميين، كما عليه القيام بتنظيف ما تبقى من قيادات المؤتمر الوطني التي ما زالت تعمل في الخدمة بالجيش”.

المتحدث باسم الجيش السوداني السابق، وقائد الكيان العسكري، الصوارمي خالد سعد. الصورة- ارشيف

ومع قرب التوصل إلى تسوية سياسية بين العسكريين وبعض المدنيين بينهم قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي”، نشطت تيارات إسلامية موالية لحزب المؤتمر الوطني “المحلول” في تنظيم احتجاجات ترفض هذا التقارب، وبلغ الأمر بهذه التيارات استخدام العنف عندما هاجمت مقر اللجنة التسييرية لنقابة المحامين الخرطوم العاصمة بداية نوفمبر الجاري.

كما ترفض لجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات السلمية أي مشاركة لمنسوبي النظام البائد في حكومة الثورة، حالة سقوط الانقلاب العسكري وتطالب بمحاكمتهم عن الجرائم التي ارتكبوها خلال الثلاثين عاماً الماضية.

وحول إعتقال السلطات الأمنية للناطق الرسمي السابق للقوات المسلحة الصوارمي خالد سعد  ونائبه محمد رحمة الله وعدد من الضباط المتقاعدين، بعد ساعات قليلة من إعلان إنشاء “كيان الوطن العسكري”، قال المعز حضرة: “بحسب المعلومات فإنه إعتقال “عادي” تم بواسطة جهة أمنية” وربما يكون الهدف منه امتصاص الغضب السياسي والشعبي المندد بإعلان هذا الكيان.

وأوضح “حسب المعلومات فإن السلطات لم تقم حتى الآن بتوجيه أي تهم جنائية ضد الصوارمي ومجموعته. وأضاف: إذا كانت السلطات الأمنية جادة فعليها فتح بلاغات جنائية ضده وضد الذين معه.

بينما أكد الخبير العسكري أمين مجذوب أن الذين قاموا بالاعلان عن تأسيس “كيان الوطن العسكري لا يمتلكون أي علاقات تنظيمية مع كيانات الضباط المتعاقدين والمعاشيين.

وأوضح في مقابلة مع (عاين) أن الصوارمي ومجموعته ليس لهم  قواعد سواء في الخرطوم العاصمة أو الولايات.

وأشار إلى أن الفعل الذي قاموا به هدفه إثارة “بلبلة” في الساحة السياسية السودانية، وهي رد فعل لتصريحات القائد العام للجيش، التي حذرت عناصر معينة ودعتهم للابتعاد عن القوات المسلحة واستغلالها من أجل العودة للسلطة مرة أخرى.

واعتبر مجذوب أن الفعل الذي قام به الصوارمي ومجموعته، انتهى باعتقال ما يسمى بالقائد العام لهذه القوات، العقيد معاش الصوارمي، ولن يكون لها تأثير على الساحة السياسية أو الأمنية في البلاد.