خطاب الكراهية.. محاولات التصدي لـ(وقود) حرب السودان
عاين – 13 يونيو 2024
لم يكن لحرب السودان الحالية بين الجيش وقوات الدعم السريع لتشتعل وتستمر كل هذه المدة لولاء الانتشار الواسع لخطاب الكراهية في المشهد- وفق مختصين – الأمر الذي حتم تبني حملات واسعة للتصدي له، للحيلولة دون تفكك النسيج الاجتماعي وتوسع نطاق الصراع إلى حرب أهلية شاملة، وهو ما تنشط فيه منظمات مجتمع مدني وفاعلين ضمن محاولات لتدارك هذا الخطر.
ويسري خطاب الكراهية على وجه خاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي في السودان، إذ يتبنى مناصري الجيش وقوات الدعم السريع مما يعرفون بـ”اللايفاتية”، الذين يظهرون في بث مباشر على تلك الوسائط، خطاب عنصري جهوي، مع تحويل صراع الجيوش إلى خلاف أهلي ومجتمعي ومناطقي، الشيء الذي زاد وتيرة العنف.
ونتيجة لحملات الشحن العنصري الجهوي، بدت حرب السودان أكثر عنفا، وصار المواطنون يتعرضون إلى استهداف على أساس مناطق انتماءهم الجغرافي والعرقي.
ووفق تعريف الأمم المتحدة، فإن خطاب الكراهية، هو “الكلام السيء الذي يستهدف مجموعة أو فردا بناء على خصائص متأصلة، مثل العرق أو الدين أو النوع الاجتماعي، والتي تقود إلى تهديد السلم الاجتماعي، في الوقت ذاته، لا يوجد تعريف شامل لخطاب الكراهية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا يزال المفهوم محل نزاع واسع، لا سيما فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وعدم التمييز”.
قوانين رادعة
وبحسب الصحفي والمحلل السياسي فيصل محمد صالح، فإن كل الحروب الأهلية، خاصة في السودان، أساسها قائم على خطاب الكراهية، بعد تبني خطاب التقليل من مجموعات عرقية، وإثنية، ودينية، ولغوية، هذا ما يعطي مشروعية للحرب، وطردهم من أراضيهم، ويعطي مشروعية لإبادة هذه المجموعات، خاصة في المجتمعات التي ينقصها الوعي والتعليم غير متوفر فيها.
يشير صالح خلال مقابلة مع (عاين) إلى وجود أسباب مباشرة في تنامي انتشار خطاب الكراهية، فالمباشرة دائما وراءه نوايا، مجموعات إثنية أو قبلية أو دينية واجتماعية متنافسة على الموارد، والأرض والوطن، تحاول مجموعة التقليل من المجموعة الأخرى، وتحرمها من الاستفادة من الموارد، وأن الإبادة الجماعية تأتي بعد نزع الصفة الإنسانية من الآخرين.
وشد على ضرورة أن تكون هناك قوانين رادعة، وسياسات تمنع التمييز على أساس النوع أو الدين أو اللغة أو العنصر، والمناطق الجغرافية، وبعد ذلك سن تشريعات تعاقب كل من يحاول نشر خطاب الكراهية، ويجب تبني الإيجابيات كلها، والبناء عليها، ورفض الأمثلة الشعبية التي تحض على الكراهية والتفرقة، وتمارس التنميط على الفئات الاجتماعية القبلية والإثنية والمرأة.
يقترح فيصل محمد صالح أن يدرج أمر مكافحة خطاب الكراهية والتوعية بمخاطره ضمن المنهج التعليمي في السودان، على أن تعمل منظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية والجمعيات الثقافية على نحو مشترك على مناهضة خطاب الكراهية وكل أشكال التمييز، ونشر الوعي وسط المجتمعات بشأنه.
واعتبر صالح، أن نشر الوعي بمثابة أفضل الأسلحة لمحاربة خطاب الكراهية، ففي حالة عدم الوعي، تغييب آليات المحاسبة والمساءلة، وجزء من هذا الوعي، يتمثل في التنشئة، في البيوت والمدارس، رغم أن التراث فيه أنماط سلبية، وفي ذات الوقت التراث الديني فيه قيم إيجابية يمكن أن تساهم في رفع وعي المجتمعات.
ولأكثر من عام تدور معركة كلامية بين الجيش والقوى المتحالفة معه، وقوات الدعم السريع، بوتيرة مماثلة لمستوى القتال على الأرض، ومحور الحرب الإعلامية بين الطرفين خطاب موغل في الكراهية والعنصرية والتمييز، وانتقل الخطاب نفسه إلى مجالس المجتمعات، الأمر الذي زاد المخاوف من مزيد من التوسع في نطاق الصراع وتحوله إلى حرب أهلية شاملة.
وقود الحرب
من جهتها تقول مدير مكتب منظمة “وعي” في العاصمة الأوغندية كمبالا، رابحة إسماعيل محمد إن فكرة حملة مناهضة خطاب الكراهية، جاءت في وقت، أن الحرب الدائرة في السودان، أفرزت في الوسائط الاجتماعية والإعلامية خطاب كراهية خطير للغاية، باعتباره وقوداً للحرب، وأثر في تماسك المجتمع ووحدته، إضافة إلى خطاب التعالي على الآخرين، مما يقود حرب أهلية إذا تُرِك دون مكافحة.
وتضيف رابحة التي تنشط منظمتها في حملة لمناهضة خطاب الكراهية في مقابلة مع (عاين) أن حملتهم تهدف إلى التقليل من خطاب الكراهية في مرحلة الحرب، والعمل على معرفة مصادر هذا الخطاب، وهناك مجموعات كبيرة أخرى، تعمل مع بعض في سبيل إنجاح المشروع في هذا الجانب.
وحثت المجتمع السوداني للمحافظة على العادات والتقاليد السمحة، ودعم قيم السلام، والعمل على وقف انتشار خطاب الكراهية، وأن حملة المناهضة تستهدف السودانيين جميعهم في المناطق التي تأثرت بالحرب، وفيها صراعات، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها أكبر مكان لنشر الخطاب في الوقت الحاضر.
كما دعت وسائل الإعلام والصحفيين إلى لعب دور كبير في هذا الجانب، ويجب الاعتراف بتنوع السودان، وكيفية إدارة هذا التنوع، وتطبيق حقوق الإنسان على أرض الواقع، وإبعاد الغبن بين الناس، فهذه الحرب الخاسر فيها السودان، وينبغي أن يتحقق السلام والعدالة.
بدورها، ترى عضو منظمة وعي ومنسق حملة الشبكة السودانية لمناهضة خطاب الكراهية، يسرا حسن النيل، أن العواقب التي ساهمت في تفكيك النسيج الاجتماعي، والخطاب المناطقي المنتشر، والاتهامات المتبادلة حول من الذي تسبب في اندلاع الحرب، وبروز ما يسمى بـ الحواضن الاجتماعية، هي دائما تزج أبرياء في الحرب، إضافة إلى الاستهداف على أساس اللون والشكل من قبل الطرفين.
تقول يسرا في مقابلة مع (عاين) “في حال استمرار هذا الخطاب قد يقود إلى انفصال بين الأقاليم السودانية، لذا يجب العمل على إيقافه حتى لا يتمدد، وألا يجد مساحة أكبر للمشاركة، ويجب محاصرة تلك الخطابات التحريضية قدر المستطاع.
ورأت ضرورة أن تكون عمليات الرصد إحدى آليات محاربة خطاب الكراهية وخلق خطاب مضاد له، يتمثل في التعايش السلمي، والوجدان السوداني المشترك، والعمل على توحيد الجهود مع مختلف المجموعات، وخلق نشاط على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، وإغلاق الحسابات التي تشجع على خطاب الكراهية.
عمل جاد
وبعد عام من الحرب الضارية وما تضمنها من خطابات عنصرية جهوية، صار من الصعب على سكان غرب السودان الانتقال إلى شرق الوطن، حتى لأغراض الحصول على الخدمات الإنسانية، مثل العلاج وغيره، وذلك نتيجة قيود واسعة يفرضها الجيش على القادمين من الغرب، والتي ربما تقود إلى الاعتقال، وتفعل قوات الدعم السريع الشيء نفسه مع المواطنين الذين تعود جذورهم إلى شرق وشمال البلاد.
وتحصي الصحفية السودانية ريم حامد، عدة أسباب أدت إلى الانتشار الكبير لخطاب الكراهية في بلادها، من بينها طبيعة الحرب الحالية، والتي سعى طرفيها لإكسابها الشرعية من خلال خطابات استقطاب عنصري، فهو وسيلة من وسائل القتال تماثل إطلاق الرصاص والمقذوفات المتفجرة “دانات”، فارتفعت وتيرته وزادت حدته.
ترى ريم في حديثها لـ(عاين) أن دور الإعلاميين كبير جدا في هذا الشأن، بالعمل الجاد على إيقاف خطاب الكراهية، لأن الصحفيين يمتلكون الوسائل للقيام بذلك، من خلال كتابة المقالات، وبث فيديوهات التوعية، وبشتى السبل يجب أن يتوقف هذا الخطاب باعتباره سبباً رئيسياً في زيادة نار الحرب، ومما يؤدي إلى مزيد من القتل والسرقة، والنهب.
وفي السياق، يقول الباحث في مجال دراسات السلام، الدكتور عباس التجاني، إن الحرب الحالية ارتفع خلالها خطاب الكراهية بطريقة غير مسبوقة في السودان، وهذا وفق تقديره – نتاج لتراكمات خطاب الكراهية موجود في الفضاء العام، نسبة ثقافة العنف والحروب المنتشرة منذ عقود في الدولة السودانية.
يضيف التجاني في مقابلة مع (عاين): أن “الموروث الثقافي السوداني فيه عدم قبول، ما يولد خطاب كراهية، والتنافس غير الحميد على السلطة، طرفي الصراع الجيش والدعم السريع تعملان على توليد هذا الخطاب من خلال توصيف الآخرين، بألفاظ غير إنسانية، وغير مقبولة، ومظاهر جديدة في مسألة الأصيل والدخيل”.
وتابع:”هناك تصورات مسبقة لطرفي النزاع من ناحية اجتماعية، ومسألة الهوية الاجتماعية، والثقافية تعتبر إحدى المحركات والمحفزات في انتشار خطاب الكراهية، واُسْتُثْمِرَت إلى حد بعيد في الصراع الحالي، وهذا خلق مواقف، تحيزات، وزاد حدة الاستقطاب الإثني، الجهوي والمناطقي على الصعيد المحلي، وارتفاع العنف على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح المزاج العام رافضا للآخر بشكل أكبر”.
سلاح دولة
ويرى الصحفي والمحلل السياسي فيصل محمد صالح، أن الدولة السودانية من أسلحتها هي استخدام خطاب الكراهية، فهي قائمة على خلاف القيم كلها التي يؤمن بها السودانيون، الممثلة في الديمقراطية والمجتمع المدني.
ويقول:”يستخدم خطاب الكراهية بغرض إعطاء مشروعية للحرب، مثل استنفار المواطنين العزل، وتجنيدهم لمحاربة الآخر، فالمثل الشعبي يقول (ما في دواس بدون غبينة)، لكن الدولة تعمل على خلقها في نفوس المدنيين عبر الخطاب العنصري وخطاب الكراهية، والذي تأتي أسباب انتشاره، الصراع على الموارد”.
وتابع: “الدولة السودانية قائمة على نقيض ما يؤمن به الشعب السوداني، وجزء من عمل الحملة هو إيقاف الحرب، والسعي إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة”.