السودان: “في أقرب وقت”.. إجابة قوى (الإطاري) على أسئلة الاتفاق المُلحة  

6 ديسمبر 2022

رغم ما تقدمه القوى السياسية من جهد لشرح الاتفاق الاطاري الذي وقعته مع المكون العسكري، تبحث العديد من نصوصه عن شرح واجابات ملحة لن تكن جملة “في أقرب وقت” التي تجيب بها هذه القوى على الاسئلة المطروحة مقنعة لقبوله في الشارع السوداني لاسيما وان الاصوات الرافضة يتردد صداها في كل مكان.

وبحسب ما هو معلن، ينتظر أن توقع الأطراف على وثيقة اتفاق نهائي في -أقرب وقت- حال إكتمال نقاش تفاصيل القضايا الخمسة التي لم يتم التوصل لاتفاق حولها بحسب ما يقول مصدر بالمكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير لـ(عاين).

لكن هذا المصدر ، لم يقدم مدة زمنية يتوقع أن تصل فيها الأطراف إلى وثيقة دستورية نهائية تحكم الفترة الانتقالية، وقال “نأمل في الوصول إلى إتفاق نهائي باسرع وقت وتكوين حكومة مدنية بحلول العام الجديد”.

وقطع المصدر بأن المرحلة الثانية، لن يكن بها تفاوض جديد، او أي إضافة أو تعديل أو حذف، لأي من بنود الاتفاق السياسي الإطاري. ولفت إلى أن مسودة مشروع الدستور الإنتقالي، ستخضع إلى صياغة نهائية بهدف إحكامها قبل التوقيع النهائي.

ووقع المكون العسكري في السودان اتفاق سياسي إطاري قوى سياسية، يوم أمس الاثنين بالقصر الرئاسي في العاصمة الخرطوم. وجرى التوقيع بحضور القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان عبد الفتاح، وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وسياسيون ودبلوماسيون من دول عربية وأخرى غربية”.

خمس قضايا

ويتألف الاتفاق السياسي الإطاري من خمسة بنود رئيسية هي، المبادئ العامة، وقضايا ومهام الانتقال، وهياكل السلطة الانتقالية، والأجهزة النظامية، وقضايا الاتفاق النهائي.

ويعتبر الاتفاق الموقع يوم أمس، هو المرحلة الأولى من عملية سياسية تتكون من مرحلتين ترتكز على مسودة مشروع الدستور الذي أعدته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين.

أما المرحلة الثانية من الاتفاق، بحسب قوى الحرية والتغيير، فسيتم النظر فيها لاحقاً من قبل الأطراف السياسية من أجل تطوير الاتفاق السياسي الإطاري بمشاركة جماهيرية واسعة من أصحاب المصلحة والقوى الموقعة على الإعلان السياسي وقوى الثورة في خمسة قضايا رئيسية تحتاج لمزيد من التفصيل للوصول لاتفاق نهائي.

وتتألف القضايا الخمسة من العدالة والعدالة الانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري وإتفاق جوبا لسلام السودان وإكمال السلام و تفكيك نظام 30 يونيو، والالتزام بحل أزمة الشرق بوضع الترتيبات المناسبة لاستقرار شرق السودان، وبما يحقق السلام العادل، والمشاركة في السلطة والثروة والتنمية، ضمن الحقوق الدستورية لمواطني الاقليم، ومشاركة جميع أصحاب المصلحة في شرق السودان ضمن العملية السياسية الجارية.

وقال القيادي بالحرية والتغيير، جعفر حسن، أن القضايا الخمسة المذكورة، تحتاج لمزيد من النقاش المفصل قبل الوصول إلى التوقيع النهائي على مسودة مشروع الدستور الإنتقالي.

ولفت في مقابلة مع (عاين)، إلى أن قضية مثل العدالة والعدالة الانتقالية، تحتاج لمشاركة أصحاب المصلحة وأسر الشهداء على أن تشمل كافة الذين تضرروا من انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 1989 وحتى الآن.

واعتبر بيان لقوى الحرية والتغيير صدر عقب التوقيع على مسودة الأتفاق السياسي الإطاري أن الإصلاح الأمني والعسكري، يعد من أمهات القضايا التي تجابه البلاد. كما إعتبر أنه دون بناء وإصلاح جيش واحد مهني وقومي وفق ترتيبات أمنية متفق عليها، فإن البلاد لن تحقق الديمقراطية أو السلام أو التنمية.

وترى قوى الحرية والتغيير بضرورة تنفيذ إتفاق جوبا لسلام السودان، مع العمل على تقييمه وتقويمه بين الموقعين على الاتفاق السياسي وأطراف اتفاق سلام جوبا، مع إلتزام صميم بالحفاظ على مكتسبات المناطق المتأثرة بالنزاع والنساء التي تضمنها اتفاق جوبا لسلام السودان.

كما رأي بيان الحرية والتغيير بضرورة تفكيك نظام 30 يونيو، الذي اختطف الدولة السودانية ومؤسساتها لبناء دولة مهنية تخدم  المجتمع دون تمييز.

وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” جعفر حسن، أن التوقيع على الإتفاق السياسي الإطاري سيكون مفتوحاً للتوقيع عليه لأطراف العملية السياسية التي حددتها أسس العملية السياسية المفضية إلى إنهاء الإنقلاب، ممثلة في قوى الحرية والتغيير والأحزاب السياسية التي غادرتها ولجان المقاومة والأجسام المهنية والحركات المسلحة.

كيف حافظ الاسلاميين على سيطرتهم داخل الجيش السوداني؟

وفي الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي، سيطر العسكريون على مقاليد الحكم في البلاد، عندما أعلن القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، حل الحكومة الانتقالية وتجميد العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية، كما جمد اللجنة المعنية بتفكيك نظام الثلاثين من يونيو، بدعم من بعض حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان.

وأدت المقاومة غير المسبوقة للإنقلاب، والمطالبة الملحة بإسقاط النظام وتأسيس الحكومة المدنية الكاملة، إلى سقوط  120 قتيلا وإصابة مئات الجرحى وعشرات المفقودين والمخفيين قسرياً  بواسطة أجهزة الإنقلاب الأمنية.

مقاومة

وبينما كان يجري التوقيع على الإتفاق السياسي الإطاري بالقصر الرئاسي في العاصمة الخرطوم يوم أمس، نفذت لجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات السلمية منذ أكثر من عام، موكباً عفوياً يطالب بإسقاط الانقلاب ويندد بالتسوية السياسية.

وتتبنى لجان المقاومة اللاءات الثلاثة، “لا شراكة لا تفاوض لا شرعية، وترفض وجود العسكريين في السلطة وتطالب بمحاكمة المجرمين في الجرائم المرتكبة في حق الشعب السوداني.

كما أن لجان المقاومة استبقت التوقيع على الإتفاق السياسي الإطاري، عندما وضعت جدولاً زمنياً للمواكب المركزية وغير المركزية لشهر ديسمبر الجاري، التي تطالب بإسقاط الإنقلاب العسكري.

وقالت عضوة لجان مقاومة أحياء جبرة جنوب العاصمة الخرطوم، شاهيناز جمال، أن لجان المقاومة والكيانات الثورية، محتفظون بموقفهم المناهض للتسوية السياسية ومتمسكون باللاءات الثلاثة.

مظاهرات في الخرطوم ضد الانقلاب العسكري 14 فبراير 2022

وأوضحت في حديث لـ(عاين) أن موكب أمس الذي اتجه إلى القصر الرئاسي، كان موكباً حاشداً، وهو الأمر الذي يشير إلى أن لجان المقاومة ستستمر في مقاومة الإنقلاب بالطرق الإحتجاجية السلمية ومواكبها التي المطالبة بإسقاط الإنقلاب وترفض التسوية السياسية مع العسكريين.

ورأت جمال، أن الأحزاب السياسية الموقعة على الإتفاق السياسي الإطاري يوم أمس، والعسكريين، لن يستطيعون قطع الطريق أمام أهداف ثورة ديسمبر، مرة أخرى كما فعلت في السابق عندما وقعوا مع العسكريين على الوثيقة على الدستورية المُنقلب عليها بواسطة جنرالات الجيش.

وأكدت أن لجان المقاومة في الخرطوم العاصمة والولايات والكيانات الثورية متوحدة خلف أهدافها المعلنة الرامية إلى إسقاط الإنقلاب العسكري وتأسيس السلطة المدنية الكاملة.

وأشارت شاهيناز، إلى أن لجان المقاومة عبر بياناتها المنشورة، أبدت رفضها القاطع للتسوية السياسية بين بعض الأحزاب السياسية والأجسام المهنية والعسكريين.

منهج خاطئ

بينما يرى المحلل السياسي، خالد محمد طه، أن حصر كل العملية السياسية في (إتفاق إطاري له ما بعده) دون النظر للمحيط الموضوعي يعد خطأ منهجي رافق الإتفاق وإنعكس على الطريقة التي تمت بها ادارة المسألة، والمكونات المشاركة فيها مقابل تلك التي لم تشارك أو الرافضة للمشاركة، ليس فقط لأنه إتفاق الأضداد بل لأنه إعتمد إرجاء قضايا اساسية وأتاح إدخال لاعبين جدد في “فريق الثورة”  مما أثار أسئلة مثل : على ماذا توافقتم؟ وبمن ستنجز أهداف الثورة ومطلوبات التحول الديمقراطي؟ .

” الفضاء الذي نشأت فيه هذه العملية التفاوضية التي أنتجت الاتفاق الاطاري، فضاء مختل من ناحية المعطيات الميدانية، ومن زاوية التوقيت الزماني، ومن جهة الشركاء في العملية نفسها، لم تتوفر فيه حرية سماع الآراء ولا حقوق المشاركة في صياغة وإصلاح واقع ومستقبل السودان، ولم يعتمد إلا أدوات المماحكة التي أضاعت ثورات وانتفاضات شعبية عظيمة في تاريخ السودان القريب”. يقول طه في مقابلة مع (عاين) ويضيف:

“لن يكون الإتفاق الإطاري مكسب للشعب السوداني في حال أنه مضى بالطريقة التي بدا بها، وقطعا لن يدفع ذلك بالضرورة بقية الأضداد إلى أن يجتمعوا في موقف واحد، وهو ما ينذر تشرذم جديد على أسس مختلفة وبشروط أكثر صعوبة من كل التي مضت، وذلك بالنظر للتحشيد العرقي والمناطقي والتجييش القبلي”.

ويستغرب طه دوافع القوى الموقعة على الاتفاق ويقول:” كان هناك مجال لأن يتم إتفاق إطاري أفضل من الذي تم، لأن الإتفاق الحالي جاء بدافع البحث عن مخارج آمنة لكل الأطراف – كل من زاوية إحتياجاته الملحة – أكثر من الإنطلاق بعوامل دفع  لإيجاد حل سلمي شامل ومنصف، يؤسس لممارسة سياسية متعافية من محمول تاريخ نقض العهود – التي كان آخرها وأقربها الإنقلاب على الوثيقة الدستورية والاستيلاء على السلطة في 25 أكتوبر 2021 – وبكل تاكيد أن فترة الـ 13 شهر و10 ايام السابقة لم يحدث فيها ما يعين على إبتلاع ما تم في ذلك الإنقلاب أو تجاوز ونسيان حجم القسوة التي قُوبل بها الثوار المحتجين على الانقلاب”.

ويشير محمد، إلى أن الحديث عن خطورة الأوضاع الأمنية وهشاشتها واحتمال انزلاقها في دائرة العنف يشابه الفرية المتكررة التي تقول (من أجل حقن الدماء) ثم إعادة التوافق والمشاركة مع من سفك الدماء، ويعتبر ترديد ذلك  “فنيات لتمرير الأجندة أو فرض الرؤى بمنطق الأمر الواقع أو تخفيفه على الجمهور المغلوب في كل مرة”.

شرعنة الانقلاب دولياً

وتم الاتفاق الاطاري بوساطة من الآلية الثلاثية المسهلة للحوار بين الأطراف والمكونة من “إيغاد”، والاتحاد الأفريقي، وبعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال، والآلية الرباعية المكونة من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والإمارات والسعودية.

السودان يعتزم تشكيل القوات المشتركة في مناطق السلم بعد توفر ضمانات مالية
رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس

يرى المحلل السياسي خالد طه، أن المجتمع  الدولى بمؤسساته الإقليمية والدولية – الذي يلوح ويربط الآن بين إستئتاف الدعم الاقتصادي وما أسماها بـ”مطلوبات التحول الديمقراطي” كان بإمكانه لجم جماح السلطة الإنقلابية وإجبارها على عدم إستخدام العنف المتظاهرين، إن لم يتمكن من إلزامها بالتراجع عن الانقلاب، بدلا من السعي لشرعنة الانقلاب واستمرار قادته في قمة السلطة، بإتفاق يتغاضى عن المحاسبة ويمكنهم من الإفلات من العقاب.

ويشدد طه: “من الضروري والمهم أن لا يتم السعي لتحويل القضايا المصيرية للشعب السوداني إلى محض إنتصارات للقوى الدولية والمحاور الإقليمية في إطار حروبهم العابرة للحدود أو القارات، يحب أن ينتج التحول الديمقراطي الحقيقي المستند على حق الشعب السوداني في الحياة الآمنة والمساواة في كل الحقوق والواجبات”.