قيود أمنية تحرم المواطنين من الغذاء في الخرطوم
عاين- 15 نوفمبر 2025
للحيلولة دون تدهور الوضع الإنساني شرع متطوعون في تشغيل المطابخ الجماعية بالعديد من أحياء العاصمة السودانية لتوفير الطعام المجاني للمواطنين مع تفشي معدلات عالية من الفقر وانعدام المال وتوقف القطاعات التجارية التي توفر الوظائف لعشرات الآلاف من العمال في المصانع والشركات.
ينعكس بقاء آلاف المواطنين بعيدا عن سوق العمل بالعاصمة السودانية على حياتهم اليومية بصعوبة شراء الطعام والاحتياجات الصحية وعدم القدرة على التنقل بين أحياء العاصمة فالمدينة التي كانت تضج بالنشاط التجاري الأكبر على مستوى البلاد قبل اندلاع القتال منتصف أبريل 2023 لا يزال ثلثي سكانها ينتظرون الإعانات اليومية غير المنتظمة وفق إفادات العاملين في القطاع الإنساني.
ويقول عاملون في منظمات دولية وغرف الطوارئ إن من بين 100 مواطن بالعاصمة السودانية يعيش حوالي 90 شخصا فقرا مدقعا كما يعتمد حوالي 60% من المواطنين على تحويلات مالية غير منتظمة من الأقرباء والعائلة خارج البلاد.
وتقترح الناشطة في مجال منظمات المجتمع المدني مريم حامد العمل على “التمكين الاقتصادي” للمواطنين بدعم الزراعة المنزلية وإحياء الجمعيات التعاونية بالأحياء السكنية، وتعتقد أن هذه الحلول تساعد على استعادة القدرات الاقتصادية للمجتمعات التي عادت من الحرب.
وتلفت مريم حامد في مقابلة مع (عاين)، إلى أهمية إدماج النساء والشباب في مشاريع الإعمار للحصول على فرص العمل وتأمين وسائل كسب العيش. موضحة أن الحرب خلفت آثاراً اقتصادية مدمرة في البلاد يعاني منها المواطنون في حياتهم اليومية بالفشل في توفير الغذاء والدواء.
نجاة من الجوع
دفعت معدلات الفقر العالية قطاعا واسعا من المواطنين بالعاصمة السودانية بالاعتماد على المساعدات الغذائية حيث يطهو المتطوعون الطعام المجاني بالأحياء السكنية بالمقابل هناك صعوبات تواجه الكثير من السكان في استعادة الحياة اليومية الاقتصادية وتراجع آمال الانخراط في سوق العمل في مدينة شبه محطمة؛ بسبب النهب وآثار المعارك سيما قلب الخرطوم إلى جانب تدهور الجنيه السوداني والحد من قدرة المواطنين لشراء الاحتياجات الضرورية.
ويقول العامل الإنساني أحمد محمود من منطقة البراري شرق الخرطوم لـ(عاين): إن “المواطنين يعتمدون على المطابخ الجماعية وبدورنا نحن الفاعلون الإنسانيين نواجه سلسلة تعقيدات تتعلق بالأخطار المتكرر من السلطات بالحصول على التصاريح من مفوضية العون الإنساني والمحليات التابعة إلى ولاية الخرطوم”.
السلطات تتعامل معنا بتوجس ولا تعترف بالأجسام العاملة على الأرض
متطوع
وأضاف قائلا: “نحن نعمل في دفع الحياة اليومية، ولا يمكن أن نبحث عن التصاريح، بينما يتعين علينا طهي الطعام، وقبل ذلك البحث عن موارد مالية وهم – الحكومة- تتمسك بالتسجيل وحاليا لا تعترف بنا المحلية كجهة إنسانية حسب ما نقلوا لنا”.
وحول حصص المساعدات التي تقدمها وكالات الإغاثة والمنظمات يقول محمود إن هذا القطاع يعيش حالة من التلاعب والفساد من قبل الأجهزة الحكومية في توريد الكميات المقررة بتقليصها إلى النصف تقريبا في أغلب المناطق.

وزاد قائلا: “نحن نتلقى تقريرا من الجهة المانحة أن المنطقة مسموح لها الحصول على 300 سلة غذائية، وعندما نذهب للاستلام من موظفي المحلية ومندوب مفوضية العون الإنساني نجدها 120 سلة غذائية، وهذه من القضايا التي تثير الأزمة بين العاملين الإنسانيين والمواطنين، وتثير الشكوك بينهم”.
أطفال مدارس ببطون خاوية
وتعليقا على عودة مظاهر الحياة ونشاط التعليم في العاصمة يوضح محمود، أن استئناف الدراسة بولاية الخرطوم وضع الأطفال أمام أزمة يومية للحصول على وجبة الإفطار ونحن في غرف الطوارئ واللجان الإنسانية الأهلية نحاول أن نوفر ذلك داخل المدارس ومع ذلك لا توجد ضمانات على أن الغذاء في المدارس يمكن توفيره على مدار الوقت.
المئات من التلاميذ في شرق الخرطوم بدون وجبة مدرسية
وتابع محمود: “رصدنا مئات الأطفال بالمدارس في أحياء شرق الخرطوم لا يحصلون على وجبات الإفطار بشكل يومي؛ بسبب عدم القدرة على شراء الطعام، ويدرسون ببطون خاوية”.
واستعاد الجيش السوداني العاصمة الخرطوم منذ مايو 2025 عقب سيطرة قوات الدعم السريع على قرابة العامين على أجزاء واسعة من الولاية التي كان يقطنها قبل اندلاع القتال حوالي 9 مليون نسمة.
وفور سيطرتها على العاصمة السودانية وضعت السلطات الحكومية بولاية الخرطوم قيودا على العمل الإنساني والتطوعي بالتزام المنظمات وغرف الطوارئ بالحصول على التصاريح الرسمية لتقديم المساعدات للمدنيين منذ مايو 2025.
الظلام يعرقل عودة الأسواق
ويقول العامل في منظمة دولية، محمد النعيم، وهو يسرد تجربته للعمل الإنساني بالعاصمة السودانية خلال الأشهر الماضية لـ(عاين): إن “القيود الأمنية تعرقل تدفق المساعدات الإنسانية إلى المواطنين إلى جانب صعوبة استعادة الحياة الاقتصادية لأكثر من مليوني شخص في الأسواق وخدمات النقل والاتصالات والكهرباء”.
ويعتقد النعيم أن إعادة الإمداد الكهربائي إلى مدينة الخرطوم وبحري وأجزاء من أم درمان قد تساعد على توفير 150 ألف وظيفة من خدمات مباشرة مقدمة عبر هذا القطاع في الأسواق وسلاسل التبريد وقطاع الأدوية كما إن عودة الأسواق مرهونة بعودة الإمداد الكهربائي.
لا حياة اقتصادية في الخرطوم قبل استعادة الكهرباء والمياه
عامل في منظمة دولية
ويشير النعيم، إلى أن توفير خدمة الكهرباء العامة قد تساعد قرابة 150 ألف شخص على استعادة القدرة على الانخراط في سوق العمل والنشاط التجاري وبالإمكان تأثير هذه الوظائف بشكل مباشر على تأمين الاحتياجات من الحد الأدنى لقرابة نصف مليون شخص؛ لأن من يذهبون للعمل لديهم عائلات.
بالمقابل ينتقد محمد النعيم القيود التي تضعها الحكومة على الأنشطة الإنسانية قائلا إن العمل الإنساني يخضع لرقابة محكمة من الأجهزة الأمنية إلى جانب وضع بعض المنظمات على “القائمة السوداء”.
وينوه النعيم إلى إن السلطات المحلية بولاية الخرطوم تتعامل مع العاملين في المجال الإنساني وغرف الطوارئ ومشرفي “التكايا” والمطابخ الجماعية من “منظور أمني” والثقة تجاه هذه الفئات شبه معدومة لأسباب سياسية.
ويضيف: “في الغالب المساعدات التي تقدمها الدول هي التي تكون مدخلا للتلاعب والفساد مثل مركز الملك سلمان ومنظمة قطر الخيرية والمساعدات التي تقدمها الحكومة المصرية والتركية، والتي تصل إلى موانئ بورتسودان مقر الحكومة المدعومة من الجيش السوداني”.

ويرى النعيم أن المساعدات التي قدمتها الدول إلى الحكومة في بورتسودان لغوث المواطنين تكفي إطعامهم لأشهر طويلة، وهذا لم يحدث لأسباب كثيرة قد تكون مرتبطة بالفساد الإداري والبيروقراطية والقيود الأمنية كما إن الحكومة لا تقدم تقارير مفصلة عن مسار الإغاثة بشكل دوري، وتحجب المعلومات عن الرأي العام موضحا أن من بين مائة مواطن في العاصمة السودانية تجد 90 شخصًا ضمن خانة الفقر المدقع، أي لا يمكنه تدبير الوجبة التالية.
في منطقة نبتة شمال العاصمة السودانية يكتفي الأطفال بانتظار القليل من وجبة “العدس” حيث يعده متطوعون بالاعتماد على التبرعات المالية بنسر الحسابات المصرفية على في “فيسبوك” والمنصات الاجتماعية.
ومع ذلك يعود بعض الأطفال بالأواني وهي فارغة إلى المنزل، ويتم إبلاغهم أن الكمية قد نفدت؛ لأن الطلب كان مرتفعا اليوم مع وصول العديد من المواطنين إلى المنازل عقب استعادة الجيش السيطرة على العاصمة.
الناس غير قادرين في أحياء بحري على إعداد الطعام بالمنازل
متطوعة
وتقول العاملة الإنسانية بمناطق شمال العاصمة السودانية، إسراء حماد لـ(عاين): إن “الكثير من المواطنين ليس بإمكانهم طهي الطعام في المنزل؛ لأن شراء مواد البقالة قد تجعلهم يفكرون ألف مرة في إنفاق أموالهم الشحيحة التي بحوزتهم على شراء السلع الغذائية الباهظة الثمن، ويفضلون توفيرها لشراء الدواء أو الإنفاق على بنود الطوارئ”.
وتردف قائلة: “الناس في أطراف الخرطوم وحتى الأحياء الواقعة في مركز المدينة تأثروا بالحرب، وتعرضوا للنهب”.
وتشير حماد، إلى أن بعض الشبان والفتيات لجأوا إلى العمل في الأسواق الصغيرة في بيع السلع المستوردة من مصر وإثيوبيا لتأمين سبل كسب العيش والإنفاق على العائلة مع الوضع في الاعتبار أن السلع الفاسدة والمنتهية الصلاحية تغزو أسواق الخرطوم خلال الحرب.
وتعيب حماد على الحكومة المحلية في الخرطوم فيما تسميه بـ”التقاعس” في تقديم المساعدات وخطط المشاريع الاقتصادية لكسب المال مشيرة إلى أن الحرب أدت إلى فقدان نحو 800 ألف شخص في الخرطوم بحري للعمل ووسائل كسب المال.
في الدوائر الرسمية أقر وزير الموارد البشرية والعمل والرعاية الاجتماعية في حكومة (الأمل) في بورتسودان – مدعومة من الجيش- معتصم محمد صالح بوصول 23 مليون شخص في السودان إلى البقاء تحت خط الفقر؛ بسبب الحرب وارتفاع معدلات الفقر من 21% إلى 71% ضمن تصريحات عن المعالجات الاجتماعية في 7 نوفمبر 2025.
نحن لا نعترف بكم
وعللت حكومة ولاية الخرطوم في لقاء مع متطوعين إنسانيين شرق العاصمة تدهور الخدمات وعدم قدرتها على التدخل إلى تعرض آلياتها ومكاتبها إلى النهب وتدني الإيرادات المالية وفق عامل إنساني تحدث لـ(عاين).
وأضاف العامل الإنساني الذي فضل حجب هويته حتى لا يتعرض إلى الملاحقة الأمنية: “طلبنا من حكومة ولاية الخرطوم برفع القيود عن غرف الطوارئ ولجان الأحياء، هم يقولون إن التسجيل لدى المفوضية ملزم”.
وتابع قائلا: “خلال سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من العاصمة السودانية بما في ذلك شرق الخرطوم لم تكن هناك دولة أو حكومة أو جيش، عملت شبكات التطوع على سد الاحتياجات الضرورية واليوم بعد أن سيطروا على العاصمة يريدون من المتطوعين العمل تحت إشرافهم مع عدم الاعتراف بجهودهم”.





















