سباق التجنيد العسكري بدارفور .. خفايا صراع العسكريين على أنقاض الأرض المحروقة
23 مارس 2023
ينشط الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عمليات تجنيد عسكرية واسعة في إقليم دارفور غربي البلاد، في سباق مكشوف يستهدف منسوبي مكونات قبلية بعينها لضمها الى صفوفهم أو خلق مزيد من المليشيات الموازية، وهي حملة أثارت حفيظة سكان الإقليم وقيادات أهلية سارعت بدورها برفض واستنكار هذا النشاط خشية أن يقود الى محرقة جديد بالإقليم.
ويستخدم “الجيش والدعم السريع” إغراءات مالية تقدم لبعض زعماء العشائر في إقليم دارفور نظير السماح بتجنيد افراد من القبيلة، وطالت حملات التجنيد آلاف الشباب غالبيتهم في سن المدارس وبعضهم صغار في السن، وفق معلومات متطابقة حصلت عليها (عاين) من مصادر أهلية وعسكرية.
يقول علي حمدان دوكة، وهو قيادي أهلي من ولاية شمال دارفور، إن “فريق من الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش بدأ منذ شهر نوفمبر الماضي طواف علني على القرى وتجمعات العرب الرحل في دارفور وعرض تجنيد الشباب، مع تقديم اغراءات مثل إعطاء المجند رتبة ملازم وملازم أول وحتى النقيب، ووعدهم بالسفر الى اليمن والسعودية للقتال هناك مقابل أموال طائلة”.
“ما يزال هذا النشاط مستمراً وهو عمل مدان قد يولد حرب في دارفور مرة أخرى لأن فريق التجنيد وعد المجندين بأن يوفر لهم السلاح والآليات العسكرية ويظلوا مرابطين في الإقليم”، يضيف دوكة في مقابلة مع (عاين).
تهديد
تنتقل المخاوف نفسها إلى الصحفي المقيم بدارفور محمد صالح البشر، من واقع ما شاهده من عمليات استقطاب عسكري وسط المكونات القبلية في الإقليم خاصة وأن التجنيد سيعقبه تسليح جديد الشيء الذي سيهدد السلام المجتمعي بحيث يمكن استخدام العتاد الحربي في النزاعات القبلية، وهو ما يمهد لعودة الحرب إلى دارفور.
ويرى صالح في مقابلة مع (عاين)، أن “حملات التجنيد تأتي في إطار الصراع بين الجيش والدعم السريع وهو تطور خطير في مسار الخلافات بين العسكريين، وتعيد حملة التجييش الحالية الذاكرة الى عقدين للوراء عندما بدأ نشاط مماثل بتجنيد وتسليح القبائل في دارفور وكانت النتيجة حرب ودمار ونزوح، ونخشى من تكرار السيناريو نسبة لتشابه الوقائع والأحداث”.
مصادر أهلية وعسكرية: يقدم الجيش والدعم السريع” إغراءات مالية لبعض زعماء العشائر في إقليم دارفور نظير السماح بتجنيد افراد من القبيلة، وطالت حملات التجنيد آلاف الشباب غالبيتهم في سن المدارس.
وعاش إقليم دارفور حرب ضارية استمرت لأكثر من 17 عاماً، استخدم خلالها نظام الاخوان المسلمين بقيادة المخلوع عمر البشير ما عرف بـ”سياسة الأرض المحروقة” التي تقوم على إبادة جماعية للمناطق التي تدخلها مليشيات الحكومة باستخدام النيران والأسلحة الثقيلة، وعمد النظام المعزول على تسليح القبائل العربية في حربه مع الحركات المسلحة، في سيناريو مماثل لما يجري الآن.
وتقول مصادر أهلية وعسكرية لـ(عاين)، إن الجيش يسعى لضرب الدعم السريع عبر حاضنته الاجتماعية من خلال تكوين مليشيا جديدة قوامها منسوبي القبائل العربية مثل الرزيقات والتعايشة وغيرهم، على أن تعمل تحت مظلة قوات حرس الحدود التي تم دمجها في الدعم السريع قبل سنوات وتسعى الاستخبارات العسكرية الى استعادتها.
ووفقاً لذات المصادر الأهلية والعسكرية، فأن معظم الذين جندتهم استخبارات الجيش يمنحون بطاقات عسكرية برواتب وامتيازات أخرى ويظلوا وسط مجتمعاتهم بعد تعهد بأن يكونوا على استعداد لتلبية أي نداء عسكري من جانب القوات المسلحة في أي وقت”.
خطة مضادة
بدورها، واجهت قوات الدعم السريع خطة الاستخبارات ونشطت في عمليات تجنيد مكثفة في دارفور وبإغراءات أكثر من تلك التي يقدمها الجيش، وتقول المصادر إن قائد الدعم السريع محمد حمدان حميدتي باشر اتصالات مع زعماء القبائل وفي الأسبوع الماضي سلم رجالات قبائل عدد 7 سيارات لاند كروزر موديل 2023 م بغرض مساعدته في تجنيد الشباب لصالح قواته وإفشال مخطط الجيش.
وأقر مسؤول عسكري مقرب من قوات الدعم السريع، بأن قواته تقوم بعمليات تجنيد لحاجتها الى مقاتلين ويتم التخطيط لتدريب الدفعة 13 اغلبهم من دارفور وتم نقلهم إلى الخرطوم ويتلقون تدريبات مكثفة في معسكرات قري وطيبة وصالحة وغيرها من أماكن التدريب.
“لدينا شواهد أن الجيش قام فعليا بإرجاع قوات حرس الحدود التي تم حلها في العام 2017 وإلحاق عدد كبير من منسوبيها في قوات الدعم السريع وقتها، وتؤكد معلوماتنا ان الجيش يعمل لخلق قوات موازية للدعم السريع منسوبيها من القبائل العربية” يقول المسؤول العسكري المقرب من قوات الدعم السريع لـ(عاين).
وتابع:” معظم أفراد قوات حرس الحدود السابقة هم الآن ضباط في الدعم السريع ولدينا معلومات أن الجيش بدأ اتصالات مع بعضهم وقدم لهم إغراءات مالية ورتب عسكرية بغرض العودة لحرس الحدود، ومن المتوقع أن تظهر قوات حرس الحدود بشكل رسمي خلال شهر قادم من الآن”.
فيما فند الضابط المتقاعد في الجيش السوداني الفريق خليل محمد الصادق مزاعم نشاط القوات المسلحة في عمليات تجنيد على أساس قبلي، وقال في مقابلة مع (عاين) “القوات المسلحة لا تجند عشوائياً وإنما تفتح باب الالتحاق حسب حاجتها في إطار عملية الإحلال والإبدال وتجديد الدماء التي تتم بشكل دوري”.
“القوات المسلحة تملك حق قانوني ودستوري في التجنيد، ولم يسبق في تاريخها أن قامت بالتجنيد على أساس قبلي وإنما بمعايير وطنية قومية ومهنية، وكل ما يدور يأتي في إطار الاستهلاك السياسي”، يضيف الصادق.
ويرى أن عمليات التجنيد الجديدة التي تقوم بها الدعم السريع تخالف خطة دمج هذه القوات في الجيش وتعكس ضمنيا عدم الرغبة في الدمج والتسريح.
مخاوف أهلية
سارعت عدد من المكونات الأهلية في دارفور بينها الرزيقات والتعايشة بإصدار بيانات صحفية الأسبوع الماضي، تندد بما أسمته عمليات تجنيد سرية تجري وسط الشباب في الإقليم وهو ما يعكس حجم المخاوف الاهلية إزاء حملات التجنيد التي يقوم بها الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
يقول وكيل ناظر قبيلة الرزيقات، الفاضل سعيد في مقابلة مع (عاين) “ليس لدينا مشكلة مع أي جهة نظامية ولكن نرفض التجنيد السري والعشوائي غير المستند للأسس القانونية، لذلك أردنا التنبيه لكل اهل السودان من خطورة هذه العمل الذي يهدد الأمن والاستقرار في بلادنا ودارفور بشكل خاص”.
من جهته، أعرب القيادي الأهلي في ولاية شمال دارفور علي حمدان دوكة عن إدانته لهذا النشاط الذي قد يولد حرب جديدة في الإقليم ويحطم مستقبل جيل بأكمله، ويقول لـ(عاين) “نتيجة الاغراءات التي قدمتها الاستخبارات العسكرية، عدد كبير من الشباب ترك الدراسة والتحق بالجيش بعض منهم صغار وأطفال لم يبلغوا السن القانونية للالتحاق بالخدمة العسكرية”.
مسؤول عسكري مقرب من الدعم السريع: لدينا معلومات أن الجيش بدأ اتصالات مع بعض ضابط الدعم السريع وقدم لهم إغراءات مالية ورتب عسكرية بغرض العودة لقوات حرس الحدود.
مليشيات موازية
“عملية التجنيد والتجييش تعتبر انعكاس لأزمة الصراع السياسي، وهي لا تقتصر على التجنيد لصالح القوات المسلحة والدعم السريع فقط ولكن حتى الى تكوين مليشيات موازية في شتى البقاع”، يقول الخبير العسكري عمر أرباب في مقابلة مع (عاين).
ويضيف أرباب: “كل هذه التحركات تمثل واجهات لصراع سياسي بين أطراف سياسية وكان من باب أولى أن يكون عبر عمل سياسي وصناديق الاقتراع والتداول السلمي للسلطة والعملية الديمقراطية، ولكن العقلية السياسية طوال التأريخ ظلت تتحالف مع القوات المسلحة في جانب وتكون قوات موازية من أجل الصراع السياسي، وأصبح الجيش واحد من الأدوات التي تستخدم في هذا الصراع والذي كان يفترض أن يكون بمعزل عن هذا الشيء”.
وبالنسبة للخبير العسكري، فإن الذين يصلون إلى السلطة عبر قوة السلاح يصبحوا شركاء مع المؤسسة العسكرية، بالتالي تصبح القوات المسلحة طرف في صراع سياسي بين أحزاب سياسية، وهي واحدة من الآثار الكارثية للانقلابات العسكرية، وأن ما يحدث من استقطاب اثني وحزبي وتجييش لا يبشر بخير وسيقود الوطن الى محرقة لا تبقي ولا تذر”.
رفض مبرر
ويقول المحلل السياسي عزالدين دهب في مقابلة مع (عاين) إن “عملية التجنيد التي تجري في دارفور والتي واجهتها القبائل برفض مبرر من واقع التجارب التاريخية، سيكون لها انعكاسات سالبة على الأوضاع الأمنية والاجتماعية بالإقليم، وأيضاً الأمر الأكثر خطورة هو أن التجنيد يستهدف شباب في سن الدراسة وسوف يضيع مستقبلهم”.
“عملية التجنيد تتم على أساس قبلي وهذا سيزيد من حدة الاستقطاب ويهدد السلام المجتمعي وعرقلة الاستقرار، فقوات حرس الحدود والشرطة الظاعنة والمراحيل والدعم السريع كانت معايير التجنيد فيها على أساس عشائري وهذا يشكل خطر حقيقي على المجتمعات من واقع التجارب التاريخية” يضيف عزالدين.
وتابع: “مثل هذه الأفعال لا يجب أن تكون في دولة حديثة لها معايير في عملية الالتحاق بالمؤسسات العسكرية، حتى نؤسس لجيش مستقل، ولكن عندما يتم التجنيد من مناطق جغرافية محددة وقبائل بعينها ذلك يقود الى قوات مسلحة فاقدة للمعايير وبالتالي يمكن أن تنحرف عن مسارها وتنحاز إلى فئة وتساعد على تأجيج الصراعات أكثر من تقديمها خدمة أمنية تساعد على استقرار البلاد”.
قيادي أهلي: فريق من الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش بدأ منذ شهر نوفمبر الماضي طواف علني على القرى وتجمعات العرب الرحل في دارفور وعرض تجنيد الشباب.
وخلص بالقول: “الأوضاع في السودان تسير نحو التغيير وليس هناك حروبا طاحنة تستدعي تجنيد مزيد من الجنود، فهناك 6 جيوش نظامية أو شبه نظامية كان الأولى أن تذهب المؤسسة العسكرية في اتجاه الدمج والتسريح وعمل ترتيبات امنية لأجل جيش مهني موحد محترف بعقيدة قتالية واحدة، لكن السباق نحو التجنيد تحت هذه الظروف يعكس نوايا خفية للقائمين عليه ويجب التصدي لهم”.
انه لامر خطير. جدا. يجب تحذير الناس في الاقليم مما يجري
والسودان يمر بطة المرحلة المتعثرة من الانتقال ويجب ان تدمج الجيوش في جيش واحد
شكرا لشبكة عاين ع الرصد والتقرير