البشير يسفر عن تمسكه بالسلطه والجماهير تتحدى قوانين الطوارئ
تقرير: عاين 2 مارس 2019م
في خطوة متوقعة وربما تكون آخر مراحل حماية النظام ورئيسه، أعلن الرئيس السوداني عمر البشير القوانين العرفية ضاربا عرض الحائط ليس فقط بالدستور ووثيقة الحقوق، وليس اخرا بالحوار الوطني الذي ابتدره البشير نفسه بل مثلت تعبيرا صارخا عن رغبته في البقاء في السلطة للأبد رغم ادعائه عدم الترشح في 2020. الا أن القوانين التي قصد منها إرهاب الجماهير، خرجت تظاهرات في مناطق واسعة بالعاصمة الخرطوم ليل الاثنين وحتى الساعات الأولى من فجر الثلاثاء، فيما نددت قوى سياسية بالقانون ونادي تجمع المهنيين كافة الثوار لمقاومته وهزيمته وفتح الطريق أمام استكمال الثورة.
ودعى تجمع المهنيين السودانيين الذي باءت كل المحاولات لإثنائه عن تغيير موقفه الداعي لتنحي الرئيس عمر البشير. ضمن هذه المحاولات كانت محاولات ال52 برئاسة الجزولي دفع الله التي شملت عدد من الساسة،الأكاديميون، والاعلاميون. حاولت المبادرة. ولكن تجمع المهنيين رفض ما أسماه بمحاولة اختطاف الثورة.
لا مجال لاختطاف الثورة
تمسك تجمع المهنيين باسقاط النظام دون شرط رفضاً لمبادرة “الاصلاح والسلام” كما أوضح في بيان له، بعد هذه المبادرات التي طرحت في الساحة السياسية السودانية، أنه لن يسمح لأحد باختطاف الثورة من أي حزب سياسي أو كيان، هذا ماقاله في مؤتمر صحفي ممثل القوى الموقعة على إعلان الحرية والتغيير محمد يوسف مصطفي، وان الباب مفتوح أمام جميع القوى للانضمام للاعلان، دون شرط او قيد. وطالب المصطفي في المؤتمر الصحفي، الجميع بقراءة عقلية شباب الثورة الذي ولد في عهد الانقاذ. موضحاً أن التجمع لن يتراجع وسيقود الحراك بقوة وحزم.بينما الجانب الحكومي، على لسان مساعد رئيس الجمهورية السابق، فيصل حسن إبراهيم، أن الشعب هو من يختار من يحكمه، ورفض فيصل أي نوع من المبادرات الداعية إلى تكوين حكومة انتقالية في الفترة الحالية، ويوجه اصابع الاتهام للمتظاهرين بانهم مخربين، ويقومون بتنفيذ أجندة خارجية، ويرى فيصل ان الطريق الى الحل لهذه الازمة، الانتخابات ستكون مفتوحة أمام الجميع.
عقوبات تصل إلى الإعدام
ولم تمر أيام قلائل على رفض مذكرة ” الإصلاح والسلام” من كافة الجوانب حتى وخرج رئيس الجمهورية بقرارات تم على اثرها حل الحكومة وإعلان حالة طوارىء. الحقها بحزمة قوانين أصدرها البشير تضمنت توسعا غير مسبوق لقوانين الطوارئ، التي أعلنها لتصبح الاسوأ طوال تاريخ السودان، حيث منعت كافة الحقوق الاساسية المنصوصة في مواثيق حقوق الإنسان بما في ذلك حقوق التنقل والتجمع وحرية التعبير والنشاط السياسي والتظاهر، بل وحتى حقوق التجارة العادية في البضائع والعملات الاجنبية والوقود وحتى القمح وغيرها من أشكال القهر غير المسبوقة في تاريخ السودان. وشملت العقوبات على ما اعتبر جرائم في القوانين العرفية الجديدة منع اعداد ونشر وتداول المعلومات ما يعد تقويضا للنظام الدستوري التي تصل عقوبتها في القانون الجنائي السوداني الى الاعدام، إضافة للعقوبة التي تصل إلى عشرة سنوات.
واستهدفت القوانين بشكل أكثر تركيزا وسائل التواصل الاجتماعي ومنع النشر والتداول والنقد لما أسمتهم برموز الدولة، كما جرمت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، فيما توسعت في منح الحصانات لأفراد القوات النظامية من شرطة وأجهزة أمنية وغيرها في التفتيش والمراقبة والاعتقال والمنع والمداهمة وغيرها، مشددة علي منح تلك السلطات “حصانات” تمنع محاكمتهم، بعد أن أعلنت انشاء محاكم الطوارئ والنيابات الخاصة التي تعمل في ظل هذه الترسانة من القوانين الامنية.
محاكم خاصة
وأصدر البشير مساء الاثنين أربعة أوامر رئاسية استخداما لحالة الطوارئ التي أعلنها الجمعة الماضي، والتي نصت حسب بيان رئاسي تم تداوله على نحو واسع مساء الاثنين، على استمرار هذه القوانين لمدة عام كامل حسبما أعلن مسابقا. “أصدر السيد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير يوم الأربعاء أوامر طواريء تتعلق بتفويض سلطاته و منح حصانات ، وحظر التجمهر والتجمع والمواكب و الاضراب وتعطيل المرافق العامة ، وتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي وتحديد ضوابط خروج النقد والذهب عبر الموانئ والمعابر ، وحظر توزيع وتخزين وبيع ونقل المحروقات والسلع المدعومة خارج القنوات الرسمية “.وأردف البيان محذرا بأن العمل بهذه القوانين سيبدأ مباشرة من تاريخ التوقيع عليه “ويبدأ العمل بهذه الأوامر من تاريخ التوقيع عليها وتنتهي بانتهاء المدة المحددة بالطوارئ”.
وتضمن أمر الطوارئ الاول:، “منح الحصانات للاجهزة الامنية بما يسمح لها بدخول أي مباني أو تفتيشها أو تفتيش الأشخاص، فرض الرقابة على أي ممتلكات أو منشآت، الحجز على الأموال والمحال والسلع والأشياء التي يشتبه بأنها موضوع مخالفة للقانون وذلك حتى يتم التحري أو المحاكمة ، حظر أو تنظيم حركة الأشخاص أو نشاطهم أو حركة الأشياء أو وسائل النقل والاتصال في أي منطقة أو زمان .
اعتقال الأشخاص الذين يشتبه في اشتراكهم في جريمة تتصل بالطوارئ” ولم ينس البيان أن يعطي الرئيس فوق كل ذلك حق إصدار أي اجراءات اضافية يراها ضرورية” وفي السياق نفسه أمر القانون الأول بإنشاء محاكم ونيابات ايجازية خاصة من أجل تمرير وتنفيذ تلك القوانين دون الرجوع إلى دستور البلاد. . “ونص الأمر على أن ينشيء النائب العام نيابات الطوارئ ويصدر القواعد التي تنظم إجراءات التحري والتحقيق والاستئناف ، كما ينشيء رئيس القضاء محاكم الطوارئ ويصدر القواعد التي تنظم المحاكمة والاستئناف .
رموز وهيبة وأسر
أما أمر الطوارئ (2) فقد اختص بمنع كافة الحقوق الاساسية للمواطنين من تجمهر وتجمع ومواكب، اضافة لأكثر النقاط التي أثارت جدلا واسعا وسط الناشطين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وهو حظر ” التقليل من هيبة الدولة وأي رمز من رموز سيادتها أو أي من أجهزتها أو العاملين بها بأي وسيلة أو فعل” كما أمر القانون الجديد مباشرة بحماية المسؤولين وأسرهم من النقد. مبينا انه ” يحظر إعداد أو نشر المعلومات والصور والوثائق والمستندات الشخصية الخاصة بأي شخص يشغل وظيفة عامة أو أسرته”.
وحظر الامر الثاني كذلك حقوق الاضراب والنشر والمعلومات واقامة الندوات، الخ،كما أعطي الأجهزة الامنية حق اعلان حظر التجوال وينص القانون كذلك علي ان “وكل من يخالف أحكام هذا الأمر عن طريق إرتكاب الفعل أو التحريض أو المقاومة أو التداول يعاقب بالاضافة لأي عقوبة منصوص عليها في أي قانون آخر ، بالاتي :
(1) السجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات والغرامة.
(2) مصادرة الوسيلة أو المال المستخدم في إرتكاب أي فعل محظور بموجب هذا الامر”.
حظر العملات الأجنبية
أما الأمر الثالث فقد ركز علي الامور المالية بحظر تداول العملات الاجنبية والسفر بها بالاضافة للتشديد علي تهريب الذهب داخل أو خارج السودان. ويحظر هذا الأمر التعامل بالنقد الأجنبي بيعاً أو شراءً خارج القنوات الرسمية، حمل أكثر من (3000) دولار ( ثلاثة ألف دولار ) أو ما يعادلها من العملات الأجنبية الأخرى لأي شخص مسافر عبر أي ميناء جوي أو بحري أو أي معبر بري، حمل وحيازة ما يزيد عن 150 جرام ذهب مشغول لأي مسافر خارج السودان عبر أي ميناء جوي أو بحري أو بري، يحظر حمل أو حيازة أو تخزين أي كمية من الذهب الخام ايّا كان شكله من غير المرخص لهم بالتصنيع أو التصدير “..
ونص الأمر على ان كل من يرتكب أو يشارك أو يعاون أو يسهّل او يسمح بارتكاب أيّا من الأفعال المحظورة بموجب هذا الأمر يعاقب بالاضافة لأي عقوبات منصوص عليها في أي قانون آخر ، بالآتي :
(أ) السجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات والغرامة .
(ب) مصادرة العملة سواء كانت سودانية أو اجنبية والذهب الخام والمشغول الذي تم ضبطه بالمخالفة لهذا الأمر .
(ج) تصادر أي وسيلة تم استخدامها في ارتكاب الفعل المحظور .
أما أمر الطوارئ رقم (4) فقد منع توزيع وتخزين وبيع ونقل المحروقات والسلع المدعومة خارج القنوات الرسمية . ويحظر هذا الامر التعامل في المحروقات أو نقلها، أو تفريغها أو شحنها، الخ ويحظر القانون أيضا التعامل في الدقيق المدعوم من قبل الدولة مثل حظر التهريب.
في المقابل أعلن تجمع المهنيين السودانيين وقوي “اعلان الحرية والتغير والتغيير” الذي يضم كافة الاحزاب المعارضة رفضه لقوانين الطوارئ. ودعا تجمع المهنيين في بيان له تحصلت (عاين) علي نسخة منه الجماهير للخروج إلى الشارع لهزيمة قوانين الطوارئ.
وفي الأثناء خرجت تظاهرات بأحياء جبره والمعمورة،والعشرة والعباسية والصافية والأزهري والحتانة وودنوباوي، تعبيرا عن رفضها لتلك القوانين. ورصد مراسل (عاين) هتافات نددت بقوانين الطوارئ في عدد كبير من أحياء العاصمة وأغلق المتظاهرون شوارع رئيسية باحياء المعمورة وودنوباوي وشمبات متحدين تلك القوانين. وضجت مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما الفيسبوك برفض تلك القوانين واعلن آلاف المتداخلين تحديهم القوانين القمعية.