السودان: قطاع الكهرباء على شفا الانهيار.. ما هي الأسباب؟
7 مارس 2023
لا تنج مدن وأرياف السودان لاسيما العاصمة -أكثر المدن استهلاكا للكهرباء- من انقطاع التيار لمدة ثلاث ساعات ليلاً، وست ساعات في الظهيرة بالتناوب بين الأحياء السكنية والأسواق وتتأثر بعض المستشفيات بالانقطاع أيضاً.
وسجلت بيانات شركة التوزيع الحكومية عجزا بمقدار (450) ميغاواط في الشبكة العامة مع حلول فصل الصيف في السودان اعتبارا من هذا الشهر، وأدى العجز إلى إدارة إنتاج شحيح من المحطات الحرارية التي تعمل بالوقود الأحفوري مع نقص الإمداد من السدود المائية في هذا الوقت من كل عام وأبرزها سد مروي شمال البلاد الذي ينتج في ذروته (700) ميغاواط.
يحتاج قطاع الكهرباء إلى (250) مليون دولار لوداع القطوعات اليومية حسب تقرير سلمه وزير الطاقة في عهد حكومة حمدوك – خيري عبد الرحمن لمجلس الوزراء في العام 2021.
لا يملك السودان منذ سنوات طويلة حتى في فترات إنتاج النفط القدرة على توفير الكهرباء على مدار الساعة ما جعل بعض المنازل وشركات ومكاتب خدمات سيما في العاصمة السودانية تعتمد على مولدات كهرباء أو على أصحاب مولدات خاصة يتقاضون رسوما كي تظل بضعة مصابيح مضاءة في بعض المباني الاستثمارية بالعاصمة السودانية أو تلك الأرياف النائية أثناء انقطاع الكهرباء لستة ساعات يوميا خلال الظهيرة وعادة ترتفع فيها درجات الحرارة فوق الـ 40 درجة مئوية.
ينتج السودان 2600 ميغاواط من الكهرباء بتجميعها في شبكة موحدة من عدة مصادرة تشمل محطات حرارية تقع شمال العاصمة السودانية وولاية النيل الأبيض وسدود مائية أبرزها سد مروي شمال البلاد بينما يتطلب الاستهلاك اليومي توفير 3500 ميغاواط حاليا يحدث العجز لأن الإنتاج أقل من ألفي ميغاواط .
يجزم الخبير في قطاع الطاقة، محمد عبد الرحمن، في حديث لـ(عاين) بفشل وزراء الطاقة الذين تقلدوا ملف الكهرباء خلال السنوات السابقة في إحداث اختراق في الأزمة بسبب غياب الإرادة الحكومية.
وأضاف: “ارتفعت الإرادة الحكومية في فترة حكومة عبد الله حمدوك التي تلقت وعودا دولية بضخ نصف مليار يورو في قطاع الكهرباء لصيانة المحطات الحرارية لكن الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021 قضى على كل شيء”.
زيادة مرتقبة للتعرفة
من جهته يرى الباحث في قطاع الطاقة أمجد الحسن، أن الإعفاءات الجمركية التي طالت معدات الطاقة الشمسية حسب قرار وزارة المالية دليل على العجز الحكومي في توفير كهرباء الشبكة العامة فهي بهذا القرار تحول الأمور إلى الجزر المعزولة، أي أن على المواطنين تحمل مسؤولياتهم في توفير الطاقة بالطريقة التي تتناسب مع قدرتهم الشرائية في اقتناء معدات الطاقة الشمسية.
ويقول الحسن في مقابلة مع (عاين): “مشاريع الطاقة الشمسية تديرها الدولة لإنتاج الكهرباء في المناطق الطرفية والبعيدة نسبيا عن الشبكة العامة وهي طاقة غير مستدامة على الرغم من ملائمتها للبيئة لأن ظروف السودان غير مواتية لهذه المشاريع”.
مصدر حكومي: اتجاه لرفع دعم الكهرباء بنسبة 21% وتطبيق زيادة على التعرفة تصل لـ400% وفقاً لما نصت عليه موازنة 2023
ويشترط البنك الدولي بحسب -أمجد الحسن- رفع أسعار الكهرباء في السودان لتمويل مشاريع طموحة لإنتاج ألف ميغاواط إضافية إذ أن سعر الكيلو يعادل (17) سنتا للكيلو واط بينما التكلفة الحقيقية واحد دولار أمريكي.
جرت نقاشات داخل وزارة المالية والطاقة والنفط لزيادة أسعار الكهرباء اعتبارا من تطبيق موازنة 2023 الشهر الماضي ببيع الكيلو واط بسعر 8 جنيهات للشق المدعوم و15 جنيها للكوتة التي تباع خارج سياق الدعم الحكومي بحسب مصدر حكومي تحدث لـ(عاين).
خبير في قطاع الطاقة: “الحكومة طرحت مشروع استيراد الكهرباء من مصر لكن تركيب محولات وأبراج الضغط العالي تُكلف 200 مليون دولار وهي نفس تكلفة صيانة المحطات الحرارية”.
تم إرجاء تنفيذ الزيادات حسب المصدر الحكومي بسبب إجراءات فنية لتطبق نهاية هذا الشهر وتبلغ الزيادات 400% في مساعي حكومية متواضعة لانقاذ هذا القطاع ورفع الدعم بنسبة 21% عن الكهرباء كما نصت موازنة 2023.
ويضيف خبير قطاع الطاقة محمد عبد الرحمن قائلا : “الحكومة طرحت مشروع استيراد الكهرباء من مصر لكن تركيب محولات وأبراج الضغط العالي تكلف 200 مليون دولار وهي نفس تكلفة صيانة المحطات الحرارية”.
وزاد قائلا: “الفرق أن الكهرباء المستوردة من مصر قد ترتفع من 70 ميغاواط حاليا إلى 700 ميغاواط وهو كاف لسد العجز وإنهاء القطوعات”.
تقاعس المالية
تقع على وزارة المالية مسؤولية تمويل صيانة المحطات الحرارية وفق الفصل الثاني من موازنة العام 2022 وبلغت نسبة التنفيذ 40% بحسب معلومات حصلت عليها (عاين).
ويلوم مصدر حكومي تحدث لـ(عاين) إدارة المشتريات بوزارة المالية وشركة توليد الكهرباء. وقال إن عدم انتظام الدفعيات المالية ووجود “كارتيلات” في المالية وشركة التوليد يؤدي إلى تعطيل الصيانة المحطات الحرارية بحجب التمويل الحكومي وتأخيره بينما كان بالإمكان التحوط للصيف.
ويؤكد المصدر الحكومي الذي اشترط -حجب اسمه- أن إدارة المشتريات في شركة توليد الكهرباء الحكومية تسيطر عليها عناصر من النظام البائد إلى جانب عناصر أخرى لا تستجيب لطلبات محطات الحرارية في شراء قطع الغيار لغرض الصيانة و الاستعداد للصيف.
وتابع المصدر بالقول: “في شهر يناير الماضي صدر تقرير من محطة قري الحرارية شمال العاصمة السودانية لتوفير قطع غيار لرفع إنتاج الماكينات وزيادة 120 ميغاواط من هذه المحطة فقط وبينما استجابت شركة التوليد لبعض الطلبات تتعللت وزارة المالية لفترات طويلة ولا تلتزم بالدفعيات هذا الخلل أدى إلى عدم اكتمال الصيانة وحدوث عجز في الكهرباء واضطرت شركة التوزيع إلى وضع برمجة قطوعات”.
وأردف: “طلبات الصيانة في (قري) و(أم دباكر) و(بحري الحرارية) قدرت الصيانة الوقائية بـ 10 مليون دولار لكن وزارة المالية ظلت تماطل في توفيرها منذ شهور لأنها لا تضعها كأولوية”.
تهالك الشبكة
ويصف الخبير في قضايا الطاقة محمد عبد الرحمن الشبكة العامة بـ المتهالكة لدرجة التسبب في فقدان الكميات المنقولة عبرها لذلك فإن المشاريع المستقبلية يجب أن تركز على تأهيل البنية التحتية الناقلة للكهرباء.
و يرى عبد الرحمن، أن أزمة الكهرباء لا تقتصر على نقص الإنتاج بل تمتد إلى تدهور البنية التحتية والمحطات الوسيطة التي تحتاج إلى الاستبدال وتركيب شبكات ناقلة تنقل جهد التيار بتقليص الفاقد.
يعتقد عبد الرحمن، أن الفاقد من نقل الكهرباء في السودان ارتفع إلى (27) ميغاواط بينما المعيار العالمي يقلل الفاقد في حدود 11 ميغاواط. وقال إن “نسبة الفاقد في السودان تكفي لإنارة مدينة كاملة”.
ويشير محمد عبد الرحمن، إلى إن البدائل التي يلجأ إليها المواطنين والمستهلكين والشركات ومن يقدمون الخدمات لتوفير الكهرباء بشراء المولدات والوقود تكلف البلاد حوالي مليون دولار سنويا وقد تتضاعف العامين القادمين لأن القطاع على وشك الانهيار.
ويعتقد الخبير في مجال الطاقة، ان شركات الكهرباء الحكومية بحاجة إلى هيكلة ملموسة ورقابة حكومية فعالة من ديوان المراجع العام لأن طريقة تفكيرها تبديد نصف مليون دولار في شراء أسطول سيارات للمسؤولين بدلا من الإنفاق على صيانة المحطات.