نازحو مراكز إيواء “الجنينة”.. سنوات من الإهمال تحت نظر السلطات

18 يونيو 2022 

لا تعرف النازحة حواء إسحق 65 عاما، مقراً يأويها وعائلتها سوى المرفق الحكومي الذي لجأت اليه في وسط مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور بعد القتال الأهلي العنيف الذي شهدته المدينة قبل نحو ثلاثة أعوام.

وعلى الرغم من وصف حواء اوضاعها بـ “السيئة” مع آلاف النازحين الذين فروا من مخيمات النزوح التي لجؤوا إليها للمرة الأولى إبان حرب الجيش الحكومي والحركات المسلحة التي دارت في الإقليم منذ العام 2003، ونزوحهم الثاني من المعسكرات بسبب القتال الأهلي في مدينة الجنينة والذي تسبب في حرق مخيماتهم. تصر حواء على العيش في المرفق الحكومي إلى أن يتم توفيق أوضاعهم.

وخلَفت الأحداث القبلية التي شهدتها مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور منذ ديسمبر 2019م وحتى الآن أوضاعا مأساوية لدى المتضررين من الصراعات القبلية التى راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى وحرق القرى وتشريد مئات الأسر.

بعد حرق المنازل السكنية في عمليات القتال الأهلي بمخيم كريندق للنازحين، وأحياء الجبل ومستري وبعض القرى المجاورة لمدينة الجنينة وتهجيرهم قسرا اتخذ النازحون المؤسسات الحكومية وبعض المدارس مراكز للإيواء.

 بحسب منسق شئون النازحين بحكومة الولاية، أحمد شريف، فإن متضرري أحداث مخيم كريندق 1-2-3 والجبل 1-2 وبعض القرى المجاورة يتراوح عددهم ما بين 18 ألف إلى 22 الف أسرة يتوزعون في أكثر 105مركز إيواء داخل مدينة الجنينة.

بعد الانفلات الأمني الذي شهدته المدينة وقتها، اضطر المتضررين من اتخاذ جميع المؤسسات الحكومية من وزارات ومقار المؤسسات الإتحادية والوحدات السكنية لكبار الموظفين في المؤسسات المركزية وبعض المدارس مقارا سكنية تقيهم من ويلات القتال القبلي.

بناية رئاسة محلية الجنينة التي تحولت لمقر سكني تشهد اكتظاظا سكانيا كبيرا في وقت يتراجع فيه اهتمام المنظمات الأجنبية التي كانت تقدم الخدمات الغذائية ومواد الإيواء، حسبما رصدت (عاين).

ويدور جدل واسع في مدينة الجنينة حول خروج النازحين من المؤسسات وعودتهم الى قراهم بعد توقف ديوان عمل الخدمة العامة لأكثر من ثلاث سنوات.

نازحة بمدينة الجنينة: لن أغادر هذا المرفق الحكومي.. وانتظر استتباب الأمن  

تربط النازحة حواء اسحق، عودتها إلى قريتها الأصلية  بفرض الأمن  والاستقرار وتوفير الخدمات الأساسية. وأشارت حواء في مقابلة مع (عاين)، إلى أن المنظمات الأجنبية أصبحت غير مهتمة بهم وقلصت حصتها الغذائية الشهرية ” 5 كورات من الذرة للأسرة الواحدة في الشهر”.

ويعدد شيخ معسكرات النازحين بغرب دارفور داؤود أرباب، شروط النازحين من أجل الخروج من المؤسسات والعودة إلى قراهم. ويقول ارباب لـ(عاين)، إن “اهم شروطهم هو توفير الامن والخدمات بإنشاء ارتكازات عسكرية في مناطق العودة من القوات المشتركة دون مشاركة قوات الدعم السريع، بجانب إعادة اعمار المنازل التي دمرتها الحروبات فضلا عن أبعاد قوات الدعم السريع من الولاية”.

وحول الموقف الغذائي في مراكز الإيواء، يقول أرباب، ان “ماتقوم به المنظمات الأجنبية غير كاف”، ويضيف”مثلا في معسكر ابوذر للنازحين توجد  1778 أسرة لكن المنظمات تقدم الحصة الغذائية فقط ل 1441 أسرة .. هناك أوضاع صعبة تعيشها بعض الأسرة داخل مراكز الإيواء”.

منسق شؤون النازحين: الحكومة رؤيتها غير واضحة في حل قضية النازحين في مراكز الإيواء

“سبب تقليص الحصة الغذائية غير مبرر”. يقول منسق شؤون النازحين احمد شريف، لـ(عاين)، ويضيف: “بعض المنظمات ترجع السبب الى زيادة الكوارث بالولاية واتساع دائرتها الأمر الذي يضاعف أعداد المحتاجين لتقديم الخدمات ولم يستبعد أن تكون هناك تدخلات سياسية أثرت كثيرا على عمل المنظمات”.

ويقول شريف، أن “الحكومة رؤيتها غير واضحة في حل قضية النازحين في مراكز الإيواء”. وتابع “الحكومة ربطت تقديم الخدمات بالعودة الى المناطق التي نزح منها المتضررين وهذا غير ممكن مع استمرار المعارك في مناطق متفرقة وحوادث القتل والنهب التي تشهدها عدة محليات في الولاية”.

ولفت شريف، إلى سوء الأوضاع المعيشية في مراكز الإيواء الأمر الذي أجبر البعض لان يتحولوا إلى متسولين.

يتهم الباحث الإجتماعي، الطيب سليمان، الحكومة بعدم الجدية في وضع حلول جذرية لقضية النازحين بغرب دارفور. ويقول لـ(عاين)، ” النازحين فقدوا الأمن والأمان لذلك عودتهم الى مناطقهم الأساسية في هذه الظروف صعب جدا”.

ولفت سليمان إلى فقدان النازحين الثقة في الحكومة قبل ان يطالب الحكومة المركزية بالتدخل لمعالجة هذه القضية التي أصبحت اكبر من إمكانيات الولاية.

ويصف اوضاع النازحين في مراكز الإيواء بـ”الكارثي وغير الإنساني”. ويقول، ” هذا سجن كبير لاتتوفر فيه ابسط مقومات الحياة.. كيف لأسرة كاملة ان تسكن في مساحة مترين فقط”.

تردي صحي

وفي ما يتعلق بالوضع الصحي، يقول شريف، انه بسبب الاكتظاظ  الكبير أصبح الوضع الصحي سيئ جدا لاسيما العلاجي والوقائي، وأشار إلى أن الماء الصالح للشرب غير متوفر بسبب تراكم الأوساخ، قبل أن من انتشار الأمراض مع توقعات بحدوث كارثة صحية.

ويعتمد النازحون في مراكز الإيواء بشكل رسمي على الخدمات الأساسية التي تقدمها المنظمات الأجنبية بصورة مباشرة في حصص شهرية بجانب رعايتها لخدمات المياه والصحة.

إقرار حكومي

الحكومة المحلية بولاية غرب دارفور، تقر بتدهور الاوضاع المعيشية والصحية بمراكز الايواء وتقول على لسان مفوض العون الانساني بولاية غرب دارفور الصادق محمد سليمان ” الأوضاع في مراكز الإيواء أصبحت حرجة”.

مسؤول حكومي: الأوضاع في مراكز الإيواء أصبحت حرجة ولابد وتأمين الموسم الزراعي حتى نقلل من شبح المجاعة

ويقول المسؤول الحكومي لـ(عاين)، ” من الأهمية بمكان إيجاد مواقع تتوفر فيها مقومات الحياة الانسانية.. ومن الضرورة مقابلة الفجوة الغذائية وتأمين الموسم الزراعي حتى نقلل من شبح المجاعة التي بدأت ملامحها تظهر في الأفق”.

من جانبه، يدافع المدير التنفيذي لمحلية الجنينة، خليل احمد دقرشو، عن جهود حكومته في إطار تحسين البيئة الصحية في مراكز الإيواء. وقال في تصريحات لـ(عاين)، ان محليته نفذت حملة لاصحاح البيئة شملت مراكز الإيواء ومواقع تكدس النفايات وفتح مجاري المياه في الخريف.

وفي ما يتعلق بحماية الموسم الزراعي قال دقرشو شكلنا سبع لجان خارج مدينة الجنينة للتعايش السلمي وحماية الموسم الزراعي في مناطق انجيمي وعيش بره وملي وقوكر وانديته وبردية وهي مناطق نزح بعض مواطنيها الى مراكز الإيواء