التكـايا.. شرايين الحياة تتقطع في الفاشر

عاين – 9 أكتوبر 2025  

تواجه المطابخ المجانية “التكايا” في الفاشر بولاية شمال دارفور غربي السودان، مصاعب كبيرة في الاستمرار في نشاطها، نتيجة شح التمويل وعمليات القصف العشوائي الذي تنفذه قوات الدعم السريع، وباتت تعمل بشكل متقطع، في الوقت الذي يعتمد فيه نحو 95 بالمئة من المواطنين العالقين في المدينة، عليها في معاشهم، الأمر الذي يدفع الكارثة الإنسانية نحو التفاقم.

يقول المتطوع سامي مزمل لـ(عاين): إن “إغلاق المطابخ المجانية سيكون الطامة الكبرى على المواطنين، وسيؤدي إلى توقف الحياة في مدينة الفاشر، الأمر الذي يستدعي تحركاً عاجلاً لإنقاذ حياة آلاف المدنيين العالقين في المدنية.

ووصلت الأوضاع الإنسانية في الفاشر إلى مستوى غير مسبوق من التدهور، إذ تشهد انعدام في العديد الأصناف الغذائية، بينما ارتفعت أسعار السلع المتوفرة منها، وأصبح من الصعب شراؤها حتى على التكايا التي تجمع تبرعات، وذلك أجبر المطابخ المجانية على تقديم وجبة واحدة في اليوم، ولثلاث مرات في الأسبوع، كما أغلقت جميع المراكز التجارية، وأصبح التسوق داخل المنازل.

وبحسب متطوعين، تبقت من 3 – 5 مطابخ مجانية فقط في مدينة الفاشر لم تتوقف، لكنها تعمل بشكل متقطع رغم اعتماد معظم السكان العالقين في طعامهم عليها، وذلك بسبب شح التمويل وغلاء الأسعار، حيث يكلف إعداد وجبة واحدة لعدد 70 أسرة، أكثر من 10 مليون جنيه سوداني، وهي مبالغ طائلة يصعب جمعها.

وتخضع الفاشر إلى حصار شامل من قبل قوات الدعم السريع لأكثر من عام، في محاولة للسيطرة عليها وهي آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور، مما خلف مأساة إنسانية ونزوح السكان إلى محلية طويلة ومناطق أخرى آمنة نسبياً، لكن ما يزال نحو 250 الف مواطن يعيشون في المدنية، بحسب تقديرات منظمات أممية من بينها برنامج الأغذية العالمي.

جوع وخوف

وفي 13 يونيو 2024، اعتمد مجلس الأمن الدولي قراراً يطالب بأن توقف قوات الدعم السريع حصارها للفاشر، ويدعو إلى وقف فوري للقتال وخفض التصعيد في الفاشر ومحيطها وسحب جميع المقاتلين الذين يهددون سلامة وأمن المدنيين. كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في يونيو الماضي إلى هدنة إنسانية لمدة أسبوع في الفاشر، لكن قوات الدعم السريع لم تلتزم بها، واستمرت في الحصار والهجمات على المدينة.

ومع تصاعد وتيرة الهجمات العسكرية، ضاقت خيارات الحياة في الفاشر، حيث أغلقت جميع الأسواق والمراكز التجارية في المدينة وآخرها سوق نيفاشا الذي خرج عن الخدمة الشهر الماضي، بينما بات السكان يقضون كل وقتهم داخل مخابئ في باطن الأرض والمنازل، يحاصرهم الجوع والخوف من القصف العشوائي، وذلك وفق ما نقله لـ(عاين)، علي سليمان، وهو أستاذ جامعي ورئيس مبادرة سواعد البلد الخيرية، ما يزال عالقاً في الفاشر.

سيدة تقف إلى جانب طفل في معسكر أبوشوك بمدينة الفاشر وهي تستعد لعملية نزوح جديدة- مايو 2024

ويقول سليمان: إن “التكايا والمبادرات الخيرية مثل التي يقودها، تواجه مصاعب كبيرة بسبب الغلاء وندرة السلع الغذائية، والقصف المتواصل والذي أصبح يستهدف المطابخ ومراكز الإيواء”.

وتواصل أسعار السلع ارتفاعاً مضطرد، بحسب سليمان، ويكون السعر مضاعفاً حال كان الدفع عن طريق التطبيق المصرفي “بنكك” نظراً لشح السيولة النقدية “الكاش”، حيث بلغ سعر كورة مقدار نصف الربع من الدخن 200 الف جنيه نقداً و400 الف جنيه بنكك، والكورة من ذرة الماريق 180 الف جنيه نقدا، و360 الف بنكك.

ووصل سعر كورة الأمباز 35 الف جنيه نقداً، وزجاجة زيت الطعام 100 الف جنيه نقدا، ورطل السكر 75 الف نقدا، وكيلو الأرز 180 الف نقدا، وكيس المكرونة 80 الف نقدا، وسعر برميل مياه الشرب 20 الف جنيه نقداً، وكورة البلية العدسية 150 الف نقدا، رطل الويكة 75 الف جنيه نقدا، وكيلو العدس 200 الف جنيه نقدا، وفق سليمان.

ويشير سليمان إلى أن التسوق أصبح من داخل المنازل، بعد إغلاق كافة الأسواق والمراكز التجارية وآخرها سوق نيفاشا الذي توقف بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مقر يوناميد، وافتتح السكان مركز تسوق صغير في زلط أبو قرون، لكن توقف عقب استهدافه بقصف مدفعي. ويضيف: “صارت حركة السكان والمتطوعين محدودة، وتكون في أوقات الهدوء حيث يقضون احتياجاتهم سريعا، ويعودون إلى مخابئهم”.

أصبحت حياة سكان الفاشر متوقفة على محلول عصير، أسموه “اقتلني براحة”، وهو السلعة الوحيدة التي تبقت في المتناول

 متطوع

 من جهته، كشف المتحدث باسم النازحين في الفاشر محمد خميس لـ(عاين) أن السلعة الوحيدة التي يستطيع السكان العالقون في المدينة تناولها للبقاء على قيد الحياة هي بدرة محلول عصير، أطلقوا عليه اسم “اقتلني براحة” أي اقتلني ولكن برفق، حيث يتم خلط هذه البدرة التي يسربها البعض إلى المدينة المحاصرة بصعوبة، مع الأمباز وهو بقايا الفول السوداني والسمسم بعد عصرها واستخراج زيتها، ليصبح على هيئة نشاء، وشربها لمرة واحدة في اليوم.

ويقول: “هناك نازحون يقيمون بـ 127 مدرسة في مدينة الفاشر بعد أن جاءوها من معسكر زمزم والمناطق الأخرى التي شهدت معارك في الفترة السابقة، وهم يواجهون ظروفاً قاسية في الحصول على الطعام، كما أن حياتهم مهددة بسبب القصف المدفعي العشوائي والطائرات المسيرة التي تحلق في سماء المدينة طوال الوقت، وتقتل في الناس بشكل يومي”.

 37 طفلاً يتامى لوالدين، عالقين في مركز إيواء في الفاشر، وليس لهم أي معيل، حياتهم مهددة بالجوع والقصف، وفشل متطوعون في إجلائهم

 متحدث باسم النازحين

ويشير إلى وجود 37 طفلاً توفي والداهم خلال الفترة الماضية، وليس لديهم أي شخص يرعاهم، وهم عالقون في مركز إيواء السلام، وتهدد عمليات القصف العشوائي، حيث سعى مع متطوعين لإجلائهم، لكنه لم يحصل على وسيلة مواصلات، وناشد الجهات الحقوقية لإطلاق حملة لإنقاذ حياة هؤلاء الأطفال بإخراجهم من المدينة.

وتابع: “حياة سكان الفاشر مهددة بالجوع والقصف. تحلق المسيرات طوال اليوم، وإذا شاهدت شخصاً واحداً تقصفه، وفي بعض الأحيان تلقي هذه الطائرات ألياف وخيوطاً ودخاناً وأشياء غريبة. نحن نناشد الأمم المتحدة بمساعدتنا وإغاثتنا، حتى لو بالإسقاط الجوي وهو عملية ممكنة، واستطاع الجيش تنفيذه لأكثر من مرة خلال الفترة الأخيرة”.

مغامرات بالأقدام

ومع إحكام الحصار من قوات الدعم السريع على الفاشر، نفدت غالبية السلع الغذائية في المدينة، وباتت الحياة على شفى التوقف الكامل، وعلى إثر ذلك يخرج مواطنون في مغامرات سير على الأقدام إلى مناطق مجاورة بغرض جلب الطعام إلى أسرهم العالقة في الفاشر، لكن معظمهم يقعون في يد مسلحي الدعم السريع، الذين يقتلونهم أو يعتقلونهم بغرض طلب فدية من أولياء أمورهم، وفق ما أفادت به مصادر محلية (عاين).

بدوره، قال رئيس مبادرة الطليعة دارفور في الفاشر سامي مزمل، إن تكيته ظلت تعمل لأكثر من 10 شهور، وما زال مستمراً وسط ظروف أمنية واقتصادية، حيث توجد ندرة وغلاء طاحن في أسعار السلع، فقد بلغ سعر الخروف الواحد ملياري جنيه سوداني، وكذا الحال لبقية السلع، فإعداد وجبة واحدة لعدد 70 أسرة يتطلب أكثر من 10 مليارات جنيه، وذلك أمر صعب على التكايا الصغيرة، أما التكايا الكبيرة، يصلها دعم أكبر، لكنها تعاني.

نازحون في مدينة الفاشر مايو 2024

ويشير مزمل الذي تحدث مع (عاين) إلى وجود نحو 3 – 5 تكايا في الفاشر تعمل بشكل يومي، لكن في بعض الأحيان تخرج عن الخدمة بسبب شح الدعم والظروف الأمنية، حيث يتوقف المطبخ الذي يديره لمدة ثلاثة أيام على التوالي نتيجة نقص التمويل والتدهور الأمني.

ويقول: إن “متطوعي المطابخ المجانية يوصلون الطعام إلى المتعففين والمرضى داخل المنازل، إلى جانب العائلات التي تحضر مباشرة إلى موقع التكية، ويعتمد 95 بالمئة من الأسر العالقة في المدينة بشكل أساسي على التكايا”.

وشدد أن عمليات القصف العشوائي الذي تنفذه قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر أثر في المتطوعين العاملين في المطابخ المجانية، وحركتهم بغرض جلب السلع الغذائية، وقد فقد البعض أرواحهم.

طامة كبرى

وأضاف: “إغلاق التكايا سيكون طامة كبرى وتوقف تاماً للحياة في الفاشر، لكن الأمل يبقى على الخيرين وشباب السودان بالداخل والخارج، فهم على الدوام يرسلون الدعم المالي، وقبل كل ذلك الأمل في العناية الإلهية. وناشد وكالات الأمم المتحدة بالتدخل العاجل وإسقاط مساعدات غذائية للسكان في الفاشر مثلما فعل الجيش مؤخرا في الفرقة السادسة، فالوضع لا يحتمل”.

ورغم صعوبة العمل الطوعي في المدينة، تواصل فئات المجتمع المختلفة في المبادرة والتكافل لمساعدة بعضهم البعض، ضمن جهود لتخفيف وطأة الكارثة الإنسانية التي يعيشونها.

 

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *