نازحو حرب الفاشر.. “نحن في حاجة إلى الغذاء والمأوى والعلاج”

عاين- 9 يونيو 2024

عندما فرّت “حواء إدريس” مغادرة مدينة “الفاشر” بسبب العنف المتصاعد لم تكن تعلم ما الذي سيحدث لها وبناتها الثلاث، في رحلة خروج خطرة من مدينتها التي تحاصرها قوات الدعم السريع، وتكثف بها نيران المدافع الثقيلة بصورة عشوائية ما أسفر عن مقتل أكثر من ألف مدني، وتشريد نصف سكان المدينة- وفقاً لتقديرات لجنة طوارئ الولاية.

وتسبب القتال المحتدم في مدينة “الفاشر” عاصمة ولاية شمال دارفور بين الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة، في مواجهة قوات الدعم السريع في أوضاع إنسانية مأساوية، ونزوح جماعي إلى الولايات والمناطق المجاورة، في ظل انتهاكات كبيرة خاصة في الطرقات والمعابر التي يمر بها النازحون.

وقالت منظمة الهجرة الدولية الأحد الفائت، إن أكثر من 328، و 981 ألف شخص نزحوا من الفاشر بولاية شمال دارفور غربي السودان، جراء القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع خلال الأشهر الثلاثة الماضية دون تحديد وجهاتهم.

وأشارت المنظمة في البيان الذي اطلعت عليه (عاين) إلى أنه خلال يونيو الماضي أبلغت الفرق الميدانية عن زيادة النزوح إلى مواقع جنوبي الفاشر، وكذلك إلى ولايات أخرى في السودان، كما أبلغت عن 10 حوادث صراع في جميع أنحاء شمال دارفور، أدت إلى نزوح ما يقدر بنحو 159 ألفا و325 مدنيا آخرين.

ومنذ العاشر من مايو الماضي تحاصر قوات الدعم السريع مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور الولاية الوحيدة التي تخضع لسيطرة الجيش السوداني بعد ظلت مركزا إنسانيا، وتجمع لمئات الآلاف من النازحين وبعيدة عن دائرة القتال لأكثر من عام، وتسعى لضم الولاية إلى الأربع ولايات الأخرى التي تسيطر عليها.

تضييق في دروب النزوح 

لم يكن هناك خيار أمام “حواء” (44) عاماً، سوى ترك كل ما تملك خلفها، وتغادر مدينة الفاشر، بعد تصاعد عمليات القصف المدفعي المتبادل بجانب هجمات الدعم السريع التي وصفتها -حواء- بالانتقامية وذات الطابع الإثني على الأحياء التي تعتقد أنها تساند الجيش والحركات المسلحة. وبالتوازي مع ذلك يكثف الجيش والحركات المسلحة الأحياء القصف المدفعي والطيران الحربي على الأحياء التي يعتقد أنها تقف إلى جانب قوات الدعم السريع دون مراعاة لوجود المدنيين

وأشارت حواء لـ(عاين): إلى أنه وبعد خروجهم من الفاشر على نحو 30 كم تقريباً اعترضتهم عناصر عسكرية ترتدي زي الدعم السريع احتجزوهم في منطقة تقع شرق جبل مرة، وطالبوهم بدفع فدية مالية (2) مليون جنيه للفرد الواحد أو قتلهم.

وتعين على “حواء” دفع (8) مليون جنيه مقابل إطلاق سراحها وبناتها الثلاث، إلا أن ذلك كان أمراً مستحيلاً لجهة أنها تملك فقط (100) ألف جنيه، مشيرة إلى أن بعض الركاب فاوضوا الخاطفين على دفع مليون جنيه للفرد الواحد، ومنحوهم فرصة التواصل مع أقاربهم الذين ساعدونا على دفع المبلغ، وأخلت المليشيا سبيلنا، وذلك بعد (٦) أيام من الرعب.

نازحو الفاشر بمناطق سيطرة (عبد الواحد)..

وحوّل القتال في الفاشر الوضع الإنساني في دارفور إلى كارثي، وتوقفت الخدمات العلاجية في جميع مدن الإقليم، بعد أن استهدف القصف المدفعي مستشفيات رئيسية،

ورصد مراسل (عاين) عشرات الأسر وهم يستغلون الجرارات والدواب المحملة بالأطفال والنساء في الأسواق والأحياء الطرفية بشكل يومي في طرق المغادرة، بينما تتوجه عشرات الشاحنات المحملة بالعائلات إلى ولاية شرق دارفور، ومنها إلى مدينة “الدبة” شمالاً، وهم يسلكون طرقاً صحراوية وعرة في رحلات تستغرق أسابيع، وكل يوم تتقلص فرص الخروج أو الحصول على العلاج، والمياه والطعام.

وصلت “حنان” إلى مدينة “الضعين” لتنضم إلى نحو (40) ألف فروا من القتال الدائر في ولاية شمال دارفور هم في أشد الحاجة إلى الغذاء والمأوى والعلاج، لافتةً أنه ونتيجة لتدفق النازحين المتزايد على المخيم اضطروا إلى الخروج منه والإقامة في أحد شوارع المدينة، مشيرة أن أسرتها قضت نحو شهرين تحت هذه الظروف القاسية، وهي تفكر في اللجوء  إلى دولة جنوب السودان”

وفي ذات الوقت توجهت مئات العائلات عبر الممر الشمالي إلى مدينة “الدبة” في الولاية الشمالية في رحلة قاسية تستغرق أسبوعين مستقلين الشاحنات والجرارات، فيما لا تزال موجات النزوح العكسي تتواصل بصورة متزايدة إلى مناطق “جبل مرة” التي تخضع لسيطرة حركة جيش تحرير السودان غربي الفاشر، بعد  أن فتحت ممرا  إنسانياً سمح بدخول أكثر من (40) ألف، تقول السلطة المدنية لحركة تحرير السودان إن” أوضاعهم في غاية التعقيد؛ بسبب شح الإمكانيات وغياب التدخل الإنساني.

سيدة تقف إلى جانب طفل في معسكر أبوشوك بمدينة الفاشر وهي تستعد لعملية نزوح جديدة- مايو 2024

وفي خضم الأوضاع الكارثية في شمال دارفور أطلق رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، الخميس الفائت مبادرة تنص إلى جعل مدينة “الفاشر” منطقة منزوعة السلاح، ومركزاً للعمليات الإنسانية بعد خروج طرفي الصراع منها، وأن تقوم حركته بحماية المدنيين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى دارفور وكردفان وولايتي الجزيرة وسنار وسط السودان، إلا أن أطراف الصراع التي لم تبد تجاوباً حيال المبادرة

ونقل عمال إغاثة في مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور لـ(عاين)، أن تصاعد حدة العنف في شمال دارفور، فاقم الأوضاع الإنسانية في شرق دارفور، وذلك بعد فرار نحو (39) ألف مدني وصلوا محليتي شعيرية والضعين خلال الأسابيع الماضية.

ووفقاً لمسؤول محلي بمدينة الضعين، اشترط عدم ذكر اسمه لـ(عاين)، إن النازحين جرى توزيعهم في مخيمات النمر، النيم، لقاوة، إلى جانب مراكز الإيواء المؤقتة في المدارس داخل المدينة، مؤكداً استمرار تدفقات الأسر بشكل يومي إلى مدن شرق دارفور لموقعها المتاخم إلى دولة جنوب السودان، ولفت المسؤول المحلي إلى الترتيب لإنشاء مخيم المنار الذي تم إنشاؤه مؤخرا غرب المدينة.