الحصار يشتد على آلاف المدنيين بمدينة الفاشر
عاين- 1 يونيو 2024
تحت وطأة دوي المعارك والقصف المتبادل، يعيش آلاف المدنيين في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، أيام عصيبة وموجات نزوح تكاد لا تتوقف، وسط مخاوف أن تؤدي المواجهات إلى جولة جديدة من العنف وإراقة الدماء بدوافع عرقية، على نسق أحداث العنف التي شهدتها مدينة “الجنينة” وبلدة “اردمتا” بولاية غرب دارفور في الفترة من يونيو وحتى نوفمبر من العام الماضي.
ومنذ العاشر من مايو الفائت، تشتد حدة المعارك بين الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه، ضد قوات الدعم السريع في المدينة التاريخية المهمة بدارفور، حيث لم يتوقف القصف المدفعي عن أحياء المدينة، بالتوازي مع غارات جوية في عدة مناطق في محاولة لصد هجمات قوات الدعم السريع التي تفرض حصاراً على المدينة منذ أبريل الماضي.
قتلى ومصابين سقطوا على مدى أسبوعين من المواجهات، في وقت لا توجد إحصائية دقيقة لعدد الضحايا، قالت منظمة أطباء بلا حدود التي تقدم خدمات علاجية في المستشفى الجنوبي إن القتال خلّف أكثر من (130) قتيلا، ونحو ألف مصاب – فيما تعتقد عدة جهات أن أعداد الضحايا أعلى من ذلك بكثير، وأن هذا العدد يمثل أولئك الذين استطاعوا أن يجدوا طريقا إلى المستشفى الجنوبي في المنطقة الوجهة الوحيدة لاستقبال المصابين.
وتسعى قوات الدعم السريع إلى ضم مدينة الفاشر بعد أن أحكمت سيطرتها على الأربع ولايات الأخرى، فيما تقاتل الحركات المسلحة للمحافظة على المدينة ذات الدلالة التاريخية لنشأة الحركات والعاصمة التاريخية لإقليم دارفور، فيما يقاتل الجيش للمحافظة على قاعدته العسكرية الوحيدة المتبقية في الإقليم.
ويقول الجيش السوداني إن قواته بسطت سيطرتها على المدينة، وأبعدت قوات الدعم السريع خارج حدودها الشرقية، تقول في الوقت ذاته قواتُ الدعم السريع إنها نجحت في التصدي لهجمات من الجيش على قواتها في مدينة الفاشر.
مخاوف وتسليح
وتسود مخاوف من أن تؤدي المواجهات إلى جولة جديدة من العنف وإراقة الدماء بدوافع عرقية، خاصة بعد تمدد القتال إلى مخيمات النازحين وانخراط مئات النازحين في القتال بعد تسليحهم من قبل الحركات المسلحة بدواعي الدفاع عن المدينة.
وفي هذا الشأن لم يستبعد مسؤول سابق في حكومة شمال دارفور في حديثه لـ(عاين)، من أن تؤدي عملية تسليح النازحين إلى تكرار مجازر مدينة الجنينة وبلدة “اردمتا” بعد أن تحول الصراع بين الطرفين إلى عنف أهلي دامي بين المجموعات العربية والمساليت أودى بحياة نحو (15) ألف مدنياً من قبيلة المساليت ذات الأغلبية في الولاية وفقا لمنظمات حقوقية حملت المسؤولية لقوات الدعم السريع وحلفائها وقتها.
ويقول خميس علي (41) عاماً الذي يسكن حي العظمة في مدينة الفاشر، أن “الأوضاع في المدينة باتت صعبة للغاية بسبب قصف مدفعي متبادل ويقع داخل الأحياء السكنية والمنازل، في وقت يصعب التحرك نحو المستشفيات وتوجد صعوبة في الحصول على الضروريات الماء والغذاء بالاضافة إلى غلاء في الأسعار وانتشار كبير للسلاح”.
ويضيف خميس في مقابلة مع (عاين): إن “الخوف من ردود الفعل على أساس إثني باتت أقرب من أي وقت مضى مما دفع المواطنين إلى النزوح إلى مناطق جبل مرة، والكُومة، وكبكابية، وشقرا.
وإزاء ذلك، يرى اللواء شرطة متقاعد علي محمد إيدام، أن المخاوف بدأت تتزايد يوماً بعد يوم من تحول القتال الدائر في مدينة الفاشر إلى قتال اثني بدلاً من قتال بين قوات عسكرية، ويعود ذلك إلى التكوين القبلي لقوات الحركات المسلحة التي تقاتل للدفاع عن مكوناتها الاجتماعية، وبنفس القدر التكوين الإثني لقوات الدعم السريع التي تسعى للسيطرة على المدينة.
ويشير إيدام خلال حديثه لـ(عاين)، إلى أن تقديرات الحركات المسلحة التخلي عن الحياد ودخول القتال إلى جانب الجيش في الوقت الحالي خطوة غير محسوبة، سيدفع ثمنها المدنيين في دارفور، مشددا على ضرورة تحمل الحركات المسؤولية الكاملة في إراقة الدماء والجوع والنزوح التي تشهدها المدينة.
ومع سعي “الدعم السريع” للسيطرة على المدينة الوحيدة المتبقية في إقليم دارفور خارج سيطرتها، تلاحقها اتهامات بتعمد استهداف المدينة المأهولة بالسكان بالمدافع الثقيلة من الخارج، بعد أن تمكن الجيش والقوة المشتركة من الحركات المسلحة من السيطرة على وسط المدينة.
ولأول مرة منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل الماضي يستهدف الطيران الحربي وسط المدينة التي تأوي أكثر من مليون مدني معظمهم من النازحين وضحايا حرب دارفور، وتمددت دائرة المواجهات لتصل مخيمات النازحين داخل المدينة، مما زاد سقف المخاطر التي تنتظر سكان المدينة.
رحلات نزوح عكسية
وأجبرت المعارك آلاف النازحين القدامى بسبب حرب دارفور في العام 2003 على رحلات نزوح جديدة من الفاشر إلى مناطق جبل مرة التي تخضع لسيطرة حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، فيما قرر النازحون الجدد العودة العكسية إلى ديارهم في مدن نيالا، الضعين وزالنجي التي تقع ضمن سيطرة قوات الدعم السريع.
ويشير عضو لجنة طوارئ مدينة الفاشر محمد أبكر في تصريح لـ(عاين)، إلى أن المواجهات بين الطرفين أخذت ابعادًا خطيرة في مدينة الفاشر بعد أن حولت الحركات المسلحة مخيمات النازحين في المدينة إلى منصات قتالية، ونشرت مقاتلين حول مخيمات للنازحين، علاوة على تسليح مئات النازحين للانخراط في صفوف المقاومة، الأمر الذي وضع المخيمات أهدافاً عسكرية لقوات الدعم السريع التي تسعى للسيطرة على المدينة.
مخيم “أبو شوك” الذي يؤوي نحو (256) الف نازح تعرض إلى هجمات عنيفة وقصف مدفعي أدى إلى مقتل نحو (19) مدنياً معظمهم من نازحي حرب دارفور بجانب عشرات الجرحى وتدمير وتخريب عدد من المنازل والأماكن التجارية، وفي خطوة مماثلة شهد مخيم “نيفاشا” اشتباكات مباشرة بين الطرفين تسببت في مقتل (9) مدنيين معظمهم من النساء وإصابة ثمانية آخرين أثناء دخول المواجهات محيط مخيم “نيفاشا” للنازحين شمال المدينة الخميس الماضي.
وفي تصريح لـ(عاين)، حذر الناطق الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور، آدم رجال، من عواقب كارثية للقصف المتعمد والمتكرر من الطرفين على المخيمات خاصة مخيمي نيفاشا، وأبوشوك التي أصبحت مرمى نيران، واصفاً ذلك بالعقاب الجماعي ضد النازحين وانتهاكا خطيراً للقانون الدولي والإنساني، وكافة معاهدات حقوق الإنسان الدولية.
ولفت رجال، إلى وصول عشرات المئات من الأسر النازحة من مخيمات زمزم وأبو شوك ونيفاشا إلى مناطق طويلة وشمال وشرق جبل مرة تحت ظروف أمنية وإنسانية قاسية.
قصف جوي
ومع اشتداد وتيرة هجمات الدعم السريع على مدينة الفاشر، يكثف الطيران الحربي التابع للجيش ضرباته الجوية على المناطق التي تمثل حواضن اجتماعية للقبائل العربية المساندة للدعم السريع، وذلك في محاولة لوقف حملات الاستنفار والتعبئة لحشد المقاتلين في الفاشر.
والخميس الماضي، شن الطيران الحربي غارات جوية على مدينة كبكابية التي تبعد نحو 130 كيلومتراً غرب الفاشر أدت إلى مقتل (6) مدنيين من بينهم (4) أطفال، وذلك أثناء استهدف مباني سكنية وفقاً لرواية شهود عيان لـ(عاين)، كما قصف الطيران مدن “كتم” وكبكابية والكُومة، التي تمثل حواضن اجتماعية لقوات الدعم السريع، وأجبرت الهجمات المدنيين على الفرار من المدن والنزوح إلى الريف.
ووصف الخبير العسكري ايدام التطورات الأمنية في مدينة الفاشر بالمشابهة للأحداث التي شهدها مدينة نيالا في الأشهر الأولى من الحرب إذ تقوم قوات الدعم السريع بمهاجمة تمركزات الجيش داخل المدينة، ويرد الجيش وبين الهجوم وصده يسقط عشرات القتلى من المدنيين وتدمير ونهب المدينة.
تهديد قطاع الصحة
ومع توسع دائرة القصف المدفعي على المدينة أصبح المستشفى الجنوبي -الوحيد الذي يستقبل المصابين- مهدداً بالخروج عن الخدمة بعد أن تعرض للقصف المباشر “الجمعة” تسبب في مقتل (2) من المرافقين وإصابة عشرة آخرين.
ويقول خالد ابكر، وهو أحد الكوادر الطبية المتطوعين بمستشفى الفاشر إن “اعداد المصابين في تزايد كبير في حين الطاقة الاستيعابية للمستشفى تراجعت بشكل كبير .. معظم المصابين يموتون بسبب عدم تلقي الجرعات الضرورية خاصة المحاليل الوريدية والمعقمات”. وأضاف خالد لـ(عاين): أن “معظم الحالات التي تصل المستشفيات نتيجة الإصابة بالأجسام المتفجرة التي تتساقط بصورة عشوائية على الأحياء السكنية”.
في الأثناء، أطلقت الكوادر الطبية بمستشفى جنوبي مدينة الفاشر نداء استغاثة أن المستشفى في حاجة عاجلة لكوادر طبية وكوادر مساعدة، لمواجهة الأعداد الكبيرة للمصابين وأن الحالات التي تصل المستشفى فوق طاقت الكوادر الموجودة، علاوة النقص الحاد في أدوية الطوارئ.
ومع توسع دائرة المواجهات تتزايد فجوة الغذاء وحاجة الناس إلى مياه الشرب بعد توقف معظم محطات المياه التي تعتمد بشكل أساسي على الجازولين الذي تجاوزت أسعاره مليون ومائتي جنيه للبرميل الواحد، فيما تجاوزت أسعار الذرة والدخن ودقيق القمح ثلاثة أضعاف أسعارها قبل أسبوع من حصار المدينة وفق متابعات مراسل (عاين).