الفاشر.. “قطعة من الجحيم” وسط رتل من القوات والعتاد

عاين- 4 سبتمبر 2024

بسبب هجوم الدعم السريع على المناطق الغربية في شمال دارفور لا يحصل المواطنون في الفاشر على الخضروات والفواكه منذ ثلاثة أشهر حيث تشرد المزارعون من حقولهم، وتحولوا إلى نازحين في الفاشر ومحلية طويلة.

من منطقة الشقرة المعروفة بخصوبة الأراضي الزراعية وموارد المياه العذبة، مرورا بمحلية مالحة درجت الشاحنات على جلب الخضروات والفواكه إلى الفاشر ومدن الولاية في الشهور الأخيرة تحولت هذه البلدات إلى تجمعات عسكرية وخطوط إمداد لقوات الدعم السريع، ويُشاهد بوضوح آثار القصف على منازل مدمرة ومبعثرة المحتويات.

يقول عمر إبراهيم من الفاشر لـ(عاين): أن “الناس يفضلون عدم السؤال عن شحنات الطماطم والخضروات؛ لأنهم يعملون الطرق المغلقة، لقد حدث انفراج في دخول القوافل التجارية والمساعدات التي تحمل الدقيق والسكر والعدس والزيت في ذات الوقت لا توجد سيولة نقدية”.

تشريد مزارعي الخضر

في مايو الماضي شنت قوات الدعم السريع هجوما عسكريا عنيفا على قرى تقع غربي مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وشردت ما لا يقل عن 30 ألف شخص أغلبهم مزارعون ريفيون يعملون في فلاحة الأرض من مياه الآبار والأمطار وشبكات الري الانسيابي في بعض المشاريع من بينها المالحة.

ويقول أحمد كرشوم المتعامل بقطاع التجارة في شمال دارفور  لـ(عاين): إن “الخضروات والفواكه لا تصل إلى الفاشر نتيجة شهور من الصراع المسلح بين الجيش والدعم السريع لا يستطيع أحد المغامرة وجلب الشاحنات إلى هنا.. حاول البعض توفير بعض الخضروات بما في ذلك الطماطم من مدينة الدبة بالولاية الشمالية إلى الفاشر وهناك طريق ترابي صحراوي يربط بينهما، لكن هذه العملية غير مأمونة العواقب”.

سيدة تقف إلى جانب طفل في معسكر أبوشوك بمدينة الفاشر وهي تستعد لعملية نزوح جديدة- مايو 2024

كما تعتبر منطقة شقرة مركز منابع المياه العذبة التي تغذي الفاشر فيما أصبح الخزان الرئيسي وصولا إلى منطقة قولو معطلا؛ بسبب انتشار قوات الدعم السريع وتراجع الجيش السوداني إلى الفاشر متحصنًا بالحامية العسكرية وخسارة مساحة تشكل ثلث الفاشر.

ويلاحظ السكان بوضوح تسليح مجموعات جديدة للمتطوعين في القتال داخل الفاشر لخوض المعارك المحتملة ضد قوات الدعم السريع، ويعزز التحالف بين حركتي مناوي وجبريل إبراهيم الموقعتين على اتفاق السلام مع الحكومة المركزية من موقف الجيش السوداني في ولاية شمال دارفور التي تعتبر آخر قلاعه في الإقليم.

تحولت الفاشر إلى “قطعة من الجحيم” وفقا لوصف الناشط الإنساني عمر إبراهيم؛ بسبب الحصار المحكم. ومنذ ثلاثة أشهر لم يتذوق الناس طعم الخضروات، ولم تعرض الشحنات القادمة من شقرة وقولو على أرصفة الأسواق المدينة.

ويقول إبراهيم لـ(عاين): إن “الخضروات والفواكه كانت تصل إلى الفاشر من مشروع أم بياضة في محلية مالحة بولاية شمال دارفور، وكل الشحنات القادمة توقفت بسبب سيطرة الدعم السريع على الطرق البرية”.

وأضاف: “المزارعون يخشون مصادرة الشاحنات التي تنقل الخضروات بواسطة الدعم السريع أو العصابات المسلحة المنتشرة في الولاية؛ لأن المنطقة الآمنة نسبيا قد تكون قليلة مقارنة مع توسع رقعة التدهور الأمني”.

مقايضة السلع

مع استمرار معاناة المواطنين بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور تطل أزمة السيولة النقدية برأسها على السكان، بينما يضطر التجار في قطاع السلع التموينية إلى المقايضة.

وقال عبد الرحمن وهو من سكان الفاشر لـ(عاين): إن “أزمة السيولة النقدية من الطبيعي أن تحدث في ظل الواقع المرير وصعوبة تعامل القطاع المصرفي مع عمليات تداول نقل النقود في ظل الاشتباكات العسكرية أو القصف المدفعي ما يعني توقف الأسواق والدورة المالية بين الأسواق والمصارف”.

يتبادل التجار  بالفاشر السلع الرئيسية مثل السكر والزيت والعدس لعدم توفر السيولة النقدية

ويقول عبد الرحمن، إن “الناس عندما يحصلون على الأوراق النقدية يحرصون على عدم إنفاقها بسهولة، وفي بعض الأحيان تدخر للحالات الطارئة فيما يلجأ بعض الناس من تتوفر لديهم خدمة الإنترنت إلى دفع قيمة المشتريات عن طريق الدفع الإلكتروني”.

ويرى عبد الرحمن، أن أزمة الكاش تعني أن التداول النقدي شحيح، وفي نطاق ضيق؛ لأن الطرق مقفلة بسبب حصار الدعم السريع والمصارف لا تستطيع المغامرة بالاحتفاظ بالكتلة النقدية في الخزائن تجنبا لنهبها إذا سيطرت الدعم السريع على المدنية مع التهديدات المستمرة من هذه القوات. ومع تدهور الوضع الأمني تلجأ المصارف إلى تقليص نطاق العمل، أو من الصعب نقل صناديق النقود داخل المدينة.

ويقول عبد الرحمن، إن “المقايضة موجودة في الفاشر لبعض السلع لحل المشكلة وعدم الانتظار خاصة في شراء الغذاء والأدوية.

وأضاف: “تجار السلع التموينية يقايضون السكر مثلا مقابل زيت الطعام لتعذر الدفع النقدي، بينما يضع المتعاملون في خدمة الدفع الإلكتروني نسبة تتراوح بين 20% إلى 30% للخصم أي مقابل مائة ألف جنيه عن الطريق الدفع الإكتروني تحصل على 80 ألف جنيه”.

وتعرضت الفاشر إلى حصار متطاول من قوات الدعم السريع من اتجاهين على الأقل وقطع الطريق أمام القوافل التجارية منذ مايو الماضي، وما زال الوضع مرشحًا للتصعيد العسكري.

وأدت المعارك العسكرية في مدينة الفاشر بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى نزوح 300 ألف شخص ومقتل 700 من المدنيين وإصابة 3 آلاف شخص ولم تفلح قرارات مجلس الأمن الدولي في يونيو الماضي في خفض التصعيد العسكري.