إعدام الأشجار في حرب الخرطوم

عاين- 1 يوليو 2024

يتحسر محمود عبد الحليم، أحد سكان ضاحية الكلاكلة جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم على قطع شجرة ضخمة يقارب عمرها الـ(50) عاماً من قبل أحد المواطنين وبيعها حطب للوقود الذي يستخدم في المنطقة بكثافة كبدائل للطبخ لانعدام التيار الكهربائي وغاز الطهو.

وإلى جانب القطع الجائر للأشجار،  ماتت العديد من الأشجار نتيجة العطش بعد تعطل شبكات المياه جنوبي العاصمة نتيجة المعارك.

مصدر غضب محمود عبد الحليم- اسم مستعار- وهو خريج الهندسة الزراعية، على القطع الجائرة للشجرة العملاقة في حيه هو أنها “ذات تاريخ، وظلت تأوي السكان في فترات الصيف حيث ظل الكثيرون يلجأون للاستظلال بظلها لكبر حجمها”.

 وأشار محمود، في مقابلة مع (عاين)، إلى أن المواطنين تفاجأوا بقطعها بالكامل دون محاولة الاستفادة من بعض فروعها والإبقاء على حياتها لقيمتها البيئية الكبيرة وارتباط سكان المنطقة بها ودورها الاجتماعي في لم شمل الجيران.

مناطق جنوب الخرطوم هي مثل غيرها من المناطق التي استخدم عدد من سكانها قطع الأشجار للحصول على عائد مادي ببيعها كحطب للوقود للمخابز (البلدية) التي تعمل في صنع الخبز، أو تصنيع الفحم بعد لجوء أعداد من المواطنين في إعداد (كمائن) لتصنيع الفحم.

وعقب سيطرة قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني على التصنيع الحربي (اليرموك) استولت على منطقة (المستودعات) وهي منطقة مستودعات الوقود، ومن ضمنها مستودعات الغاز.

وكذلك، تمت استباحة المنطقة ونهب (أنابيب الغاز) وبعدها بفترة انعدمت أسطوانات غاز الطهي وهو الأمر الذي زاد الحاجة إلى استخدام بدائل، فكان الفحم والحطب هما الخياران بسبب عدم إمكانية استخدام (الهيترات) وأدوات الكهرباء لانقطاع التيار الكهربائي، وبذلك أصبحت الأشجار هي مصدر التنافس بين من يتجهون إلى كسب عيشهم من قطعها الجائر.

سخط من الظاهرة:

 يبدي وليد مهدي، غضبه الشديد من قطع مجهولين لشجرتين كبيرتين امتد عمرهما لنحو عشرين عاماً من أمام منزلهم جنوبي الخرطوم.

ويقول مهدي- اسم مستعار- لـ(عاين): “ما يؤسفني هو قطع الشجرتين من جذورهما بعد مغادرة أسرته مضطرة للمنزل بسبب الحرب”. ويتابع “عندما عدنا وجدنا المأوى الذي كان يلم شملنا والجيران في فصل الصيف قد أزيل تماماً، حيث لم يعمل من قام أو قاموا بذلك على قطع الفروع فقط لتمكين الشجرة من البقاء والإنبات مجدداً، ولكنهم عملوا على إعدامها.”

وأفاد (ا.ع) الذي فضل الإشارة إلى اسمه بالأحرف الأولى وهو عامل في تصنيع الفحم (عاين) اليوم، إنه لجأ إلى هذا العمل بعد فقدانه لوظيفته؛ ومن ثم راتبه الشهري، بعد اندلاع الحرب، وبعد إيقاف المرتبات كان ابنه الذي يعمل في إحدى الشركات خارج الخرطوم يحول له ما يعينه على العيش شهرياً، وأن الظروف اضطرت ابنه للسفر خارج السودان، وبعدها توقفت التحويلات النقدية؛ مما جعله في حوجة للعمل، فبدأ بمجال تصنيع الفحم من قطع الأشجار.

سيدة سودانية تحمل حطب الوقود بدارفور

ويشير (ا.ع) إلى أنه ولضعف العائد من الفحم بعد توفر التيار الكهربائي الذي يعتمد عليه السكان في مناطق الحرب في طهي الطعام وغيره باستخدام (الهيترات) وما عداها من الأدوات الكهربائية، حول نشاطه من تصنيع الفحم لبيع الحطب كوقود للمخابز البلدية، ولفت إلى أنه رغم أن العائد أفضل في بيع الحطب، غير أنهم يعانون استغلال بعض أصحاب المخابز الذين يشترون الحطب بعد تقليل قيمته، ومثل لذلك بأنه اضطر مؤخراً لبيع حطب تزيد قيمته عن (١٢٠) ألف جنيه بمبلغ (٦٠) ألف جنيه فقط لأن صاحب المخبز رفض زيادة المبلغ، ولم يكن أمامه خيار آخر غير البيع لحاجته الماسة للنقود.

وحول قطع الأشجار من الجذور أوضح (ا ع) إن لأصحاب المخابز دوراً في ذلك حيث يقللون القيمة المادية للحطب، فيضطر عدد ممن يعملون في بيع الحطب على قطع الأشجار من الجذور لزيادة (الكتل) والحطب؛ ومن ثم زيادة العائد المالي دون مراعاة للفوائد البيئية للأشجار وفائدتها للسكان.

انتقاد ومناشدة:

وانتقد (أ ع) سلوك العديد من العاملين في مجال بيع الحطب والفحم الذين يقطعون الأشجار من الجذور، ونوه بأنه يجد في طريقه في أثناء بحثه عن الأشجار الكثير منها مقطوعة الجذور، ونبه إلى أن أغلب الأشجار المقطوعة من الجذور هي داخل أو خارج المنازل الخالية من السكان، بعد اضطرار أهلها لمغادرتها بعد اندلاع الحرب.

وأضاف أن سلوك القطع الجائر للأشجار مضر ويؤلمه كثيراً، وأنه يتجنب قطع الأشجار من الجذور، ويعمل على قطع الأفرع الكبيرة بطريقة تسمح بإنباتها مجدداً وعودتها إلى الحياة كمورد متجدد، ودعا من يفعلون ذلك إلى ترك القطع الجائر للأشجار، حتى لا يكونوا أعداء للبيئة.

مبادرة سقيا الأشجار:

لم يكن القطع الجائر وحده هو سبب إزالة الكثير من الأشجار وموتها، بل كان لأثر انقطاع المياه الملازم لانقطاع التيار الكهربائي لعدة أشهر الدور الأبرز في موت الكثير من الأشجار، وبينها الأشجار المثمرة مثل (الليمون، الجوافة) التي جفت تماماً نتيجة العطش.

إعدام الأشجار في حرب الخرطوم
شجرة ليمون لا يزال هناك امل في إعادتها للحياة وتستمر جهود سقياها

ورغم المصاعب الكبيرة التي واجهت سكان مناطق الحرب جنوب الخرطوم في توفير المياه؛ مما جعلهم يضطرون لجلبها من مسافات بعيدة تقارب الكيلو متراً، إلا أن بعضهم قاد مبادرات لسقيا الأشجار لإعادتها للحياة، ونجحت تلك المبادرات في إنقاذ الكثير من الأشجار.

وقال (م ش) إن منظر الأشجار وتحولها من الخضرة والنضار إلى الذبول والاصفرار، جعلهم يقودون مبادرة في إحدى مناطق جنوب الخرطوم لسقيا الأشجار، وتمكنوا من ري العديد منها داخل وخارج منازل المواطنين مرات عديدة، وأفاد أن تلك المبادرة أدت إلى إنقاذ العديد من الأشجار التي عادت إلى الحياة.

وإزاء هذا الواقع يبقى المجال مفتوحاً أمام خبراء البيئة والمختصين والمهتمين لإطلاق المبادرات للمحافظة على الغطاء النباتي، خاصة أن مثل هذه المبادرات ستجد من يستجيب لها في ظل وجود بعض من ينشطون في المحافظة على البيئة للحفاظ على ما تبقى من أشجار، بل وتشجيع الزراعة لأشجار الظل والثمار.