إسلاميو السودان.. عودة عبر مناهج التعليم

 عاين- 13 ديسمبر 2025

في الوقت الذي دفعت فيه حرب السودان ملايين التلاميذ إلى خارج أسوار المدارس التي تحول بعضها إلى ثكنات عسكرية ومراكز إيواء نازحي الحرب، يدور جدل واسع بعد قرار وزارة التربية والتعليم في الحكومة الموالية للجيش بتشكيل لجنة عليا لمراجعة مناهج التعليم واعتمادها وثيقة المناهج لعام 2013 التي أعدها نظام الرئيس المعزول عمر البشير.

الوثيقة المقترحة من قبل اللجنة الحكومية تقول إنها “تستند في بنائها على مرجعيات أساسية تشريعية وقانونية وتربوية، أبرزها القرآن الكريم والسنة النبوية، ودستور السودان لعام 2005”.

ومنذ إقرارها، أثارت وثيقة مناهج 2013 جدلاً واسعًا في الساحة السودانية، لما اعتبره خبراء تربويون أنها امتداد للمشروع الأيديولوجي لحكم الإسلاميين، ووصفتها لجنة المعلمين السودانيين بأنها استمرار لمشروع أيديولوجي مُسيَّس هدفه تحويل المدارس إلى منصات للتلقين، مؤكدة أن اللجنة الحالية تفتقر إلى الحياد والشرعية والتوافق الوطني المطلوب لإنجاز مشروع بهذا الحجم.

تتكوّن اللجنة الحالية وفقا – للجنة المعلمين السودانيين- في معظمها من عناصر تنتمي إلى المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، ومن بينهم من كان على رأس المركز القومي للمناهج عند إعداد وثيقة ٢٠١٣. وعليه، فهم لا يملكون الحياد المطلوب لمهمة تتعلق بمستقبل التعليم وأجياله.

يدافع مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي، معاوية قشي، عن الخطوات الأخيرة حول تطوير المناهج، ويقول في مقابلة مع (عاين): “اللجنة لم تقل إنها ستعود إلى وثيقة 2013 لأنها أصلاً هي الوثيقة المطبقة حالياً في المناهج، وهي نتاج المؤتمر القومي الثالث للتعليم الذي لم يُعقد بعده مؤتمر آخر ليغيرها”.

محاولة الرجوع إلى تسييس التعليم وإدخاله ضمن الصراع السياسي لكسب التعاطف والتأييد أمر خطير

رئيس لجنة المعلمين، علي عبيدة

ويتابع: “نحن قلنا بالضبط أن الوثيقة تصلح كقاعدة لتطوير المناهج. الوثيقة أُعدت بمهنية عالية، وشارك فيها عدد كبير من أميز خبراء التربية والتعليم في البلاد، وواكبت أحدث ما وصل إليه العلم التربوي متخذة مدخل المعايير كمدخل للمناهج. فقد فصلت الوثيقة معايير المنهج والمعلم واستراتيجيات التدريس والتقويم والبيئة المدرسية والإدارة التربوية.”

 وترفض لجنة المعلمين السودانيين، اعتماد وثيقة 2013 أساساً لعملية التطوير التعليمي، مؤكدة أن الظروف الراهنة في البلاد لا تسمح بإجراء عملية تطوير حقيقية للمناهج، وأن أي سلطة أمر واقع تفتقر إلى الشرعية والتوافق الوطني لاتخاذ قرارات جذرية بهذا الحجم.

معلمة داخل فصل دراسي في العاصمة السودانية الخرطوم- ارشيف

ويشير رئيس لجنة المعلمين، علي عبيدة، في مقابلة مع (عاين)، إلى أن تطوير التعليم هو مبدأ تربوي سليم، لكن التعليم يحتاج إلى إصلاح شامل لمعالجة قصوره في خلق أجيال قادرة على التفكير السليم، وخلق ثقافة قبول الآخر وإرساء دعائم التعايش السلمي، وخلق الوجدان المشترك بين أبناء الوطن الواحد.

يقول عبيدة: “الأوضاع الحالية في السودان وصلت إلى مرحلة الأزمة التعليمية وهي مرحلة تهدد بقاء التعليم بكافة مجالاته، وليس المناهج فقط. ونحن نرى أن الحديث عن المناهج (المقررات الدراسية) بمعزل عن بقية مكونات العملية التعليمية (أوضاع المعلمين، أوضاع الطلاب، البيئة المدرسية) يقود إلى تفاقم الأزمة وليس حلها.”

يضيف عبيدة: “المنهج المعتمد في ألفين وثلاثة عشر يعتمد على مرتكزات أيديولوجية واضحة تم الزج بها في المقررات الدراسية والشواهد كثيرة… ومن الخطورة بمكان في ظل الأوضاع الحالية محاولة الرجوع إلى تسييس التعليم (إدخاله ضمن الصراع السياسي) لكسب التعاطف والتأييد… فلسفة التعليم في عهد النظام السابق كانت إعادة صياغة الإنسان السوداني.”

 غاية التعليم في السودان هي تأكيد الهوية الإسلامية والمناهج قائمة على فكر الإخوان المسلمين وضعيفة علمياً

مدير المناهج السابق، عمر القراي

وأكد عبيدة، أن اللجنة الحالية تم تكوينها في ظل أوضاع سياسية الواضح فيها عودة النظام السابق، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الإدارات التعليمية في المحليات وكذلك من سرعة محاولة هدم ما أُنْجِز في الفترة الانتقالية من إصلاحات في التعليم. وشددت اللجنة على رفضها الكامل لعودة مناهج النظام السابق، ووصفت وثيقة ألفين وثلاثة عشر بأنها لا تستجيب لمعايير التعليم الحديثة، وتعتمد على الحفظ والإقصاء، ولا تراعي التنوع الثقافي واللغوي في السودان.

غاية التعليم.. هوية إسلامية

 يرى مدير مركز المناهج والبحث التربوي السابق، في فترة الحكومة الانتقالية، د. عمر القراي، أن الوثيقة الأساسية التي وضعتها حكومة البشير عام 1990، والتي ألغت وثائق بخت الرضا، حددت أن غاية التعليم هي تأكيد الهوية الإسلامية مع ذكر تفاصيل أخرى اعتمدوا عليها في وضع المناهج القائمة على فكر الإخوان المسلمين والضعيفة علمياً. ما استدعى وثيقة ألفين وثلاثة عشر التي يريدون الرجوع إليها هو رفض منظمة اليونسيف المساهمة في طباعة الكتب بحجة أنها غير حساسة تجاه المرأة وحقوق الإنسان.”

ويضيف القراي في مقابلة مع عاين: أن “التعديل الذي حدث كان شكلياً، أدخلوا أسماء نساء لأول مرة، وتحدثوا عن مبادئ العدل والشورى، لكنهم أبقوا على ما عدا ذلك من وثيقة التمكين الأولى.” ويخلص القراي إلى أن” وثيقة 2013 لا تصلح وهي تقوم على فكر الإخوان المسلمين.

مدرسة في العاصمة الخرطوم- ارشيف

شهدت المناهج التعليمية في السودان، منذ ثورة ديسمبر 2018 وبداية الفترة الانتقالية، محاولات عديدة لإصلاح وتغيير ما اعتُبر “إرثاً أدلجياً” للنظام السابق، لكن هذه المحاولات واجهة تجاذبات سياسية واجتماعية حادة. بعد إقرار لجنة المناهج التي كلفها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك بقيادة د. عمر القراي تعديلات خاصة في مادتي التربية الدينية والتاريخ، الأمر الذي اضطر  رئيس الوزراء وقتها بتجميد العمل بالتعديلات المقترحة، ما أدى إلى استقالة مدير المركز القومي للمناهج وقتها د. عمر القراي.

تعليم الطوارئ

“الملايين من الأطفال أصبحوا خارج النظام التعليمي، وهذا يتطلب تحولاً عاجلاً في فلسفة المنهج إلى التعليم في حالات الطوارئ والتعليم البديل.” يقول الخبير التربوي محجوب محمد لـ(عاين). ويضيف: المنهج (كما هو مطبق) قاصراً عن توفير محتوى يركز صراحةً على تعليم السلام ومهارات حل النزاعات وتعزيز التسامح والتعايش بين المكونات المختلفة، وهي مهارات وجودية ضرورية للمتعلم السوداني في الوقت الراهن.” كما يشير إلى تآكل الكادر البشري وعدم إمكانية تحقيق “معايير المعلم” مع تدني الرواتب وهجرة الكفاءات.

بالرغم من أن الوثيقة تشير إلى “حوسبة محتوى المنهج”، إلا أن الواقع يظهر ضعفاً حاداً في البنية التحتية التقنية ونقصاً في التمويل والمعدات اللازمة للتعلم الإلكتروني والتقني في معظم أنحاء البلاد، مما جعل هذا الهدف مجرد حبر على ورق. ويظل النظام التعليمي مكبلاً بثقافة التلقين والحفظ، وحجم المحتوى الدراسي كبير جداً، مما لا يترك مساحة كافية لتطبيق الأنشطة والتعلم القائم على المهارات الحياتية. وفقا للخبير التربوي محجوب محمد.

وينوه إلى أن الوثيقة تركز على تراكم المعارف والمفاهيم النظرية أكثر من الكفاءات التطبيقية، مما يخلق فجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل العالمي والمحلي.” كما أشار إلى إهمال الوثيقة لمجالات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *