حرب السودان تُعمّق مشاكل التعليم ومصائر أكاديمية مجهولة
27 يوليو 2023
يلف الصمت المطبق أسوار وفصول مدارس العاصمة السودانية وبعض الولايات بعد اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل الماضي، وبينما تحولت مقار بعض مدارس الخرطوم إلى ثكنات عسكرية لقوات الدعم السريع، تحولت أخرى في الولايات إلى مراكز إيواء للنازحين من حرب العاصمة.
وبدلاً من جلوس التلاميذ للامتحانات النهائية أو الاستعداد للعام الدراسي المقبل، وجد آلاف الطلاب السودانيين في المراحل الدراسية المختلفة أنفسهم تحت وقع معارك دامية بين الجيش السوداني والدعم السريع في شوارع الخرطوم العاصمة وإقليم دارفور، وبعض المناطق الأخرى.
وكان من المقرر جلوس نحو 500 ألف طالب لامتحانات الشهادة السودانية بحلول العاشر من يونيو الماضي- بحسب وزارة التربية والتعليم في السودان- التي أفاد مصدر مسؤول بها (عاين) بأن قضية إمتحانات الشهادة السودانية، في ظل الحرب المندلعة في العاصمة الخرطوم، “صارت قضية أمن قومي، وهي قضية صعبة يسعى التنفيذيون بوزارة التربية والتعليم الاتحادية للبت فيها”.
قبل اندلاع الحرب، كان طلاب الصفين الأول والثاني للمرحلة الثانوية، يستعدون للجلوس للامتحانات النهائية في 13 مايو الماضي. كما تبقت امتحانات التعليم الأساسي الذي يشمل مرحلتي الابتدائي والمتوسطة.
وعند اندلاع الحرب، كانت إدارة قسم القياس والتقويم التربوي بوزارة التربية والتعليم تقوم بالإجراءات النهائية لإدخال بيانات التلاميذ الممتحنين للشهادة الابتدائية وهي العملية التي أوقفتها الحرب. كذلك، كان من المقرر بدء امتحانات المرحلة المتوسطة في الخامس من مايو الماضي، على أن تبدأ إمتحانات الشهادة الابتدائية في 22 في مايو الماضي أيضاً.
وعلى الرغم من انتهاء التقويم الدراسي للمرحلة الأساسية التي تشمل المتوسطة، فإن الامتحانات النهائية لهاتين المرحلتين ستظل معلقة بسبب اندلاع القتال.
ودون وجود إحصاءات دقيقة، فقد خضع عدد من الطلاب النازحين واللاجئين للولايات ودول الجوار مثل مصر والسعودية لامتحانات الشهادة الابتدائية، بينما لم يتمكن آخرون من الجلوس لأداء الامتحانات لظروف مختلفة.
ويرى معلمون في مقابلات مع (عاين)، أن الأهمية القصوى الآن هي لحل مشكلة الفصول الدراسية الممتحنة للمرحلتين الابتدائية (الصف السادس) والشهادة السودانية.
لجنة المعلمين السودانيين كانت لديها خطة قبل الحرب لتعويض الطلاب خسارة 80 يوما دراسياً فُقدت بسبب إضراب عن العمل.
قبل بداية الحرب، كانت لجنة المعلمين السودانيين تحاول تعويض الطلاب خسارة 80 يوما دراسياً فُقدت بسبب إضراب المعلمين.
الدراسة في الجامعات
أوقفت الحرب، الدراسة في الجامعات، إلى أجل غير مسمى، وسط توقعات بأن يؤدي الاقتتال بين طرفي النزاع إلى تعقيد الأوضاع التعليمية المعقدة أصلاً.
ويواجه آلاف الطلاب الجامعيين مشكلات في نقل أوراقهم إلى جامعات في بلدان مجاورة بسبب تعرض عدد كبير من الجامعات السودانية للتدمير الممنهج والسرقة وإتلاف الممتلكات بدءاً بجامعة الخرطوم وأمدرمان الأهلية النيلين، بالإضافة إلى جامعتي السودان للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة الأحفاد للبنات.
ويقول الناطق الرسمي للجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر لـ(عاين):”أن استقرار العام الدراسي وحل المشكلات التعليمية التي أفرزتها الحرب، مسئولية الدولة”. وأكد إمكانية مواصلة التعليم في المناطق الآمنة عن طريق وضع خطط مناسبة للمرحلة الراهنة التي تشهدها البلاد. وأشار إلى أن وزير التربية والتعليم، توارى عن الأنظار عقب إندلاع الحرب في السودان خشية تصنيفه كمؤيد لأحد طرفي النزاع.
كما أكد الناطق الرسمي للجنة المعلمين السودانيين، على أن قضية مرتبات العاملين بالتعليم لم تبارح الموقف الذي كانت عليه منذ بداية الحرب، عندما قررت الدولة عدم صرف المرتبات.
أكثر من أربعة أشهر لم يتلق المعلمين بالمدارس أجورهم من الحكومة
وكان الناطق الرسمي، بإسم وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، أحمد الشريف، أعلن عن إرسال وزير المالية، جبريل إبراهيم، خطاباً إلى محافظ بنك السودان المركزي وجه بموجبه بصرف مرتبات العاملين بالدولة لشهر إبريل الماضي عبر فروع البنك بالولايات التي بدورها ستقوم بسداد التحويلات الجارية للولايات بنفس قيمتها في شهر مارس الماضي. الأمر الذي لم يحدث، لأن عدد من المعلمين شكوا من عدم صرف المرتبات لمدة أربعة أشهر.
ولفت الناطق الرسمي للجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر، إلى أن الدولة سمحت للولايات بصرف المرتبات من مواردها الذاتية “غير الموجودة”. وأشار إلى أن الولايات تعاني من آثار الحرب، كما أن الولاة في حكومة الأمر الواقع لا يستطيعون تأدية مهامهم إلا بإذن مسبق من الدولة.
وبالنسبة لمدى تأثر البنية التحتية للمؤسسات التعليمية السودانية فإن الباقر يؤكد أنها تأثرت بصورة كبيرة في مناطق النزاعات. وأضاف: “كما أن المدارس في كثير من الأحياء بولاية الخرطوم صارت ثكنات عسكرية لقوات الدعم السريع.
وأشار إلى عدم وجود إحصائية دقيقة لحجم الأضرار التي لحقت بمدارس ولاية الخرطوم كما أكد على أن المؤسسات التعليمية التي تقع في الولايات التي نزح إليها المواطنون أصبحت دوراً لإيواء النازحين.
وبسبب حرب الخرطوم، تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى مقتل نحو 3000 ألف شخص ونزوح حوالي 3 ملايين آخرين من بينهم 600 ألف غادروا إلى الدول المجاورة، على رأسها تشاد وأوغندا ومصر. بينما لا تزال عمليات النزوح والفرار تتواصل داخلياً وخارجياً مع استمرار القتال بين الدعم السريع والمليشيات التابعة له والجيش السوداني.
مدارس دارفور
من جهته، قال عضو لجنة المعلمين السودانيين، بولاية جنوب دارفور يس طه لـ(عاين) أن المدارس أُغلقت بسبب الحرب بشكل كامل في مدينة نيالا، خاصة مع سقوط عدد المواطنين العُزل بين قتيل وجريح. وأشار طه، إلى أن دانة سقطت على منزل أسامة الربيع المعلم بالمرحلة الثانوية، أدت إلى مقتله في الحال.
وأوضح طه، أن الحرب التي اندلعت في الخامس عشر من أبريل الماضي، أدت إلى إغلاق المدارس بولاية جنوب دارفور بشكل كامل. ولفت إلى فرار عدد كبير من الطلاب وأسرهم إلى دول الجوار بحثاً عن حياة آمنة.
وأكد أن مدينة نيالا تشهد حالة حرب، ما أدى إلى انتشار الرعب وسط المواطنين نتيجة لتساقط الأرواح بسبب إطلاق القذائف بصورة عشوائية داخل الأحياء السكنية، كما أكد تعرض عدد كبير من المدارس للقصف العشوائي.
وبينما تعلو أصوات المدافع، فإن سكان مدينة نيالا ومدن أخرى بإقليم دارفور يبحثون عن ملاذ آمن للنجاة من خطر الموت الذي يحدق بهم. يقول طه.
ويضيف:”لا أحد يتحدث عن المدارس في هذا الوقت العصيب، كما أن كثير من المعلمين والطلاب يستمرون في الفرار إلى خارج البلاد.
وبالإضافة إلى الحرب، يرى طه أن عدم وصول المرتبات زهاء أربعة أشهر، وتوقف مصادر دخل المعلمين الإضافية زاد من مأساوية أوضاع المعلمين وجعل حصولهم على الغذاء والعلاج مستحيلاً.
وأشار طه إلى أن هذا الوضع سيؤدي لهجر عدد كبير من المعلمين مهنة التعليم والبحث عن وسائل أخرى، توفر لهم سبل العيش.
وأكد أن مكاتب وزارة التربية والتعليم بولاية جنوب دارفور، تعرضت للنهب والحرق وإتلاف الأجهزة والاثاثات وحرق المطبعة الوحيدة التي تغطي حاجيات الامتحانات لعدد من ولايات دارفور. وأشار إلى أن هذه الخسائر الفادحة ستؤثر على الإعداد للعام الدراسي المقبل.
نهاية أبريل الماضي، أجرى وزير التربية والتعليم المكلف بولاية جنوب دارفور، آدم عمر التوم، حصراً مبدئياً للخراب والدمار الكبيرين الذين طالا ممتلكات الوزارة بالولاية.
وشملت الخسائر العربات وخزانة الوزارة ومرتجعات المرتبات وأموال الوزارة وخزانة الامتحانات التي كانت تحتوي على أموال وأمانات من مكتب مدير إمتحانات الأساس. فضلاً عن إتلاف مركز المعلومات بالوزارة بتهشيم الأجهزة والماكينات الخاصة بالتصوير.
كما لم يسلم قسم الإحصاء الذي يحتوي على أجهزة تقنية “الفيديو كونفرانس” بشاشات عملاقة وعدد (13) جهاز ربط ليفي نادر تم جلبها بواسطة البنك الدولي ضمن مشروعات تقوية مرحلة الأساس.
كما حُطمت الحواسيب وملحقاتها وسُرقت مقنيات المكاتب مثل الثلاجات ومبردات الماء وشاشات التلفزيون. وماكينات التصوير، بالإضافة لوسائل تعليم الكبار واليافعين.
وجرى كذلك إتلاف كل المستندات الخاصة بالمكاتب وشؤون الخدمة والحسابات والامتحانات والاستثمار والتعليم قبل المدرسي والخاص والفني والثانوي والابتدائي والمتوسط والطارئ والنوعي والديني وقسم التدريب والتخطيط والإدارة المالية والمناشط والصحة المدرسية والتربية الخاصة وتعليم البنات والمنظمات ومحو الأمية وتعليم الكبار والحسابات والإعلام التربوي وقسم الخدمات والعلاقات والأرشفة.
كما تم إضرام النار في المطبعة وحرق (3) ماكينات عملاقة كانت تقوم بطباعة الكتاب المدرسي والامتحانات لكل إقليم دارفور. كما تم تحطيم ناسخة عملاقة بواسطة السواطير والحجارة وتم إضرام النار في المولد الضخم بالمخازن.
وأمام التعقيدات الكبيرة التي أفرزتها الحرب، ونزوح الطلاب إلى ولايات السودان المختلفة، والأوضاع المأساوية التي تمر بأولياء أمور الطلاب، وتحويل المقرات الدراسية لمراكز إيواء أو لمقرات عسكرية لقوات الدعم السريع، فإن المعلم بمرحلة الأساس بولاية النيل الأبيض، راشد محمد، يرى أن من الصعوبة فتح المدارس في وقت قريب.
معلم: من الصعوبة عودة المدارس للعمل في هذه الظروف التي تعرض حياة الطلاب للخطر
وفي حديث لـ(عاين) يرى محمد، أن فتح المدارس في ظل أوضاع الحرب التي تشهدها البلاد يعرض الطلاب للخطر، خاصة مع احتمال انتقال الحرب للولايات الآمنة.
وأشار محمد، إلى أن أحد الأسباب التي تجعل فتح المدارس أمر صعباً في هذا التوقيت، أنها صارت مأوى لآلاف النازحين الذين فروا من الحرب في الخرطوم وإقليم دارفور. وأكد على أن الأوضاع المالية لأولياء الأمور والمعلمين قاسية بسبب امتناع الدولة عن صرف المرتبات لمدة أربعة أشهر، وهو الأمر الذي سيجعل من مواصلة الدراسة أمراً مستحيلاً.