“المدارس تأوي نازحين الحرب”.. الكارثة تحل بالتعليم في السودان 

عاين- 24 أكتوبر 2023

بينما وضعت الحرب الملايين من تلاميذ المدارس بالسودان في مواجهة مع فراغ تعليمي يهدد مستقبل جيل بأكمله بعد ابتعادهم عن فصول الدراسة مجبرين واستقرار بعضهم مع عائلاتهم بهذه المدارس التي تحوّلت إلى مراكز لإيواء ملايين النازحين في مدن السودان المختلفة.

ومع تعرض التلاميذ لأهوال الحرب المستمرة منذ أكثر من ستة أشهر، يفاجئ مجلس وزراء حكومة الأمر الواقع السودانيين وبتوجيه من مجلس السيادة بقرار يقضي بفتح المدارس في مناطق سيطرة الجيش، الأمر الذي سارعت لجنة المعلمين السودانيين لانتقاده وتأكيدها بـ”أن تنفيذ القرار في ظل الظروف الراهنة سيفضي إلى تقسيم السودان”.

وفي الخامس عشر من أبريل الماضي، اندلع صراع مسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع، خلّف آلاف القتلى وملايين اللاجئين والنازحين.

التعليم في السودان
الحرب وضعت ملايين التلاميذ السودانيين في مواجهة فراغ تعليمي.

“السودان على وشك أن يصبح موطناً لأسوأ أزمة تعليمية في العالم،” وفقا لما أفادت به ممثلة اليونيسف في السودان، مانديب أوبراين، في بيان صحفي صادر في 9 أكتوبر الجاري.

وما يُقدر بحوالي 19 مليون طفل في السودان هم خارج المدارس بعد أشهر من الحرب،  وفقد حوالي 6.5 مليون طفل إمكانية الوصول إلى المدرسة بسبب تزايد العنف وانعدام الأمن في منطقتهم، مع إغلاق 10,400 مدرسة على الأقل في المناطق المتضررة من النزاع. بحسب منظمة “يونسيف”.

وتقول المنظمة الدولية: “حتى قبل اندلاع النزاع في أبريل، كان ما يقارب 7 ملايين طفل خارج المدارس في بلد يعاني من الفقر وعدم الاستقرار. إذا استمرت الحرب، فلن يتمكن أي طفل في السودان من العودة إلى المدرسة في الأشهر المقبلة، مما يتركهم عرضة لمخاطر فورية وطويلة الأجل”.

اضرار المرافق التعليمية  

ومع انعدام الإحصائيات الرسمية بالأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمؤسسات التعليمية في السودان، إلا أن كثير من المدارس تعرضت للقصف، وتحول بعضها إلى ثكنات عسكرية، بينما تحولت معظم المدارس في الولايات الآمنة لمراكز إيواء.

تحصي لجنة المعلمين السودانيين (1245) مدرسة تحولت إلى مركز إيواء للنازحين

وتحصي لجنة المعلمين السودانيين (1245) مدرسة تحولت إلى مركز إيواء للنازحين، منها 154 مدرسة في ولاية  نهر النيل، و 23 بولاية سنار، وفي ولاية كسلا 57 وفي ولاية الجزيرة 501، بينما  يشغل النازحون في ولاية النيل الأبيض 510 مدرسة.

وواجه التعليم في السودان تحديات كبيرة في الفترة التي سبقت بداية الحرب، لكنه ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف أبريل الماضي، امتنعت الدولة عن صرف رواتب العاملين في مؤسسات الدولة الحكومية.

التعليم في السودان
أثار قرار حكومي بفتح المدارس في المناطق الآمنة ردود أفعال واسعة.

ويبلغ عدد العاملين في القطاع العام بالدولة نحو مليون شخص، حسب إحصائية لوزارة التنمية الاجتماعية السودانية في عام 2019، بينهم أكثر من 300 ألف معلم لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهر مارس الماضي.

“هذا القرار سيكون مصيره الفشل”. يقول المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر لـ(عاين) معلقاً على قرار فتح المدارس في ظل الواقع الذي يصفه بـ”المعقد” الذي خلفته الحرب في قطاع التعليم. ويرهن الباقر “بمعالجة المشاكل التي تواجه فتح المدارس”.

“قرار عودة المدارس مستفز لجهة أن الدولة تجاهلت الواقع المزري للمعلمين”

الناطق باسم لجنة المعلمين: سامي الباقر

ولفت الباقر في مقابلة مع (عاين) إلى أن المعلمين السودانيين يعتبرون القرار مستفزاً لجهة أن الدولة تجاهلت الواقع المزري للمعلمين، عندما حجبت المرتبات لثلاثة أشهر تخللها عيدا الفطر والأضحى، مشيراً إلى أن الجهات المعنية لم تتشاور مع لجنة المعلمين السودانيين في قرار فتح المدارس.

ويعود الباقر لشرح هذه التحديات المتمثلة في تجاهل معاناة المعلمين السودانيين، كما أن القرار لم يستصحب واقع المدارس التي صار بعضها مراكز لإيواء النازحين الفارين من الحرب بينما صارت البقية ثكنات أو أهداف عسكرية- حسب قوله.

وكان رئيس مجلس الوزراء المكلف عثمان حسين أصدر توجيهاً من مدينة بورتسودان في ولاية البحر الأحمر بفتح المدارس في عدد من الولايات الآمنة التي لم تمتد إليها الحرب.

وجاء القرار بناء على توجيهات أصدرها رئيس مجلس السيادة الانقلابي عبد الفتاح البرهان الذي وجه مجلس الوزراء بفتح الجامعات واستئناف الدراسة في جميع المدارس بالولايات التي تتيح فيها الظروف الأمنية ذلك، على أن يتم التنسيق مع كل الجهات ذات الصلة لتهيئة البيئة من أجل ذلك.

وحدد القرار، وفقاً لتوجيهات وزير مجلس الوزراء٬ بأن تكون نهاية أكتوبر الحالي أقصى موعد لاستئناف الدراسة. كما أصدر وزير التعليم العالي قراراً بفتح الجامعات الحكومية والخاصة في المناطق الآمنة بحلول منتصف شهر أكتوبر الحالي.

وفي 12 أكتوبر الجاري، نفى وزير وزير التربية والتعليم المكلف بولاية الجزيرة كمال الدين عوض عبد الله تحديد موعد بداية العام الدراسي. وأكد الوزير أن تحديد إنطلاقة الدراسة يتم بقرار من مجلس وزراء حكومة الولاية وأعلن أن وزارته بصدد دراسة التحديات التي تعترض إنطلاقة العام الدراسي.

وأشار المسؤول الحكومي للتعاون مع عدد من المنظمات العاملة في مجال التعليم لإيجاد بدائل لمراكز الإيواء بالمدارس التي تستضيف الوافدين من ولاية الخرطوم والولايات المتأثرة بالحرب في 462 مدرسة.

نظرة سياسية 

يقول المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر: إن “قرار مجلس الوزراء القاضي بفتح المدارس، استند على نظرة سياسية بحتة تهدف إلى تزيين الواقع وتزييف الحقائق”. ولفت إلى أن القرار يشير إلى عدم أمانة متخذي القرار والقائمين على أمر التربية والتعليم في عكس الواقع.

لجنة المعلمين السودانيين لا تمانع في فتح المدارس لكنها تشترط وجود رؤية لمعالجة المشكلات الماثلة التي سببتها الحرب.

وأكد الباقر، أن لجنة المعلمين السودانيين لا تمانع فتح أبواب المدارس للطلاب لكنها تشترط وجود رؤية لمعالجة المشكلات الماثلة التي سببتها الحرب. ويقول أن “المعلمين سيناهضون القرار حالة الإصرار عليه دون النظر لمتطلبات العملية التعليمية التي من أهمها مرتبات العاملين بالتعليم”.

وأوضح الباقر، أن اللجنة، وضعت شروط موضوعية، دعت الحكومة إلى تحقيقها أولاَ، أهمها دفع مرتبات ومتأخرات العاملين المالية بالتعليم ووضع حل لمشكلة المدارس التي أصبحت دوراً لإيواء النازحين وحل مشكلة الطلاب والتلاميذ في مناطق النزاع، وحل مشكلة كتاب الصف الثالث متوسط، فضلاً عن وضع تصور لامتحانات الشهادة الثانوية.

إلى ذلك دعت اللجنة في بيان، إلى أن يكون التعليم شاملاً لكل التلاميذ والطلاب بما يحقق عدالة التعليم ويمنع تقسيم البلاد.

وأشارت إلى أن إستئناف الدراسة، يجب أن يكون مدخلاً لإيقاف الحرب والحد منها، وإبعادها عن مساكن المدنيين عن طريق توفير المساكن والمسارات الآمنة كواجب على طرفي الصراع.

وأوضحت أن أبرز العقبات التي تواجه فتح المدارس هي عدم  صرف مرتبات المعلمين وتحول عدد كبير من المدارس في الولايات السودانية إلى مراكز إيواء المواطنين الفارين من مناطق القتال.

 

التعليم في السودان
حوالي 300 ألف معلم لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهر مارس الماضي.

ولفتت إلى وجود عقبات أخرى مثل عدم توفر معينات العملية التعليمية من إجلاس وكتاب خاصة للصف الثالث المتوسط، وهو الأمر الذي يتحمله وزير التربية والتعليم لأن المركز القومي للمناهج يتبع له مباشرة.

وتساءلت اللجنة عن مصير طلاب الشهادة السودانية الذين لم يجلسوا لأداء الامتحانات هذا العام بسبب الحرب. وأفادت اللجنة  أن القرار به محاباة للقادرين على مواصلة التعليم وعدم مراعاة للطيف الواسع من السودانيين الذين لن يستطيعوا العودة للمدارس، مع وجود شبهة تواطؤ مع أصحاب المدارس الخاصة الذين نقلوا نشاطهم للولايات الآمنة وإلى خارج السودان.

فاقد تربوي 

“حال المضي في قرار مجلس الوزراء الذي قضى بفتح المدارس، فسيكون عدد الفاقد التربوي من الطلاب كبيراً جداً”. يقول مدير التعليم الفني السابق، ومدير التعليم بالإنابة سابقاً في ولاية الجزيرة، الفاتح عمر فضل الله.: وينوه إلى أن السبب في ذلك سيكون عجز الطلاب في الوصول إلى المدارس وعدم التمكن من دفع الرسوم المدرسية، فضلاً عن عدم توفر وجبة الإفطار، معتبراً أن القرار غير تربوي وغير مدروس.

وأكد فضل الله، أن واجبات وزارة التربية والتعليم الملحة تتمثل في إعداد الخطط والبرامج لإدراك العام الدراسي القادم وتأهيل المدارس ومعالجة مشاكل المعلمين وتوفير الكتاب المدرسي بالإضافة إلى توفير الإجلاس مراجعة موازنة توزيع المعلمين وفتح التقديم لتعيين معلمين جدد، فضلاً عن معالجة مشكلة معسكرات النزوح والإيواء.