بـ(الأرقام).. خسائر فادحة لاقتصاد السودان بعد عام من الحرب
عاين- 25 أبريل 2024
بعد عام من الحرب في السودان لم ينج اقتصاد البلاد بعد أن تحولت البنية الصناعية التي تتركز في العاصمة الخرطوم وود مدني وسط البلاد إلى حطام وتعرض بعضها للنهب والسرقات والتدمير.
وجراء النزاع المسلح الذي نشب بين الجيش والدعم السريع في الخامس عشر من أبريل 2023 توقفت حوالي 600 منشأة صناعية أغلبها في العاصمة الخرطوم إثر تعرضها إلى النهب والسرقات والقصف الجوي والمدفعي، وبعضها تم اتخاذه مقار عسكرية مثل ما حدث في الخرطوم بحري شمال العاصمة مركز البنية الصناعية في البلاد حيث شوهدت قوات من الدعم السريع تحول مصنع للأغذية إلى منصة صواريخ وعمليات لوجستية وفق ما ذكرت لـ(عاين) سيدة أعمال تدير مصنعا لمعدات المكاتب، وخسرته بسبب القتال، وفقدت معدات بلغت قيمتها السوقية 100 ألف دولار.
مصانع مدمرة
تقول إسلام محمد عبد الرحمن، وهي باحثة اقتصادية وسيدة أعمال، إن الخسائر الاقتصادية جراء الحرب قد تصل إلى 250 مليار دولار وفق إحصائيات غير رسمية أعدتها بعض الشركات التي خرجت من الخدمة خلال الحرب.
وتضيف قائلة: “عرضت قوات الدعم السريع على بعض رجال الأعمال نقل معدات المصانع خارج العاصمة السودانية مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 50 مليون جنيه في بعض الأحيان أو 100 مليون (حوالي 200 ألف دولار) حسب قيمة المعدات”.
وترى إسلام، أن نقل المصانع خارج العاصمة قد يكون قطرة في محيط من بنية صناعية دُمرت مع الوضع في الاعتبار وفقا لإسلام الخسائر الاقتصادية التي لها تأثير اجتماعي خطير وهو فقدان مليوني عامل في القطاع الخاص وظائفهم؛ بسبب توقف المصانع والخدمات العامة.
فكرة سيئة
وكان عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للجيش الفريق إبراهيم جابر قال في مقابلة تلفزيونية الشهر الماضي إن إعادة إعمار ما دمرته الحرب في السودان يكلف 150 مليار دولار دون الوضع في الاعتبار خسائر المواطنين.
بينما ذكر مسؤول في مصنع أدوية بالخرطوم بحري مع الاشتراط بعدم نشر اسمه، أن الحرب دمرت المصنع المتخصص في إنتاج الأدوية بالكامل، ولم يعد هناك أي شيء سوى الأرض التي شيد عليها المصنع في العام 2007.
وأضاف في مقابلة مع (عاين) أن القيمة السوقية للمصنع حوالي 5 ملايين دولار تم استيراد الآلات من الصين وجميعها نُهبت وكان المصنع يحتوي على أربعة خطوط إنتاج، وقال إن “فكرة بناء المصنع مجددا في السودان حتى ولو توقفت الحرب فكرة سيئة”.
الاستعانة ببيوت الخبرة
منذ شهرين تواصلت وزارة المالية عبر اللجنة الحكومية المكلفة بتقييم الخسائر مع شركة ألمانية لإجراء إحصائيات وتقديرات حول الخسائر الاقتصادية للحرب في السودان، ولم يتمكن الطرفان حتى الآن من بدء المشروع الذي قد يكشف مدى “الاستنزاف الاقتصادي” الذي أحدثته حرب منتصف أبريل بين الجيش والدعم السريع، والتي دخلت عامها الأول هذا الشهر.
ويرى مالك أحمد المتعامل في استيراد السلع الاستهلاكية من مصر في حديث لـ(عاين) أنه لم تعد هناك دولة تدير الوضع الاقتصادي بالمعنى الواضح الذي كان سائدا قبيل اندلاع القتال. وقال “السودان فقد سمعته الاقتصادية والشركات لا تفضل المجيء إلى هنا حتى الشركات المحلية نقلت رؤوس الأموال إلى مصر وشرق أفريقيا”.
وأضاف: “بعض رجال الأعمال بدأوا في تركيب مصانع في إثيوبيا وكينيا برؤوس أموال تتجاوز 50 مليون دولار، وانتزعت هذه الأموال من السوق الصناعي السوداني أي أن البلاد فقدت الاستثمارات”.
ويرجح مالك تجميد التعامل بالجنيه السوداني داخل البلاد إذا لم تتوقف الحرب خلال هذا العام، وقال إن “سعر الصرف يتهاوى بالعملة الوطنية إلى درك سحيق، ولا يمكن أن يكون مبرئا للذمة إذا تصاعد الدولار الأمريكي أكثر من النسبة الحالية”.
ضربة موجعة
وفيما يتعلق بالخسائر الاقتصادية التي طالت البنية التحتية الرئيسية المملوكة للقطاع العام، فإن الوضع يصبح أكثر قتامة مع فقدان المؤسسات الحكومية لجميع الأصول والمعدات، ويقول مصدر حكومي من وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان إن الحرب أفقدت البلاد أصول نحو عشرين وزارة اتحادية في العاصمة السودانية لذلك عندما نُقِلَت العاصمة الإدارية إلى بورتسودان لم تتمكن من استعادة عملياتها.
وأضاف المصدر في حديث لـ(عاين): “الإحصائية الأولية تؤكد فقدان المؤسسات الحكومية حوالي ثلاثة آلاف سيارة حكومية من الموديلات الحديثة سعر الواحدة قد تصل إلى 60 ألف دولار أمريكي”. ويقول المصدر، إن “الضربة الموجعة” قد تكون في قطاع الكهرباء؛ لأن مصير مجمع التوليد الحراري في منطقة قري شمال العاصمة على سبيل المثال غير معروف، والذي يقع تحت سيطرة الدعم السريع.
وزاد قائلا: “لا أعتقد أن المحطات ستكون بحالة جيدة ربما جرى نقلها إلى مكان آخر أو بيعها قطع صلبة في الأسواق”. وأردف المصدر الحكومي: “السودان يملك بنية تحتية ضعيفة من محطات الكهرباء قبل الحرب إذا فقدها سيضطر إلى مضاعفة الاستيراد من مصر وإثيوبيا يوميا، وقد لا يتمكن مع الوضع في الاعتبار انهيار شبكة الربط الداخلية في العاصمة السودانية، والتي تكلف تأهيلها نحو 200 مليون دولار”.
التمويل وتدويل الحرب
في مؤتمر صحفي مطلع مارس الماضي، كان وزير المالية جبريل إبراهيم نفى إحصائيات متداولة عن الخسائر الاقتصادية للحرب، والتي قدرت بـ 220 مليار دولار، وألمح إلى أن الرقم أكبر من ذلك. بينما يقول الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم لـ(عاين): إن “التقديرات المنطقية للخسائر الاقتصادية جراء الحرب حوالي 200 مليار دولار، وهي تجمع ما بين التدمير الذي طال المصانع الخاصة ومؤسسات القطاع العام، ونهب مقر مصفاة الذهب، وتوقف إنتاج المعدن الأصفر، وفقدت البلاد 1.5 مليار دولار خلال عام من الحرب نظير تراجع إنتاج الذهب”.
وأضاف: “من الخسائر الاقتصادية المباشرة فقدان حصاد 300 ألف فدان من القمح في مشروع الجزيرة هذا الصيف بعد انتقال الحرب إلى هناك منذ نهاية العام الماضي وفقدان أصول مشروع الجزيرة؛ بسبب النهب وتقدر الخسائر في مشروع الجزيرة بـ 500 مليون دولار”. ويرى إبراهيم، أن خطورة الخسائر الاقتصادية تجعل الطرفين المتقاتلين – الجيش والدعم السريع- يعتمدان في تمويل الحرب على جهات إقليمية ودولية بالتالي “تدويل الصراع” واستدامته وقتا طويلا.
وأردف: “الاقتصاد المحلي لا يسمح بتمويل الحرب حتى الذهب الذي اعتمد عليه الجيش لا يمكن تمويل قتال لفترة أسبوع واحد ورجال الأعمال الذين كانوا يمولون مثلا حروبات البشير كانوا يفعلون ذلك من شركاتهم المستقرة والمنتجة من قلب العاصمة الآن لا توجد مدينة سودانية مستقرة اقتصاديا، وفقد الجيش العاصمة الخرطوم من الناحية الاقتصادية؛ لأن المنظومة الدفاعية وهي أكبر كتلة اقتصادية تمتلكها المؤسسة العسكرية متوقفة في الوقت الحاضر؛ بسبب الحرب وقيمتها السوقية نحو عشرة مليار دولار”.
وشملت خسائر الاقتصاد في الحرب القطاع المصرفي، وتوقف حوالي 120 بنكا عن العمل في العاصمة السودانية والولايات متأثرة بنهب السيولة النقدية والعملات الأجنبية، وتقدر هذه الخسائر وفقا لإحصائيات غير رسمية بمليار دولار.
حافة الإفلاس
كما يطارد “شبح إعلان الإفلاس” حوالي عشرة مصارف رئيسية من مقرها في بورتسودان العاصمة الإدارية، والتي خسرت 2 ترليون جنيه بسبب النزاع المسلح، وتقلص عملياتها التجارية والائتمانية. ويقول الخبير الاقتصادي أحمد بن عمر لـ(عاين): إن “القطاع المصرفي على شفا الانهيار وغالبية الفروغ أغلقت قسريا في مناطق القتال، والتي تعمل في بورتسودان أو بعض الولايات لم تعد متحمسة لخوض غمار المنافسة في القطاع المصرفي.
ويضيف بن عمر: “القطاع الصناعي الذي دمر بنسبة 90% في العاصمة السودانية يحتاج إلى تمويل لا يقل عن 35 مليار دولار للنهوض مجددا حال توقفت الحرب”. ويجمل بن عمر الأزمة بالقول إن الدولة من مقر العاصمة الإدارية في بورتسودان على وشك الإفلاس؛ لأن الموارد التي كانت تمول المؤسسات الحكومية والقطاعات الأمنية والعسكرية توقفت. ويرى أن المسؤولين لا يكترثون لخطورة الخسائر الاقتصادية والناتج المحلي الذي خسر بنسبة 80% وإذا استمر النزاع المسلح في السودان، فإن العجز سيطال جميع القطاعات.
ويضيف بن عمر: “حتى لو انتهت الحرب، وقرر السودانيون إعادة الإعمار لا يمكن الحصول على مساعدات اقتصادية بسهولة من المجتمع الدولي لذلك يجب الوضع في الاعتبار أن حماية المرافق المدنية بما في ذلك البنية الصناعية والإنتاجية يجب أن تكون ملزمة للجيش والدعم السريع”.