الأورطة الشرقية.. قوة عسكرية تثير الجدل بشرق السودان
عاين- 4 نوفمبر 2024
جدل واسع فرضته قوات الأورطة الشرقية المسلحة منذ نشرها مؤخرا في شرق السودان، بوصفها نقطة تحول كبيرة في مسار الصراع المسلح المستمر في البلاد لأكثر من عام ونصف، وما يترتب عليها من تغيير محتمل في التحالفات العسكرية والسياسية.
ولم تكن الأورطة مجرد حركة عسكرية كسابقاتها تقدم مطالب بعينها، لكنها تبدو للعديد من الباحثين والمهتمين مهددا للاستقرار والسيادة والوحدة الوطنية، نظراً لامتداداتها الخارجية، فهي ليست ببعيدة عن مخطط يرمي لتأسيس بقاع مستقرة على حساب استمرار الاضطرابات في غرب البلاد لحمل سكانها على تبني أجندة انفصالية.
رؤية يعززها تزامن قرب نشر الأورطة الشرقية مع حملة استهدفت حركات إقليم دارفور المتحالفة مع الجيش وتقاتل إلى جانبه في شرق ووسط السودان، ومدينة الفاشر، والتشكيك المستمر في قدراتها العسكرية والزعم في تسببها في الهزائم التي ألحقتها قوات الدعم السريع بالجيش في محاور مصفاة الجيلي شمالي الخرطوم، والفاو في ولاية القضارف، وذلك بخلاف المدح والثناء الذي حظيت به الحركات في بداية الحرب الحالية.
قوات الأورطة الشرقية الهدف منها أن تكون بديلة للحركات المسلحة التي تقاتل مع الجيش
مفكر سياسي
ويشير المفكر السياسي في السودان د. النور حمد في مقابلة مع (عاين) إلى أن قوات الأورطة الشرقية الهدف منها أن تكون بديلة للحركات المسلحة التي تقاتل مع الجيش “القوة المشتركة” التي ستُبْعَد من المعادلة، وتذهب إلى التقاعد.
ويقول: “الأورطة تأتي ضمن مخطط مصري إريتري يسعى إلى بناء تكتل ضد إثيوبيا، وهذا لن يتم إلا بالمحافظة على الجيش بقيادة البرهان، فهما يدركان أن السودان أصبح دولة فاشلة وقابل للتفكيك للاستفادة منه في مثل هذه المخططات، فأريتريا لم تفتح أراضيها لتدريب هذه المليشيا مجانا، فدائما ما يكون هناك ثمن في العلاقات الدولية”.
ونشأت مؤخرا في شرق السودان، أربع حركات مسلحة وهي “الحركة الوطنية للعدالة والتنمية” التي يقودها محمد طاهر سليمان بيتاي، و”قوات الأورطة الشرقية” بقيادة الأمين داؤود، و”حركة تحرير شرق السودان” بقيادة إبراهيم دنيا، بالإضافة إلى “مؤتمر البجا” بقيادة موسى محمد أحمد.
وتلقت هذه المجموعات تدريبات مكثفة في دولة إريتريا طوال الفترة التي أعقبت اندلاع الحرب، وبعد تم نشرها في أجزاء واسعة من ولايتي كسلا والقضارف، بموافقة الجيش بحسب ما أفاد متحدثها الرسمي “عاين”.
وعلى خلاف تاريخ الحركات المسلحة التي نشأت في مختلف أنحاء السودان، لم تطرح مليشيا الأورطة أي أجندة مطلبية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، فقط اكتفت بأنها ترغب في تأمين شرق البلاد من التهديدات، وذلك بمباركة الجيش السوداني الذي زودها بعتاد حربي ولوجستي إضافي، ما يعزز فرضية المخطط الخارجي الذي تحمله في تكوينها ونشرها.
ويرى المفكر السياسي د. النور حمد أن المخطط المصري الإريتري مع الجيش الذي يقوده عبد الفتاح البرهان سيشعل الصراع في شرق السودان بدلا عن تأمينه، فقد صار على شفا حفرة، نسبة للتباينات الأهلية في المنطقة، إذ أبدت بعض المكونات في ولاية البحر الأحمر تحفظاتها تجاه قوات الأورطة وقادتها.
ولم يمض طويلا على نشر القوات ثارت ثائرة المجلس الأعلى لنظارات البجا الذي يقوده الناظر محمد الأمين ترك، بيانا شدد اللهجة أبدى خلاله رفضه القاطع “لأي محاولات لعسكرة المنطقة وتغيير التركيبة السكانية فيها بنشر قوات تابعة لمسار الشرق مدعومة من أطراف خارجية يعتبر إعلان حرب على شعب البجا” قبل أن يدعو لتوحيد الصفوف لمواجهة التحديات.
وقبل ذلك خرج الأمين ترك في مقطع مصور هاجم فيه القيادي في حزب المؤتمر الوطني المحلول، إبراهيم محمود حامد الذي وصل إلى مدينة كسلا بالتزامن مع نشر قوات الأورطة، واتهمه وتنظيم الحركة الإسلامية بالسعي للفتنة في شرق السودان، مهددا بالانضمام إلى ما وصفه بحزب شارون حال استمرت هذه التحركات، وهو يشير إلى قوات الدعم السريع التي اشتهر أحد عناصرها ولقبه “شارون” وهو يصور مقطع فيديو يذل فيه مواطنا في ولاية الجزيرة بالقبض عليه من لحيته.
مشهد معقد
وشدد المفكر السياسي النور حمد في مقابلته مع (عاين) أن مهاجمة ترك للمؤتمر الوطني الذي هو عضو فيه، واستخدم في السابق من قبل أطراف خارجية في إغلاق الموانئ لتقويض الحكومة الانتقالية، يعكس مستوى تعقيدات المشهد في شرق السودان، فالبرهان يسعى لتحقيق لعبة التوازنات، لكنه سيفشل وهو يضع أمن وسيادة البلاد أمام خطر غير مسبوق.
قوات الأورطة سابقة خطيرة في تكوين قوات عسكرية ذات ولاءات متعددة
قيادى في شرق السودان
المخاوف نفسها يبديها القيادي في شرق السودان خالد شاويش الذي يرى أن الامتدادات الخارجية لقوات الأورطة ستجعلها مهددا للسيادة الوطنية؛ نظرا لارتباطها بمصادر تمويل خارجية ستفتح الباب أمام التدخلات الخارجية؛ مما يضعف الدولة، ويؤثر في أمنها خاصة إذا عملت بشكل مستقل أو بتوجيهات خارجية، كما ستعمل على إشعال النزاع بين مكونات شرق السودان، خاصة إذا اُسْتُغِلَّت لتحقيق أهداف إقليمية.
ويقول شاويش في مقابلة مع (عاين): “هذه القوات سوف تزيد التوترات الداخلية وعدم الاستقرار في كل السودان وتقويض سلطة الدولة فهي سابقة خطيرة في إنشاء قوات مسلحة ذات ولاءات متعددة، ويستوجب تعزيز دور القوات النظامية، منع أي اعتماد مفرط على قوة لها ولاء خارجي”.
ولم يستبعد خالد وجود مخطط لإحلال الأورطة الشرقية مكان القوة المشتركة من حركات دارفور، لكنه تقدير خاطئ حسب وجهة نظره، لأنه تفكير غير واقعي فهي قوات قليلة الحجم لا تتجاوز 50 جنديا، وفي الوقت نفسه لها ارتباطات خارجية مثيرة للشكوك بشأن العمل بإخلاص لصالح السودان وحماية قراره الأمني خاصة في منطقة ذات حساسية مثل الشرق، مما يشكل مزيدا من التهديد.
ويضيف: “في تقديري الأورطة أقرب من كونها ورقة مساومة سياسية أكثر منها قوة عسكرية فعالة، فهي قد تستخدم كأداة للتفاوض في أي تسوية سياسية مستقبلية، ولكنها غير قادرة على سد الفراغ الذي تخلفه القوة المشتركة، والتي تتطلب قوة بشرية وموارد كبيرة لتأمين المنطقة وحفظ الاستقرار فيها”.
خلافات تتصاعد
ومع نشر مليشيا الأورطة الشرقية، بدأ الخلاف بين الحكومة التي يقودها الجيش من بورتسودان مع قادة الحركات المسلحة خاصة جبريل إبراهيم، الذي خُفِّضَت صلاحياته في وزارة المالية، والتي سحبت منها كل الإدارات الحيوية مثل الجمارك، وسلطة الضرائب والإشراف على بنك السودان المركزي، وصار عمدة بلا أطيان حسب توصيف دوائر محلية.
بينما غادر الحليف الآخر للجيش مني أركو مناوي إلى خارج السودان في رحلة غير واضحة الأجندة، رغم إقامته نشاطات داعمة لحكومة الجيش في العاصمة الفرنسية باريس. وكان خروجه بالتزامن مع تسريبات بواسطة إعلاميين مقربين من القوات المسلحة تشير إلى مطالبة مناوي وجبريل بمبالغ إضافية ونصف مقاعد السلطة نظير القتال مع الجيش، الأمر الذي نفاه القياديان في حينه.
وخلال الشهر الماضي، أرسل الجيش قوة عسكرية لأول مرة منذ بدء الحرب إلى إقليم دارفور عن طريق الدبة قوامها جنود الحركات المسلحة، تحت مسمى تعزيزات عسكرية، لكنه في واقع الأمر يأتي ضمن خطة لإفراغ القوة المشتركة من الشرق إلى غرب البلاد- وفق مصدر عسكري تحدث لـ(عاين)، وهي خطوات مرتبطة بالأورطة الشرقية.
قوت الأورطة ربما تشكل غطاء لنشر الجيش الإريتري في شرق السودان بمباركة القوات المسلحة ضمن مخطط تأمين المنطقة
محلل سياسي
وتبدو الأورطة قوات عسكرية محدودة العدد والإمكانيات، لكنها ربما تشكل غطاء لنشر الجيش الإريتري في شرق السودان بمباركة القوات المسلحة ضمن مخطط تأمين المنطقة وتفادي منع وصول الحرب إليها، يقول المحلل السياسي أحمد حمدان لـ(عاين)
وشدد حمدان أن الجيش السوداني وحلفاءه المصريين والارتريين يرغبون في وجود مناطق آمنة في شرق ووسط وشمال البلاد تحت قبضة القوات المسلحة بشكل كامل مع عدم السماح بانتقال الحرب إليها مطلقاً، على أن تستمر الحياة بصورة طبيعية فيها، بالتعليم والصحة والقطاع المصرفي، على أن يتواصل الصراع في الغرب، مع التفكير خلال المستقبل القريب في تغيير العملة، وتصبح التي في المناطق الملتهبة غير مبرئة للذمة.
ويضيف: “مع استمرار التضييق وتوقف الحياة في غرب السودان، من تعليم وصحة وعملات، سيفكر السكان في تبني مطلب تقرير المصير مجبرين، فبالتالي يتحقق المخطط الرامي للتخلص من المناطق المضطربة والتي يصعب استعادتها، لصالح دولة مستقرة في الشرق والشمال والوسط، فهذا المخطط لن يتحقق، إلا بعد فك الارتباط مع القوة المشتركة وإبعادها إلى غرب البلاد، وقد بدأ إحلالها بالاورطة التي هي غطاء للجيش الإريتري القوي، الذي يستطيع وقف تمدد قوات الدعم السريع شرقا”.
مهددات المخطط
لكن حمدان يرى أن هذا المخطط سيصطدم بالتعقيدات الاجتماعية في شرق السودان، والتي ربما تساهم في إفشاله، حيث تمظهرت بعض أشكال الخلاف في تصريحات زعماء البجا مثل الناظر الأمين ترك، والذي لم يهاجم إبراهيم محمود حامد؛ لأنه مؤتمر وطني، بل لأنه ينتمي إلى مكون اجتماعي منافس له، فالثابت في الأورطة أنها كتبت بداية للحرب واستمرارها وتلاشي فرص توقفها.
وليس ببعيد من ذلك، يرى المحلل السياسي التجاني الحاج، أن نشر الأورطة سيحدث تحولات جذرية في التحالفات السياسية القائمة في البلاد حالياً، ستشمل القوات المشتركة والمكونات الاجتماعية والأهلية في شرق السودان، فتصريحات الناظر محمد الأمين ترك تعني علميا فك الارتباط مع حزب المؤتمر الوطني، وبالتالي الابتعاد عن معسكر الداعمين للجيش ضمنياً.
ويقول الحاج في مقابلة مع (عاين): إن “تعقيدات المشهد في شرق السودان، والتي تمضي نحو اضطراب ستكون عقبة أمام نجاح أي خطط سياسية، فمستوى التباين الاجتماعي في المنطقة يصعب الاتفاق على موقف مشترك، وستقود تحركات قوات الأورطة إلى مزيد من الاضطراب والتهديد في شرق البلاد”.
لا ارتباط لقواتنا بإريتريا ولا صلنا لنا بالحركة الإسلامية وليس لدينا نية للاحتفاظ بقوة خارج المؤسسة العسكرية
متحدث باسم قوات الأورطة الشرقية
من جهته، نفى المتحدث الرسمي باسم الأورطة الشرقية، محمد آدم حامد، أي ارتباط عضوي بين قواته ودولة إريتريا، وما يتم معها من تعاون يقتصر في التدريب والتجهيز ودعم قواتنا لتحقيق أهدافها، فهي تشكلت ضمن استحقاقات اتفاق جوبا للسلام في السودان، وهدفها حماية شرق السودان، بالتنسيق مع الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى.
ويقول آدم في مقابلة مع (عاين): “التعاون يأتي في إطار الموقف الرسمي لدولة إرتيريا الداعم للسودان ورفض التدخل الخارجي، فهي حريصة على استقرار شرق السودان الذي يصب في مصلحة البلدين نسبة للتاريخ والعلاقات المتجذرة بينهما”.
كما نفى أي صلة لقوات بالحركة الإسلامية فهي المسار السياسي والعسكري للجبهة المتحدة التي يقودها الأمين داؤود والموقعة على اتفاق جوبا للسلام، وهي تم دمجها معظمها بالفعل في القوات المسلحة، وجرى تزويدها بالعتاد العسكري اللازم، وسيتم دمج المتبقي خلال الأسابيع القادمة، فنحن لا ننوي الاحتفاظ بقوة خارج إطار المؤسسة العسكرية”.