أزمة شرق السودان .. مطالب ذرتها خديعة العسكر
30 مارس 2022
“كل الحراك الذي شهده شرق السودان في السابق بإغلاق الطريق القومي والموانئ الرئيسية انتهى للاشيء الآن، تم استخدام حراك الشرق من قبل المكون العسكري للاستيلاء على السلطة الانتقالية الذي أدار ظهره تماما لمطالب اهل الشرق”. يقول حسن حامد وهو أحد مواطني شرق السودان بعد أشهر من الإنقلاب العسكري وما تلاه من تعهدات قادة الانقلاب بحل قضية شرق السودان.
وبرأي حامد، أن تعهدات العسكريين للقيادات الأهلية التي قادت الحراك ضد الحكومة الانتقالية لم تقف عند حد الخديعة السياسية بل تسببت في انقسامات اجتماعية حادة واحدثت شرخا في المجتمع وانه لم تكن هناك مطالب حقيقة خلف الاحتجاجات الأخيرة التي حدثت.
وفجر الشركاء العسكريون في الحكومة الانتقالية ازمة شرق السودان بعد تحالفهم غير المعلن وقتها مع مجلس نظارات البجا –جسم غير رسمي- برئاسة الزعيم الأهلي، سيد محمد الأمين ترك. وفي منتصف سبتمبر من العام الماضي أغلق المئات من أنصار المجلس الموانئ الرئيسية بولاية البحر الأحمر والطرق الرئيسية وشل حركة الشاحنات التي تنقل القمح والأدوية الى البلاد.
واشترط المحتجون وقتها إلغاء مسار سلام شرق السودان في اتفاق السلام الموقع بعاصمة جنوب السودان جوبا إلى جانب حل الحكومة الانتقالية التي كان يقودها المدنيين وتعيين مجلس عسكري لإدارة الأقاليم الستة في البلاد. ووقع الوفد الحكومي-بقيادة حميدتي حليف الناظر ترك– مسار الشرق ضمن اتفاق السلام الموقع في جوبا في أكتوبر 2020 مع الحركات المسلحة ويرفض ترك هذا الاتفاق ويقول إن ممثلي المسار لا يعبرون عن مكونات الإقليم.
وكانت الحكومة الانتقالية-الشق المدني- تحت الضغط على وقع الانقسامات السياسية والاهلية في شرق السودان لجهة أن الخرطوم اذا حاولت الغاء مسار الشرق استجابة لشروط الزعيم الأهلي محمد الامين ترك ستواجه برفض آخرين من بينهم مجموعات أهلية اصيلة في شرق السودان لاسيما نظارة البني عامر الأهلية التي تساند مسار الشرق.
ماذا بعد الانقلاب؟
ساند العسكريون وقتها تحركات الزعيم الأهلي ترك، وبعد أشهر من استيلائهم على السلطة في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي تعهدوا بحل القضايا التي رفعتها الاحتجاجات في سبتمبر من العام الماضي.
وفي اعقاب الانقلاب العسكري شكل رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان نهاية ديسمبر الماضي، لجنة عليا لحل قضايا شرق السودان برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو، والتي شكلت بدورها لجنة فنية لتخطيط وتعيين الحدود الإدارية بولايات شرق السودان.
ويقول القيادي بحزب التحالف الوطني السوداني، الدسوقي عبد الله في هذا الصدد، أن الحراك السياسي الذي شهده إقليم شرق السودان لم يفض الى أي مكاسب سياسية على مستوى التمثيل السياسي أو المطالب. وأشار في مقابلة مع (عاين)، إلى أن الحراك في الأساس قائم على خطاب عنصري جهوي استهدف مجموعات أهلية بعينها بانها لم تجد حظها في التمثيل السياسي والمطالب والقضايا كما كانت ممثلة سابقا في اتفاقية شرق السودان (اسمرا 2006).
وحول ترسيم الحدود بين الولايات يرى المواطن بشرق السودان، حسن حامد، أن اللجنة المعنية بترسيم الحدود بها خبراء وبحسب ما سمعت ان الترسيم هو ترسيم اداري ولكن بحسب ما اشيع أيضا هناك ترسيم للحدود بين القبائل وهذه الطريقة لن تحقق أي مكاسب ولن يستفيد الناس منها في شيء وستحدث مشكلات وتزيد الشرخ أكثر مما هو عليه الآن. ويضيف حامد لـ(عاين):” سيطرة الإدارة الاهلية هو نتاج للصراع القبلي الذي حدث في المنطقة وسيادة الخطابات القبلية بجانب أن المنظمات المدنية وجدت صعوبة في العمل في شرق السودان نظر الأوضاع القائمة الآن”.
فيما يقول الكاتب والمحلل السياسي، أمين سنادة لـ(عاين)، ان هناك أطرافا من مصلحتها استمرار المنهج الخاطئ. ووصف عملية ترسيم الحدود بأنها تفتح الباب أمام إهدار موارد الدولة وتجاوز حقوق المواطنة. وقال سنادة في اشارة للجنة التي شكلها نائب رئيس مجلس السيادة، ” حميدتي الآن يسير في الطريق الذي يعرفه.. تقسيم المجتمعات واقحام القبائل في الصراعات وهذه هي طريقة تفكيره”.
تجييش قبلي
ويضيف الدسوقي، “انعكس هذا الخطاب على مجتمع شرق السودان وتم تجيش للمجموعة الاهلية الأخرى بذات الخطاب الذي تتبناه تلك المجموعة وهذا ما قد أحدث شرخا وتأثيرا واضحا على مستوى المجتمع في شرق السودان “. ويشير دسوقي، إلى أن المطالبة بإلغاء مسار شرق السودان التي ظلت مطلب بارز طوال فترة إغلاق الميناء لم تتحقق بعد انقلاب 25 أكتوبر لأنه لم تكن هناك حركة وحدة لكل الإقليم.
صراع حاد
يرى الكاتب والمحلل السياسي، أمين سنادة، أن الانقسامات السياسية عندما كانت تحدث على أساس سياسي لم يكن لها تأثير على الجانب الاجتماعي ويشير إلى أن بداية التأثير الاجتماعي للصراع السياسي في شرق السودان كان بظهور حالة التشظي بمؤتمر البجا منذ اتفاقية اسمرا في العام 2006.
وافرز هذا الواقع بحسب -سنادة- صراعا اجتماعيا أصبح لديه تأثير غير مفيد وافضى الى نزاعات قبلية بثوب سياسي. ويرى أمين في مقابلة مع (عاين)، ان تاريخ العمل السياسي غير المرتبط بالمنصات الاجتماعية والإثنية لم يكن ذا تأثير اجتماعي وبالتالي لم يكن لانقساماتها أي أثر.
ويضيف سنادة، السلطة متمثلة في مجلس السيادة الانقلابي تعيد انتاج الازمات الخاصة بشرق السودان وتشكل العديد من اللجان التي تنعقد وتنفض دون الوصول الى حلول لقضايا الشرق. ويذهب امين، الى ان شرق السودان يحتاج الى العمل لبناء مؤسسات ديمقراطية تسهم في حل القضايا في الشرق وتخلق ولاءات بديلة للقبيلة والتشرذم.
مؤتمر اهل الشرق
وشدد الدسوقي، على ضرورة إقامة ما وصفه بمؤتمر اهل شرق السودان لمناقشة القضايا وتحديد التمثيل في السلطة ونسبتهم في الثروة وكذلك مناقشة كل الاتفاقيات التي عقدت لشرق وهل هي مرضية لتطلعات إنسان المنطقة”. ويرى الدسوقي أن جغرافيا شرق السودان بالإضافة الى الخلل الأمني الذي تشهده البلاد هما سببين وجود التدخلات الخارجية في الشرق، بجانب غياب القوى المدنية وعدم جدية الأحزاب السياسية في العمل وسط مجتمعات الإقليم افضى الى سيطرة الإدارات الاهلية على الساحة السياسية.