“قلب العاصمة السودانية” يغرق في المياه الآسنة وطفح الصرف الصحي

27 مارس 2023

لا يحتاج مرتادو السوق العربي- أكبر أسواق العاصمة السودانية- تتبع مصادر الروائح الكريهة التي تغطي المكان،  فأينما تجول أنظارهم كان هناك طفح مياه مجاري الصرف الصحي بجانب مياه راكدة تضج حيويةً بالذباب والبعوض وتكسوها خضرة الطحالب.

ويوفر السوق الذي يقع وسط مدينة الخرطوم مختلف خدمات بيع السلع الاستهلاكية والمنتجات الصناعية وغيرها، وبرغم أهمية هذا السوق إلا أن بيئته تشهد تدهوراً مريعاً، حيث تُفرش الخضروات والفواكه أرضاً في ذات الممرات التي تسيل عليها مياه الصرف الصحي، و تتكدس أكوام القمامة أمام المطاعم. المجاري الممتلئة بالمياه الآسنة ومياه الصرف الصحي والأوساخ، أضحت تنافس في وفرتها وانتشارها جميع السلع المعروضة.

على امتداد شارع السيد عبد الرحمن يمتلئ مجرى المياه المخصص لتصريف مياه الأمطار بمياه راكدة طوال العام، ويقول محمد صلاح، وهو صاحب متجر لبيع التمور، أن المجرى ظلَّ على هذا الحال لأكثر من عشر سنوات، وعن مصدر المياه يقول بأنها ترجع إلى تسريب في خط مياه رئيسي يمر بتقاطع شارع الحرية مع السيد عبد الرحمن.

ويشتكي أصحاب المتاجر المتاخمة لهذا المجرى من الأضرار التي يتسبب بها، مثل انتشار الحشرات والقوارض، فضلاً عن ابتعاد الزبائن بسبب مجاورته لمتاجر السلع الاستهلاكية.

وتسبب انهمار المياه المستمر في تضرر رصيف شارع الحرية، وذكر محمد صلاح لـ(عاين) أنهم كأصحاب محلات قاموا بردم الشارع عدة مرات لإيقاف تسرب المياه نحو محلاتهم، إلا أن كل هذه المجهودات تعتبر ضعيفة أمام حجم المشكلة.

سبب المشكلة

“مشكلة الصرف الصحي التي تُعاني منها الولاية بشكل عام والسوق العربي بشكل خاص تعود إلى أن شبكة الصرف الصحي بالولاية أصبحت قديمة جداً، كما أنها صُممت على سعات محدودة وقت انشاءها، ومع توسُّع العاصمة أصبح الضغط الواقع على الشبكة أكبر من حمولتها”. يقول مدير شبكة الصرف الصحي بولاية الخرطوم، المهندس محمد السر لـ(عاين).

ويُحمَّل المهندس محمد السر، المواطن جزءاً من الأزمة قائلاً: تعاني المرافق العامة من سوء استخدام من قبل المواطنين، حيث تتسبب الأوساخ المتراكمة في إغلاق شبكة الصرف الصحي وبالتالي حدوث انفجارات في الأنابيب.

بيئة خصبة

تعتبر هذه البيئة الملوثة بيئة خصبة جداً لتكاثر ونمو الحشرات، إذ باتت أسراب البعوض تغزو المتاجر المنتشرة في شارع الحرية ليلاً ونهاراً، فقط يتَّقي أصحاب المحلات إبر البعوض بإغلاق أبواب متاجرهم في معظم الأوقات.

وفي هذا الصدد؛ تقول المهتمة بالشأن البيئي سلمى أحمد لـ(عاين): أصبح هنالك انتشار كثيف للأمراض البكتيرية والأوبئة وسط سكان العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، مثل البلهارسيا والكوليرا وجرثومة المعدة والتايفويد والملاريا، وتعيد هذه الأمراض إلى تلوث مصادر الغذاء، بجانب توافر ظروف بيئية ملائمة لتكاثر مسببات الأمراض.

وبحسب المهتمة بالشأن البيئي سلمى أحمد، فإن اختلاط مياه الصرف الصحي بالمياه الصالحة للاستخدام الآدمي واحدة من أكبر المخاطر التي يمكن أن تتعرّض لها بيئة المنطقة، كما أن هذه المجاري باتت مرعى خصب للقوارض والزواحف، حيث تتحرك بكل أريحية بين المجاري ومطاعم السوق.

تختلط مع المياه الراكدة كميات كبيرة من مخلفات الطعام والخضروات والفواكه التالفة التي يتم التخلص منها من قبل الباعة والتجار والمارَّة في هذه المجاري، مما يُفاقم الأزمة. ويقول محي الدين يحيى، وهو صاحب متجر بالقرب من موقف جاكسون، ان أسباب هذه الأزمة البيئية هما جهتين، الأولى الجهة الرسمية ممثلة في هيئة نظافة ولاية الخرطوم التي تقوم بأعمال لا تتوائم مع حجم الواجبات، أما الجهة الثانية فهي المواطن الذي يتعامل مع البيئة بلا أدنى مسؤولية.

 وتتفق المهتمة بالشأن البيئي سلمى أحمد مع ما ذهب اليه محي الدين وتقول لـ(عاين)،”أن النظافة والمحافظة على البيئة يجب أن يكونا سلوكين شخصيين في المقام الأول، حتى ولو التزمت الجهات الرسمية بتنظيف البيئة ومعالجة هذه المشاكل؛ يبقى أمر المحافظة على نظافة المكان هو مسؤلية المواطن، لذلك يجب تضمين النظافة العامة في المناهج الدراسية بشكل أكبر، وتشريع قوانين رادعة تُجرِّم الإضرار بالبيئة”.

ينبه محي الدين يحيى، كذلك لخطورة المجاري المفتوحة بالقرب من موقف جاكسون ، ويقول: “هنالك عدد من المواطنين سقطوا في هذه المجاري بسبب انعدام الرؤية ليلاً”.

ويتسبب السقوط المتكرر للمارة على هذه المجاري بإصابة العديد منهم بالكسور والجروح، وقال محي الدين أن “ما لا يقل عن شخصين يسقطان يومياً في هذه المجاري”.

مجاري مشتركة

ويلاحظ ايضاً في منطقة السوق العربي تراكم كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي داخل المجاري المخصصة لتصريف مياه الأمطار. لكن مدير شبكة الصرف الصحي بولاية الخرطوم، المهندس محمد السر، يقول أن شبكة الصرف الصحي ليست لها علاقة بمجاري الأمطار، وأرجع مصدر المياه المتواجدة في هذه المجاري إلى التوصيل غير القانوني الذي يتم للمرافق بمجاري الأمطار، أو أن هنالك شبكات مياه تمر عبر هذه المجاري وتعرَّضت للتلف، مما جعل مياهها دائمة الجريان .

بخصوص الحلول النهائية لمشكلة الصرف الصحي بوسط العاصمة، يرى المهندس محمد السر أنه يجب تغيير شبكة الصرف الصحي بالكامل وبناء شبكة جديدة تُلائم التوسع العمراني، كما يجب معالجة مصادر المياه الأخرى مثل إصلاح أنابيب المياة التالفة، فهي كذلك تنافس في قدمها أنابيب الصرف الصحي.

ويناشد أصحاب المتاجر المتاخمة للمجرى الكبير المتواجد شمال موقف جاكسون السلطات بتجفيف المجرى وإغلاقه من أعلى، بجانب عمل حملات رش دورية لكل مناطق تجمع المياه.

 

تعليق واحد

  1. مدير شركة الصرف الصحي المهندس محمد السر قال مشكة الصرف الصحي هي ضيق وقدم مجاري الصرف الصحي ووصف البيئة بالتفاصيل السؤال هل ما هي مهمة شركة الصرف الصحي؟ هل هي إعداد التقارير و رمي اللوم على المواطن! أم مهمتها بناء مجاري صرف صحي جديد، تنظيف المجاري القديمة، توزيع الهوايات و الباسكت في أماكنها المخصصة، فرض الغرامات المالية وحتى السجن لمن يكرر المخالفة. ارجوكم كونوا قدر المسؤولية.

عذراُ. التعليقات مغلقة.