“لجان الكرامة”.. عودة الإسلاميين للسلطة من أدنى مستوياتها

عاين– 1 مايو 2025

مع كل تقدم للجيش السوداني وسيطرته على الأحياء لاسيما في العاصمة الخرطوم، ينشط الإسلاميون عبر أذرع مختلفة للسيطرة على مقاليد السلطة المحلية في هذه المناطق، وبرزت مؤخرا ما يسمى بـ(لجان الكرامة) التي كونها الإسلاميون في عدد من أحياء العاصمة.

ويعود تاريخ تشكيل الإسلاميين لهذه اللجان للعام 2019، لكنها لم تكن فعالة بسبب الحالة الثورية التي كانت تنتظم البلاد وقتها، وانتهت بسقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، لكن هذه اللجان وبحسب نشطاء مدنيين وأعضاء لجان مقاومة وغرف طوارئ تحدثت إليهم (عاين)، ظهرت مجددا بصلاحيات أوسع منها الاعتقال، وانتشرت في عدد من الأحياء التي استعادها الجيش، وظلت تقوم بدور المخبر للأجهزة الأمنية، وتعتقل وتسلم المواطنين، بالإضافة إلى سيطرتها على المعونات الغذائية، وتولي مهام العمل الإداري في الأحياء.

وحلت السلطة الموالية للجيش في يناير 2024 لجان الخدمات والتغيير التي أنشأتها الحكومة الانتقالية التي تشكلت بعد الإطاحة بحكومة الإسلاميين في العام 2029، والتي حلت محل اللجان الشعبية سيئة السمعة في عهد الرئيس المعزول عمر البشير. ولم تعلن السلطة الموالية للجيش رسميا تشكيل ما يسمى بـ”لجان الكرامة”.

وبينما يوحي اسم “لجان الكرامة” بصلة إلى معركة “الكرامة” التي يطلقها الإسلاميون على الحرب الحالية، إلا أن الظهور الأول لهذه اللجان يعود إلى عام 2019، في فترة ما بعد سقوط نظام البشير، وقبل ترسيخ دعائم الفترة الانتقالية وعمل هذه اللجان منذ نشأتها على “تمرير خط الحركة الإسلامية”، مما ألقى بظلال كثيفة من الشك حول طبيعتها وأهدافها الحقيقية. وفقاً للقيادي بلجان مقاومة جبرة في الخرطوم، محمد شاشوق.

 ويشير شاشوق، إلى الانقسام الذي كان سائدًا آنذاك داخل حزب المؤتمر الوطني، حيث كان هناك تيار يعترف بالتغيير الذي حدث كثورة شعبية، وآخر كان يرى فيه مجرد إزاحة للبشير وهو من تبنى فكرة إنشاء لجان الكرامة داخل الأحياء. ويلفت شاشوق إلى أن الخطاب الظاهري وقتها لهذه اللجان كان “متزنًا”، ويدعو إلى الالتزام بالقانون وعدم الانجرار إلى الفوضى، وهو ما يراه البعض تكتيكًا مبكرًا لكسب الشرعية والثقة.

خطر هذه اللجان هو إمكانية امتلاكها للسلاح تحت ذريعة تأمين الأحياء

عضو لجان مقاومة جبرة

 مع اشتداد وتيرة النزاع وتوسع رقعته، تبرز مخاوف متجددة بشأن إحياء هذه اللجان. ويشير عضو لجان مقاومة جبرة شاشوق في مقابلة مع (عاين)، إلى أن الهدف من إعادة إحياء هذه اللجان هو استنساخ تجربة “اللجان الشعبية” سيئة السمعة التي كانت أداة قمع ورقابة في أواخر التسعينيات إبان حكم الإنقاذ. ويتابع: “الخطر الأكبر يكمن في تصور هذه اللجان كبديل لغرف الطوارئ التي أسسها الشباب الثوري، وإمكانية امتلاكها للسلاح تحت ذريعة تأمين الأحياء، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام ممارسات تعسفية وانتهاكات لحقوق الإنسان بغطاء قانوني أو اجتماعي.

موكب 28 فبراير 2022- القصر الجمهوري

وبحسب شاشوق، تعمل هذه اللجان وفقا لتشكيل هيكلي واضح وتحت مسميات مختلفة تبدأ من الوحدات الإدارية، ومنها إلى المحليات، وهذه الهيكلة ما زالت غير معلنة، ولم تُشَكَّل إلا في المناطق التي استردها الجيش مؤخرًا، مثل ولاية الجزيرة والخرطوم وسنار، مما يثير تساؤلات حول وجود دعم أو تسهيلات من بعض الجهات العسكرية لهذه المبادرات. ويقول محمد شاشوق: “السيطرة على هذه الوحدات الإدارية المحلية تمثل خطوة استراتيجية نحو بناء قاعدة نفوذ واسعة يمكن استغلالها في أي ترتيبات سياسية مستقبلية”.

بينما يُقَدَّم العمل على الخدمات الاجتماعية كإحدى المهام الرئيسية لهذه اللجان، يحذر شاشوق من وجود أجندة خفية تتضمن “حظر المنازل التي لم يعد لها أهلها” و”متابعة الوجوه الغريبة عن المنطقة”، وهما مهمتان تحملان في طياتهما إمكانية التمييز والاضطهاد والتضييق على الحريات. ويتابع: “الأخطر من ذلك اتهام أو إلصاق التهمة بالآخر بغرض إيداعه في سجن أو قتله، ويتضمن ذلك اتهام المعارضين بالتبعية لقوات الدعم السريع والقيام بعمليات القبض عليهم بشكل ذاتي، ما يمثل تهديدًا مباشراً لسلامة وأمن المواطنين وتقويضًا لسلطة القانون”.

وزاد محمد:”هذه اللجان تشكلت بالفعل في الخرطوم، وبدأت تتكون في الكلاكلات وجبرة تحت إشراف ضباط من الجيش، وإن كانت منقسمة داخليًا بين تيارات إسلامية مختلفة، يعكس جدية هذا التهديد على أرض الواقع”.

لجان الكرامة محاولة استبدال ممنهجة للجان الطوارئ والشباب الذين كانوا في طليعة العمل الإنساني منذ بداية الحرب

عضو لجان مقاومة الكلاكلة

“منذ دخول الجيش إلى مناطق جنوب الخرطوم، وتحديدًا الكلاكلات، صاحبه عملية “استبدال” ممنهجة للجان الطوارئ والشباب الذين كانوا في طليعة العمل الإنساني منذ بداية الحرب”. يقول عضو لجان مقاومة الكلاكلات محمد بوشي لـ(عاين). ويشير  إلى أن هؤلاء الشباب تعرضوا لحملة تشويه واتهامات بالتعاون مع الدعم السريع والانتماء إلى قوى الحرية والتغيير، مما مهد الطريق لظهور لجان تحت مسمى “لجان الكرامة”.

 يصف بوشي، هذه اللجان بأنها “واحدة من محاولات الإسلاميين لاستبدال الشباب الثوريين بشباب منهم والتحكم في أمرهم”، وهي محاولة “للتقرب من المواطنين ورسم صورة مفادها أنهم هم الذين يقدمون الخدمات للمواطنين وهم الذين يوفرون الأمن لهم”. بموازاة حملة إعلامية تنفي وجود غرف طوارئ، وتدعو إلى التعامل حصريًا مع لجان الكرامة، الأمر الذي يكشف استراتيجية واضحة لإقصاء وتهميش القوى المدنية الفاعلة.

يذهب عضو لجان مقاومة الريف الشرقي -كرري، أم درمان، فتحي صباح الخير، في نقده للجان الكرامة لتأكيد أن الهدف من وراء هذه اللجان هو “إخفاء العنف الواسع والجرائم التي ارتكبتها مجموعات الإسلاميين التي تخوض الحرب إلى جانب الجيش، لا سيما كتيبة البراء بن مالك تحت غطاء مد يد العون للمدنيين.

 يعزو صباح الخير في مقابلة مع (عاين) تشكيل هذه اللجان إلى أنها محاولة للقيام بعملية إحلال وإبدال للجان الأحياء، بهدف شيطنة ثوار ديسمبر، وتُحصّن اللجان المحمية بالسلاح من أي انتقاد أو لوم. ويتابع: هذه اللجان تمثل شرعنة لأعمال عنف جديدة ضد المدنيين، وأنها ستكون نموذجًا أسوأ آلاف المرات من اللجان الأمنية الشعبية في عهد النظام البائد.

نظام الحركة الإسلامية يخطط لمحو أي مظهر من مظاهر الثورة لكي لا تعود مرة أخرى

ناشط سياسيي

لا يبدي الناشط السياسي عز الدين حمد مخاوف من أن تحل لجان الكرامة محل لجان المقاومة بشكل مباشر، بقدر ما يرى أن “نظام الحركة الإسلامية يخطط لمحو أي مظهر من مظاهر الثورة لكي لا تعود مرة أخرى”. ويوضح حمد في مقابلة مع (عاين): أن “الهدف البعيد إذا حدث وتغير الواقع، وانتهت الحرب بأي طريقة كانت، فهم لا يريدون للحركة الإسلامية أن تتغير، بل يريدون أن يكونوا القوة المهيمنة القادرة على توجيه مستقبل البلاد”.

 ويرى عز الدين، أن الشباب الفاعلين في غرف الطوارئ والمبادرات الإنسانية سيعودون بقوة بعد انتهاء الحرب، مستفيدين من خبراتهم المتراكمة منذ عام 2018، وأن لجان المقاومة ستستعيد دورها المؤثر.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *