«موت على الأرصفة».. كيف عقّدت الحرب حركة السفر من وإلى دارفور؟
عاين-7 أكتوبر 2023
يتعين على “حامد علي عيسى” وزوجته المريضة مريم آدم، السفر من مدينة نيالا غربي السودان إلى مدينة ود مدني في وسط السودان بحثاً عن العلاج في رحلة قد تستغرق (30) يوماً، بدلاً عن يوم واحد قبل إندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في الرابع عشر من أبريل الماضي.
لا يهتم حامد علي (45 عاما) بالمواجهات المسلحة الدائرة حاليا في البلاد، ولا يتحدث عنها كثيرا رغم مقتل شقيقه قبل فترة قصيرة، فقد بات كل همه إيجاد سانحة لنقل زوجته التي تحتاج لعملية جراحية عاجلة “استئصال الرحم” إلى مستشفى ودمدني، بعد أن فقد الأمل في إجراء العملية بالمستشفيات التي دمرتها الحرب في معظم مدن إقليم دارفور الذي يبعد نحو (1200) كيلومتر من مدن وسط السودان.
وباتت المريضة مريم آدم، واحدة من عشرات المرضى المسافرين الذين ينتظرون في مدن وبلدات بدارفور فرص السفر إلى ولايات النيل الأبيض والجزيرة وسط السودان بحثاً عن العلاج لجهة انها الاكثر اماناَ من مدن غربي البلاد، وهم ينتظرون بجانب مئات الأسر المغادرة مناطقهم إلى جهات آمنة.
تعقيدات متزايدة
فاقمت الحرب المستعرة بين الطرفين من معاناة سكان إقليم دارفور الذين يعتمدون قبل الحرب في علاج الحالات المستعصية على مستشفيات العاصمة “الخرطوم” لعدم توفر التخصصات الطبية النادرة والأجهزة المتقدمة بمستشفيات الإقليم، بجانب حصولهم على الدواء والمواد الضرورية ايضاً من المركز.
وتزداد حركة النقل والسفر تعقيداً يوماً بعد يوم من ولايات غرب البلاد إلى ولايات ومدن الوسط نتيجة حالة عدم الأمان السائدة وغياب الدولة التي ألقت بظلال قاتمة على الأوضاع الإنسانية والمعيشية لسكان الإقليم الذين يقدر تعدادهم بنحو (9.5) مليون نسمة.
كلفة الطريق المحفوف بالمخاطر الأمنية أعلى للقادمين من مدن دارفور، لجهة أن الطرق أصبحت تخضع بشكل كامل لسيطرة مليشيات قبلية وعصابات النهب المسلح، بجانب دوريات عسكرية لقوات الدعم السريع.
وأصبحت السانحة الوحيدة للسفر الآمن من دارفور وكردفان عبر القافلة الانسانية والتجارية التي تقوم بحمايتها القوة المشتركة من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية السلام بقيادة مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور.
وفيات في محطات السفر
ويقول أحد المسافرين إنه مكث وزوجته المريضة (21) يوماً بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في انتظار تحرك الطوف التجاري إلى مدينة “كوستي” في ولاية النيل الابيض، لجهة أنه الوسيلة الوحيدة للوصول إلى مدينة “ود مدني”.
واًضاف لـ(عاين)، أن “مئات المسافرين معظمهم من المرضى والأسر ينتظرون رحلة الطوف التجاري التي تنظم مرة واحدة خلال الشهر”.
(4 – 9) حالة وفاة على رصيف الميناء بين المسافرين في كل رحلة من رحلات الطوف التجاري.
عضو لجنة الطوارئ: محمد آدم علي
ويكشف عضو لجنة الطوارئ في الميناء البري بمدينة الفاشر، محمد آدم علي، عن (4 – 9) حالة وفاة على رصيف الميناء بين المسافرين في كل رحلة من رحلات الطوف التجاري.
ولفت آدم في مقابلة مع (عاين)، إلى تكدس آلاف الركاب بجانب مئات البصات السفرية والشاحنات بالمدينة في وقت لم تعلن القوة المشتركة موعد محدد لتحرك الطوف هذا الشهر.
ويقول الناطق الرسمي باسم القوة المشتركة، أحمد حسين مصطفى، “توفي ثلاثة من من ركاب بص خلال الرحلة من الفاشر إلى كوستي”. واضاف: ايضا هناك تلف في البضائع بسبب طول فترة الانتظار”.
ونوه حسين في مقابلة مع (عاين)، إلى إنهم يدرسون خيارات تسيير طوف القوة المشتركة الذي يعمل على تأمين القوافل التجارية والإنسانية مرتين خلال الشهر، بجانب زيادة دفعات جديدة من القوة لتأمين الموسم الزراعي وحماية المدنيين لتقليل معاناة المواطنين.
“الحرب وضعت سكان إقليم دارفور أمام خيارات قاسية خاصة فيما يتعلق بالحصول على الخدمات العلاجية لجهة أنهم لا خيار أمام المرضى إلا السفر براً وقطع مسافة أكثر من ألف كيلومتر إلى ولايات الوسط وسط المخاطر الأمنية والتكاليف المالية الباهظة”. يقول عضو لجنة الطوارئ الصحية بولاية شمال دارفور محمد أبكر لـ(عاين).
ويضيف: “رغم الجهود التي تبذلها القوة المشتركة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والسفر عبر الأطواف إلا أن الوضع بات أكثر تعقيداً من أي وقت مضى”. وأشار إلى وفيات لمعظم الحالات المرضية الحرجة بسبب تعقيدات السفر وانهيار النظام الصحي الناتج عن خروج مستوصفات خاصة مهمة كانت تقدم الخدمات العلاجية على مستوى مدن دارفور.
وتابع: “المستشفيات العاملة لا تستطيع إجراء العمليات الجراحية الكبيرة بسبب شح الإمكانيات وانعدام الدواء”.
وإلى ذلك تسود بين سكان الإقليم مخاوف من تنامي ظاهرة فرض الرسوم الباهظة بصورة ابتزازية من قبل المليشيات الأهلية المسلحة على الشاحنات والمركبات السفرية خلال بوابات أنشأتها على الطرق الرئيسية المؤدية إلى ولايات دارفور وكردفان.
وعلى الرغم تولى القوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، مسؤولية إيصال المواد الإغاثية وتسهيل مرور بعد المركبات التجارية، إلا أن معاناة المواطنين تتفاقم بصورة مع طول أمد الحرب وغياب مؤسسات الدولة.