غياب المحكمة الدستورية في السودان.. من يريد إجهاض العدالة؟

12ديسمبر 2020

انتهى أجل المحكمة الدستورية – أعلى سلطة قضائية في السودان- 12 يناير من العام الجاري، ونصت الوثيقة الدستورية التي تحكم فترة الانتقال في البلاد على تشكيل المحكمة الدستورية على يد مجلس القضاء العالي الذي لم تتم إجازة قانونه حتى الآن، وتقول السلطة القضائية أن تشكيل المحكمة الدستورية رهين بإجازة القانون من قبل مجلسي السيادة والوزراء والقاضي بتشكيل مجلس القضاء العالي والذي  بموجبه يفوض له صلاحيات تشكيل للمحكمة الدستورية.

أشهر عديدة مضت وسط تجاهل حكومي تام لتشكيل المحكمة الدستورية المنوط بها حراسة الدستور السوداني بصورة عامة ودساتير الولايات وتعتبر أحكامها نهائية وملزمة، وفي السابق وعلى عهد الرئيس المخلوع تتكون المحكمة الدستورية من تسعة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية بناءً على توصية المفوضية القومية للخدمة القضائية وولاية قاضي المحكمة تمتد إلى سبع سنوات ويجوز تجديدها.

تأخير تشكيل المحكمة الدستورية ابدى على أثره قانونيون قلقا وما له من مردود سلبي على تحقيق العدالة، وان وغيابها يعتبر نقصان في تحقيق أهداف الثورة، وأن نجاح الفترة الانتقالية، يعتمد على الفصل بين السلطات الثلاث. ووسط هذا القلق تبرز اتهامات متبادلة بعدم رغبة بعض المكونات المشاركة في السلطة لجهة ان المحكمة فور تشكيلها مخول لها البت في قضايا عديدة  من بينها القرارات المخالفة للوثيقة الدستورية.

غياب المحكمة الدستورية في السودان.. من يريد إجهاض العدالة؟

حماية

يقول المحامي والمستشار القانوني، بارود صندل لـ(عاين)، ان هدف المحكمة الدستورية هي حماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية، و الفصل في دستورية القوانين والنصوص وفقا للدستور، وكذلك الفصل في النزاعات الدستورية في مستويات الحكم المختلفة، والفصل في النزاع بين الحكومة الاتحادية والحكومات الولائية، ايضا هي الجهة الوحيدة المعنية بحماية الحقوق الاساسية للمواطنين، وفي حالة حدوث الانتهاك تتدخل في أحكام القضاء النهائية، مثلا في حالة الحكم بالإعدام على الأشخاص، لها حق مراجعة تلك القوانين، ثم الفصل في دستورية القوانين، ومعرفة أي القوانين التي تخالف الدستور، وهي تتألف من 7 قضاة، القضاة الستة عقوداتهم انتهت، وليس من ضمنهم رئيس المحكمة الدستورية.

ويشير صندل، إلى أن رئيس المحكمة الدستورية خاطب في وقت سابق المجلس السيادي الحاكم، بأن لديه 6 قضاة عقوداتهم انتهت، وكان بإمكان مجلس السيادة التجديد لهم فقط لمدة عام، إلا أنه  رفض بحجة، ان هؤلاء القضاة يتبعون للنظام السابق. ويوضح بأن سبب تأخير تشكيل المحكمة الدستورية، أنه سبب متعمد، وعدم التجديد لقضاة المحكمة الدستورية المنتهية ولايتهم، يهدف إلى عرقلة تنفيذ العدالة في سائر البلاد، مثل هذا العمل لا يتيح فرص الطعن في المخالفات الدستورية التي تحدث، لهذا تأتي اهمية وجود المحكمة الدستورية في البلاد.

غياب المحكمة الدستورية في السودان.. من يريد إجهاض العدالة؟

دستورية القوانين

لا يرى المحامي والخبير القانوني، شوقي يعقوب والخبير القانوني، لا يوجد سببا واحدا لتأخير تشكيل المحكمة الدستورية التي انتهت منذ يناير الماضي هذا العام، ويقول شوقي لـ(عاين) “ليس هناك سبب موضوعي يجعل حلفاء الفترة الانتقالية يؤخرون تشكيلها، بالرغم من تقديم ترشيحات جديدة من جانبهم للمحكمة الدستورية”. وينوه يعقوب، أن غياب المحكمة له آثار سلبية على تنفيذ القوانين، وأوضح ان البرلمان أو المجلس التشريعي، يستحيل أن  يحل محل المحكمة، البرلمان له دور سن القوانين، والمحكمة الدستورية عملها فني، ولها صلاحية النظر في دستورية القوانين، إذا كانت تتوافق مع الوثيقة الدستورية أو تعارضها. ويستبعد شوقي، أن تأخيرها بسبب تماطل تحالف قوى الحرية والتغيير والشركاء في المجلس السيادي، ويعتبر ذلك مجرد ادعاءات لا تسندها وقائع حقيقية.

لكن المحامي، عثمان صالح، يتهم المكون العسكري وقوى سياسية داخل الحرية والتغيير، بتأخير تشكيل المحكمة الدستورية. ويشير إلى انه من المعلوم أن المحكمة الدستورية والمجلس التشريعي من ضمن هياكل السلطة في الفترة الإنتقالية ومنصوص عليها في الوثيقة الدستورية. ويقول عثمان لـ(عاين) ان إنشاء المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية حتماً سوف يحجم سلطات المكون العسكري ويسحب البساط منه ولذلك تجرى مماطلة في عدم تشكيل المجلس التشريعي وكذلك المحكمة الدستورية.

ويضيف صالح ” المحكمة الدستورية كانت سوف تلغي كل العبث بإسم الوثيقة الدستورية وكانت سوف تلغي كل القوانين المقيدة للحريات وكانت ستلغي كل القرارات المخالفة الوثيقة الدستورية والتعديلات التي لحقت بالوثيقة الدستورية نفسها”.

الفصل في النزاعات

عودة الاعتقالات في السودان.. مؤشر تعثر دولة القانون

يعتقد المحامي عبدالباسط الحاج، وعضو هيئة محامي دارفور، أن تأخر تشكيل المحكمة الدستورية خلال السنتين يعود إلى الإضطراب السياسي الذي يعم الفترة الانتقالية، كان من المفترض أن تتشكل منذ الاتفاق على الوثيقة الدستورية، ويقول عبدالباسط لـ(عاين)، “تقوم  المحكمة الدستورية  بالرقابة على دستورية القوانين، و حفظ الحقوق، والحريات الأساسية،  والفصل في النزاعات الدستورية، ولكن هناك فراغ عام تشريعي و دستوري القى بظلاله على العديد من القرارات السياسية العامة، ولا أعتقد أن هنالك ما يستدعي تأخر قيام المحكمة الدستور طوال هذه الفترة”.

ويشير عبد الباسط، إلى أن التأثير الذي يحدث على غياب المحكمة الدستورية كبيرا جدا، مبدئيا أن المحكمة الدستورية هي جزء من نظام التقاضي السوداني، لها صلاحية النظر في دستورية القوانين، ومدى التزامها بنصوص الدستور، وضمان الحقوق الاساسية للمواطن، كما انها تنظر في النزاعات الدستورية والطعون في القرارات السيادية، في حال غياب هذه المحكمة فهناك خطر على مسألة الحقوق الدستورية، ونزاهة الممارسة السياسية في السودان.

يوضح عبدالباسط أن نص المادة 31 في الفصل الثامن، في الوثيقة الدستورية المعدلة سنة 2020، بعد تضمين اتفاق السلام،  لم يحدد على من تقع مسؤولية تكوين المحكمة الدستورية اذ انها نصت في الفقرة الثانية على (تشكل المحكمة الدستورية وتحدد اختصاصاتها و سلطاتها وفقا للقانون) سابقا كان رئيس الجمهورية هو المسؤول عن تعيين رئيس المحكمة الدستورية.