«نذر حرب أهلية».. أكثر من دافع لاقتناء السلاح في السودان
27 يونيو 2023
بات اقتناء السلاح الناري ضمن أولويات غالبية السودانيين بمعظم مدن ولايات البلاد عقب حرب الجيش وقوات الدعم السريع، الأمر الذي ينذر بحرب أهلية لا سيما وان الحراك يتزامن مع تصاعد ملحوظ في وتيرة الصراعات بين المجموعات الأهلية لاسيما ولايات دارفور ومدينة الجنينة على وجه التحديد.
سباق التسلح بين المواطنين دوافعه عديدة ومختلفة من منطقة إلى أخرى، ففي ولايات دارفور ينتشر السلاح بين المواطنين والمجموعات الأهلية وجرى استخدامه في الصراعات القبلية المميتة بالاقليم في وقت سابق.
وفي الخرطوم وبعض المدن الأخرى، مثّل انتشار العصابات المسلحة أبزر دوافع المواطنين في الحصول على الأسلحة بغرض حماية أنفسهم وممتلكاتهم في ظل غياب تام لقوات الشرطة والأجهزة الأمنية المعنية بتأمين حياة المدنيين منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف شهر أبريل الماضي.
رغبة المدنيين في الحصول على السلاح تزامنت مع دعوات أطلقها وزير الدفاع السوداني المكلف ياسين إبراهيم ياسين لتسليح معاشيي القوات المسلحة وكل من يستطيع حمل السلاح ونداءات مماثلة من حاكم إقليم دارفور مني اركو مناوي الذي حث مواطنه على التسلح لحماية أنفسهم وممتلكاتهم من اعمال النهب.
لكن لا تبدو أهداف المدنيين متسقة مع مخطط الجيش السوداني الذي يرمي -وفق الخبير العسكري الفريق خليل محمد الصادق، الى فرض مقاومة شعبية مسلحة ضد قوات الدعم السريع المتغلغلة داخل الأحياء السكنية واجبارها على مغادرتها وهي واحدة من التكتيكات العسكرية التي دائما ما تلجأ لها القوات المسلحة في حرب المدن على وجه التحديد.
فيما يقول بشير أحمد علي – مواطن يسكن ضاحية امبدة غربي العاصمة السودانية لـ(عاين) إنه بدأ تفكير جدي للحصول على سلاح ناري مهما كلفه ذلك في ظل انتشار العصابات المسلحة.
ويضيف: “سأحتفظ بالسلاح للدفاع عن نفسي وعائلتي ومنزلي ولن نعتدي به على أي طرف، فنحن كمواطنين لسنا طرفا في الحرب الحالية، بل فرضت علينا الظروف الأمنية حمل السلاح”.
يجسد “بشير” لسان حال ملايين السودانيين في العاصمة الخرطوم التي تعيش تحت رحمة العصابات المسلحة منذ اندلاع الحرب، فباتوا يفكرون في الحصول على السلاح الناري، ويراود التفكير نفسه مواطنين في مناطق آمنة مثل النيل الأبيض وإقليم كردفان التي تتصاعد فيها وتيرة الاحتقان القبلي.
“اشتريت قطع من السلاح الناري لي ولأبنائي، إذ تتربص بناء الصراعات القبلية والعصابات من كل الاتجاهات، ولا توجد مراكز للشرطة تعمل في الوقت الراهن”.
مواطن من غرب كردفان
يقول “حمزة” وهو أحد مواطني ولاية غرب كردفان لـ(عاين)، “حصلت على قطع من السلاح الناري لي ولأبنائي، إذ تتربص بناء الصراعات القبلية واللصوص من كل الاتجاهات، ولا توجد مراكز للشرطة تعمل في الوقت الراهن، فلم يكن أمامنا خيار غير التسلح لحماية أنفسنا وممتلكاتنا فقط، فلن نكون طرفا في الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع مطلقاً”.
نشاط مكثف
بفضل حالة الفوضى التي خلفتها الحرب الضارية، لم يعد الحصول على السلاح أمرا صعباً مثلما كان في السابق – وبحسب مصادر في شرطة المكافحة تحدثت مع (عاين) فإن مناطق غرب أمدرمان وشرق العاصمة السودانية تحولت الى أسواق مفتوحة للسلاح يتحرك فيها تجار وعصابات الأسلحة بكامل حريتهم.
وتشير المصادر، الى أن كبار تجار الأسلحة كانوا معتقلين في سجني الهدى وكوبر عادوا الى ممارسة نشاطهم بحرية كاملة بعد أن تمكنوا من الخروج مع الأحداث التي شهدتها السجون الرئيسية، ويكثفون عملهم في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع حالياً ومن المرجح أنهم يعملون وفق تنسيق محكم مع منسوبين لهذه القوات في الترويج لعمليات نقل وبيع الأسلحة.
سوق طرفي في الخرطوم تباع به قطع السلاح بأسعار زهيدة، 50 ألف جنيه للمسدس و150 ألف لـ (الكلاشنكوف)
ويتم عرض أسلحة متنوعة في أحد الأسواق الطرفية غربي مدينة أمدرمان بأسعار زهيدة تبدأ من 50 ألف جنيه للمسدسات ومن 150 ألف للكلاشنكوف مع منح كميات كبيرة من الذخائر مجاناً مع كل قطعة سلاح تقوم بشرائها، ويتم الترويج لهذه الأسلحة بواسطة اشخاص يرتدون زي مدني وآخرين بلبس قوات الدعم السريع، وذلك حسب ما نقله شاهد من (عاين).
يقول مصدر أمني لـ(عاين)، إن “بعض منسوبي قوات الدعم السريع يقومون بالتخلص من أسلحة زملاءهم الذي ماتوا في المعارك العسكرية، ببيعها نظير مقابل مادي زهيد للأشخاص العاديين، فهم لا يفضلون الاحتفاظ بها مطلقاً، كما أنه في وضع الحرب لا تتم محاسبة أي جندي على فقدان السلاح أو الذخائر، الشيء الذي خلق سيولة كبيرة في سوق السلاح”.
السلاح بدارفور
ولا يختلف الوضع كثيراً في دارفور فيما يلي الحصول على السلاح بالرغم من وجود جزء من سلطة الدولة في ولايات الإقليم الخمس، حيث تصل الأسلحة والذخائر بمختلف أنواعها الى أيدي المواطنين بسهولة وبأسعار زهيدة أيضاً، وذلك حسبما نقله الصحفي والمحلل السياسي محمد صالح البشير لـ(عاين).
ويقول البشير المقيم في مدينة الضعين بولاية شرق دارفور ، أن “عملية التسليح في إقليم دارفور ليست بالأمر الجديد أو المستغرب فهي موجودة أصلا، وتراجعت وتيرتها بعد اتفاقية جوبا للسلام في السودان وما اعقبها من استقرار نسبي في الأوضاع الأمنية، لكن عاد اهتمام المواطنين باقتناء السلاح بشكل كبير مع اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع”.
“شرق دارفور كغيرها من ولايات الاقليم، هناك رغبة في الحصول على مزيد من الأسلحة والذخائر ربما تحسبا لقادم أسوأ، وفي الغالب يحصل المواطنين على السلاح من أقاربهم في الجيش وقوات الدعم السريع واستغلال العلاقات الاجتماعية”. يضيف صالح.
وتابع “هذا مؤشر خطير للغاية، فإن امتلاك الجميع للسلاح سيقود الى مزيد من الاقتتال في ظل الهشاشة الأمنية ووجود الخلافات على اساس قبلي. ونخشى من اندلاع حرب أهلية شاملة في ربوع السودان “.
بدوره، نقل الصحفي المقيم في ولاية شمال دارفور مبارك أبوسن لـ(عاين)، أن حمل السلاح في منطقته يمثل جزء من ثقافة إجتماعية سائدة وسط السكان والتي فرضتها بطبيعة الحال الحروبات والصراعات المسلحة التي يشهدها الإقليم منذ عقود ولا وجود لأي متغيرات على الأرض فيما يلي الاستحواذ على الأسلحة والذخائر من جانب المدنيين.
وفي مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، قام منسوبي الجيش وقوات الدعم السريع والشرطة، بتوزيع السلاح مجانا على مناصريهم المدنيين المتحاربين فيما بينهم، وكان له مردود سلبي على الصراع القبلي المتطاول في المنطقة، وذلك وفق ما نقلته مصادر لـ(عاين).
أراء متباينة
لا يرى العسكر المتقاعد الفريق خليل محمد الصادق وجود مشكلة كبيرة في انتشار السلاح. ويقول في مقابلة مع (عاين): “إنتصار الجيش السوداني سيكون له مردود إيجابي كبير على فرض هيبة الدولة ومن الممكن تنفيذ خطة سريعة لجمع السلاح من أيدي المدنيين بخلاف ما كان عليه الحال في السابق، ومن ثم تبني خطط انتشار وانفتاح الجيش القومي المهني الموحد”.
فيما يرى عميد ركن متقاعد، خالد محمد عبيدالله، أن مسألة تسليح المدنيين هو عامل ذو حدين يساعد في حصر قوات الدعم السريع المتمردة وتقصير أمد الحرب من جهة، ومن ناحية أخرى قد يفتح الباب على مصراعيه لحرب أهلية تقود إلى مجازر بشرية في بلد تعتبر فيه القبلية هي المكون الأساسي للمجتمع.
ويقول عبيد الله في مقابلة مع (عاين) إن تسليح المدنيين في دارفور ليس جديدا فهي منطقة متاخمة لصراعات وحروب عسكرية منذ أمد طويل، والأمر برمته ينذر بحرب قبلية لا نهاية لها.
فيما يصف أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، صلاح الدومة، دعوات التسليح بـ “مخطط فاشل” قاده الاسلاميين لتحقيق ما عجز عنه الجيش بكل ما يملك من تسليح عبر المواطنين.
وأشار الدومة في مقابلة مع (عاين)، إلى أن هذا المخطط سيضع المدنيين في مواجهة مع قوات الدعم السريع ويعرضهم الى خطر الموت بصورة أكبر مما كان عليه الحال في السابق.
ويضيف الدومة.”السلاح منتشر أصلاً في يد القبائل خاصة في المناطق الملتهبة في إقليم دارفور وغيره، لكن خطورة الأمر تكمن في محاولة استخدام سلاح المدنيين لصالح الجيش، فقوات الدعم السريع المنتشرة بصورة كثيفة في العاصمة يمكنها محاصرة اي حي سكني والقبض على اي شخص يطلق النار على منسوبيها وقتله، وربما قتل جميع السكان وهو امر كارثي ويهدد حياة السكان الى حد بعيد”.