“الضحايا لا يثقون بها”.. كيف تفرض قوات الدعم السريع المصالحات الأهلية؟

26 فبراير 2023

لا يثق “محمود عثمان”، وهو أحد سكان بلدة حجير سمبو في محلية بليل بولاية جنوب دارفور التي شهدت آخر عمليات العنف الأهلي، في نجاح مؤتمرات الصلح التي ترعاها قوات الدعم السريع بعد كل نزاع في الإقليم.

ويقول عثمان معلقاً على مؤتمر الصلح الأخير بين طرفي النزاع “الداجو- والرزيقات” الذى تلى عمليات العنف: “لايزال الرعاة يدخلون مواشيهم إلى الحقول الزراعية بدارفور، ويهددون المزارعين المحتجين على هذه الأعمال العدائية بالقتل”. ويتابع في مقابلة مع (عاين): “الصلح الذي تم لا يمثل المواطنين ولا يخاطب القضايا التي أدت للنزاع”.

وفقا لتقرير لجنة التحقيق في الاحداث، والتي أعلنت نتائجها الاسبوع الماضي،  قُتل 14 شخصاً من طرفي النزاع، وأصيب 18 آخرين، فيما تم حرق 17 قرية من قبل متفلتين من قبيلة الرزيقات وتدخل متفلتين من معظم قبائل القرى المجاورة، الى جانب ثبوت تحركات لبعض سيارات الحركات المسلحة في منطقة الاحداث، فيما تم تسجيل حالتي قتل لفردين يتبعان للشرطة وقوات الدعم السريع واصابة مثلهما.

مبعث عدم الثقة التي يتحدث عنها “عثمان” ويتوافق معه آخرين من ضحايا هذا النوع من العنف يعود إلى الطريقة التي تفرض بها قوات الدعم السريع هذه المصالحات تحت مسمى وقف العدائيات بين المجموعات القبلية لاسيما وان إتهامات متكررة تطال عناصر الدعم السريع بالتورط في القتال الأهلي من جهة وطرح مبادرة المصالحات من جهة أخرى.

سيدة تقف على انقاض منزلها المحروق بقرى محلية بليل في ولاية جنوب دارفور

وكانت قوات الدعم السريع أنشأت لجان للمصالحات بولايات دارفور برئاسة ضباط عسكريين، وتتوعد المخالفين لعمليات الصلح بالسجن على غرار سجن العشرات في ولايتي غرب وشمال دارفور، أو عبر تحفيز قيادات القبائل بدفع الأموال والسيارات أو وعدهم بتجنيد منسوبيهم في قوات الدعم السريع، بجانب إنشاء صندوق خيري لدعم إعادة النازحين ومعالجة أوضاعهم الإنسانية.

ومؤتمر الصلح الموقع بين الداجو والزريقات في يناير الماضي يعد السادس من نوعه تحت رعاية قوات الدعم السريع التي سبق لها أن رعت مؤتمرات بين عدد من المجموعات الاهلية في ولاية غرب دارفور لإنهاء الخلافات في كل من “الجنينة، كرينك، وسربا وجبل مون وكلبس”. بالاضافة الى توقيع صلح بولاية جنوب دارفور عقب أحداث محلية قريضة

ويتهم ضحايا النزاعات الأهلية قوات الدعم السريع بالمشاركة ودعم المكونات الاجتماعية التي ينتمون إليها مستخدمين عتاد القوات العسكرية لمناصرة مكوناتهم الاجتماعية كما تم من قتل وحرق في قرى وبلدات محلية “بليل” بولاية جنوب دارفور مؤخراً بجانب الهجوم المسلح على بلدة “كرينك” ومعسكر “كريندق” الشهيرة في ولاية غرب دارفور.

الدعم السريع وفي أكثر من مناسبة ينفي قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي” تورط قواته في الأحداث. وتعليقاً على احداث بليل الأخيرة اتهم حميدتي في تصريحات عقب الحادثة بعد زيارته الميدانية لمناطق القرى المحروقة، جهات -لم يسمها- بمحاولة تشويه سمعة قواته عبر تصوير بعض عناصر الدعم السريع ممن ظهروا في الفيديوهات، ومحاولة إلصاق التهمة بهم. وأعلن عن توقيف كل من ظهر من قواته في تسجيلات الفيديو وإحالتهم  إلى السجن إلى حين تسليمهم للجنة التحقيق للفصل في أمرهم. وأشار إلى قواته  وقفت تشاهد الأحداث دون تدخل. وقال أن “قواته تحركت لمكان الأحداث برفقة قوات مشتركة تنفيذاً لتوجيهات لجنة أمن الولاية”.

 وفي 27 يوليو الماضي، أمر حاكم ولاية غرب دارفور، خميس عبد الله أبكر، باحتجاز (177) مدنياً من ولايته دون إجراءات قضائية، بحجة مشاركتهم في نزاع أهلي ومعارضتهم المصالحات في بلدة (آزرني)، ونُقِل (90) منهم إلى سجن بورتسودان وآخرين في سجن “اردمتا” بمدينة الجنينة عاصمة الولاية.

وكانت هيئة محامي دارفور قالت في بيان سابق لها، أن الشخص الذي قام باعتقال المواطنين في ولاية غرب دارفور، يدعى “موسى أمبيلو” وهو قائد سابق في قوات الدعم السريع صدرت بحقه أوامر توقيف من النيابة العامة كأحد المتهمين في أحداث معسكر كريندنق 1 خلال العام 2019 قبل أن يختفى ويعود لاحقًا بعد تعيينه رئيساً للجنة المصالحات القبلية في أعقاب الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش وقائد الدعم السريع على السلطة المدنية في أكتوبر 2021 .

تهديدات واعتقالات

وتقول هيئة محامي دارفور، إن تدخل قوات الدعم السريع في فرض المصالحات عقّد من عملية السلام الاجتماعي بين القبائل وساهم بشكل كبير في عدم الأمان بدارفور لجهة أن القوات نفسها متهمة بالتورط في العنف الأهلي وفي نفس الوقت تقوم بدور المصالحة وفرض بنود الصلح على الأطراف.

مصدر مياه في قرى محلية بليل

ووصف عضو هيئة محامي دارفور بولاية شمال دارفور، عيسى فضل، أن تهديد المناوئين للمصالحات التي يجريها الدعم السريع بالسجن محاولة لحجب الحقائق المتعلقة بالانتهاكات التي يرتكبها منسوبي هذه القوات في حق المدنيين.

وأشار عيسى خلال حديثه لـ(عاين)، إلى إنهم تلقوا بلاغات تؤكد تهديد قيادات أهلية بمحلية بليل بجنوب دارفور ومنعهم من التصريح للاجهزة الإعلامية حول أحداث العنف التي وقعت في ديسمبر الماضي وايداعهم السجون على غرار ما جرى في ولايتي غرب وشمال دارفور.

وكان قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، هدد في لقاء مفتوح في بلدة “أموري” بمحلية بليل خلال وقوفه على أحداث العنف التي اندلعت بين قبيلتي الداجو والرزيقات، قيادات وإدارات اهلية بالسجن خاصة الذين اعترضوا على مبدأ الصلح ومطالبتهم بمحاسبة المجرمين ووصفهم بـ (المندسين).

ويقول أحد قيادات الداجو -فضل عدم ذكر اسمه- خلال حديثه مع (عاين)، أنه تلقى تهديداً بالسجن بتهمة التحريض حال اعتراضه على عملية المصالحة بين قبيلة الداجو والعرب الرزيقات، ومنع النازحين الفارين إثر  أعمال العنف من العودة إلى بلداتهم التي نزحوا منها.

وتطابقت إفادة المسؤول الأهلي مع تأكيد مصادر عدلية لـ(عاين)، إعتقال نحو (7) من أبناء الداجو بتهم التحريض على خلفية الأحداث الأخيرة في منطقة “بليل” دون أي تهمة واضحة أو إجراءات قانونية عادلة.

“قوات الدعم السريع  ليست الجهة المناسبة لإجراء المصالحات لأن عناصرها متهون ايضاً بالتورط في القتال ولا يمكن لمتهم أن يقوم بدور الوسيط في نفس الوقت”. يقول الناشط المهتم بقضايا الصراع في دارفور، نورالدين محمد بريمة لـ(عاين) ويضيف: ” تدير هذه القوات أمر المصالحات بنفس عقلية النظام السابق وتساعد المجرمين في سياسة الإفلات من العقاب”.

 ويتابع: “قوات الدعم السريع لم تعتقل أي شخص من عناصرها بسبب الصراعات القبلية بالرغم من وجود أدلة قوية تجاه أشخاص بعينهم وكان ذلك واضحاً خلال الأحداث التي شهدتها ولايتي جنوب وغرب دارفور مؤخراً”.

ويرى بريمة، أن تدخل الدعم السريع في الصلح بين المجموعات الاهلية في الآونة الأخيرة له تأثير سلبي على أداء الاجهزة الامنية نفسها خاصة قوات الشرطة والأجهزة المنوط بها الدور القانوني.

أسباب وراء استمرار العنف

“تكرار النزاعات رغم المصالحات والجوديات في دارفور يعود إلى الطريقة التي يتم بها التدخل في حل النزاعات الأهلية وإجراء المصالحات وهي طريقة ما عادت مواكبة لتطور الصراع في دارفور لأن الصراعات أصبحت أكثر تعقيدا من أي وقت مضى”. يقول مدير مركز أبحاث ودراسات السلام بجامعة نيالا ، سعد الدين حسن إدريس.

ويضيف إدريس في مقابلة مع (عاين): أن “بنود المصالحات لا تخاطب أسباب المشاكل الحقيقية أو بصورة علمية لجهة أن طريقة -الجودية- في حل الصراعات لم تعد مجدية والصراع أصبح معقد بدرجة كبيرة ويحتاج لطرق علمية لتحليله ومعرفة دوافع واتجاهات الصراعات.

وينوه سعد الدين، إلى أن الصراعات في دارفور ليست مجرد صراع بين راعي ومزارع ولا يمكن الوصول للمصالحات بالطرق التقليدية مثل التي تجرى الآن ويتم فيها التوصل لوقف إطلاق النار ومن ثم يتجدد الصراع مرة أخرى في منطقة ما.

انصاف الضحايا

“ضرورة إنصاف الضحايا من خلال القبض على الجناة في المقام الأول لجهة انه الاتجاه الصحيح تجاه وقف العنف وسياسة الإفلات من العقاب، علاوة على قيام الدولة بدورها الحقيقي تجاه المدنيين من خلال قوات عسكرية مشتركة تقودها الشرطة”. هذا ما يراه عضو فرقة الطوارئ لإغاثة متضرري أحداث العنف بمحلية بليل عبدالباقي محمد، أمراً ملحاً.

سيدة نازحة من القرى المحروقة بمحلية بليل

ويقول عبد الباقي لـ(عاين): إن “عملية وقف العدائيات بين -الداجو والرزيقات- توصيف خاطئ لحل القضية لجهة أن القضية ليست قبلية وإنما مليشيات مسلحة هاجمت قرى عودة طوعية سكانها عزل لا يملكون السلاح وجرت عمليات قتل وحرق للقرى والممتلكات دون وجه حق بينما اجهزة الدولة عاجزة عن حمايتهم”.

وطالب عبد الباقي بفتح تحقيق شفاف بعيدا عن القوات المتهمة لان التحقيق الشفاف يوضح السبب الحقيقي. وأضاف عبد الباقي: “سلمنا قائمة من المتهمين لنائب رئيس مجلس السيادة خلال زيارته المنطقة“.

والأسبوع الفائت، أعلنت لجنة التحقيق في الاحداث نتائج التحقيق النهائي وتوجيه الاتهام لعدد 89 شخصاً تم القبض على 21 متهماً منهم، فيما ستتم ملاحقة 68 عبر الاجهزة النظامية.

وجرى تسليم هذه النتائج إلى نائب رئيس مجلس السيادة، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو  في لقاء جماهيري بقري اموري في ولاية جنوب درافور بحضور عضو مجلس السيادة ورئيس الجبهة الثورية الهادي ادريس. وسط تعهدات من دقلو ضرورة استمرار التحري و التحقيق حول الأحداث ضماناً لعدم الافلات من العقاب. إلى جانب إقراره بتقصير الحكومة في توفير المياه مما يتسبب فى الاحتكاكات بين الرعاة والمزارعين.

لكن عضو مجلس السيادة الهادي ادريس شكك في إن يكون عدد الضالعين في أحداث قرى بليل أكبر من القائمة التي حددتها لجنة التحقيق. وأشار إلى اتساع رقعة القرى المحروقة قبل ان يدعو الإدارة الأهلية للتعاون في القبض على المتهمين،  القوات النظامية ايضاً للتعاون في تسليم منسوبيها

“كثير من المصالحات والاتفاقيات المفروضة بين المجموعات الاهلية فشلت لجهة أن الذين يقومون بصناعة المصالحات غير قادرين على مخاطبة جذور المشكلة”. يقول سعد الدين ويضيف: ” هناك ضرورة لمشاركة مراكز البحوث والدراسات السلام في عملية المصالحات التي تجري بين المجتمعات الاهلية في دارفور”.

فيما يقول الناشط الحقوقي عبد الباسط الحاج، “معلوم أن آلية المصالحة واحدة من آليات العدالة الانتقالية لكن يجب أن تسبقها الحقيقة”. ويتابع في مقابلة مع (عاين)، “هذه العدالة لابد أن تكون نابعة من تصورات الضحايا ولا يتم تخويفهم وفرضها عليهم”.