النزاع الأهلي في كردفان.. إرث ثقيل للنظام البائد
عاين – 30 نوفمبر 2020م
ظلت قضايا الصراعات القبلية، إحدى المشاكل التي تؤزم الدولة السودانية وتمثل تمظهراً واضحاً لصراعات الأرض والموارد والهوية في البلاد، وتمتد تلك الصراعات في كل أصقاع السودان، خاصة في المناطق التي شهدت نزاعات مستمرة لفترات طويلة، وبالتحديد إقليمي دارفور وكردفان اللذان تأثرا بالحروب المتواصلة لأعوام، وتناحرت القبائل فيما بينها لأسباب تأريخية وجذور ذات أبعاد جغرافية واقتصادية ومرتبطة بطرق حياة تلك القبائل، حسب الوصف التأريخي لتلك الصراعات.
(شبكة عاين) زارت كردفان ووقفت على وضع الصراعات القبلية ما بعد سقوط نظام ال30 عامًا، ومدى إمكانية حل تلك الصراعات في إطار مجهودات السلام الرسمي والشعبي.
أسباب للصراع
وتعود الصراعات القبلية في كردفان إلى ما قبل اشتعال الحروب، حيث كانت تحدث نزاعات بين القبائل ذات النشاط الإقتصادي المختلف، فتكون هنالك مشاكل بين المزارعين والرعاة حول مسير الرعي، وأخرى بين الرعاة فيما بينهم حول المراعي وحيازتها، وبشكل أخص عانت مناطق غرب كردفان والقبائل التي تسكنها من صراعات مستمرة، منها ما هو بين المزارعين والرعاة وبين الرعاة فيما بينهم، وكنموذج لتلك الصراعات التأريخية التي وقفت (عاين) على آثارها، صراعات بين قبائل المسيرية وقبائل الحَمر، وبين قبائل الدينكا نقوك وقبائل المسيرية في أقصى جنوب غرب كردفان، حيث تقع منطقة أبيي التي ما زالت صاحبة وضع إشكالي من حيث تبعيتها للسودان أو جنوب السودان نسبة لطبيعتها السكانية التي تضم قبائل من الشمال وقبائل من الجنوب.
تعطيل التنمية
وبالرغم من اتفاقيات الصلح التأريخية التي تمت إقامتها بين القبائل في تلك المنطقة، إلا أن النظام البائد، أثناء الحروب التي أشعلها في المنطقة، عمل على تغذية الصراعات القديمة بين القبائل واستغلها لخدمة أجندتها، حسب إفادات ناشطين من المنطقة، ويقول الناشط بالمجتمع المدني بهاء الدين عبد الله بريمة، إن ولاية غرب كردفان تعاني من نزاعات قبلية خطيرة أدت إلى تعطيل الكثير من المشاريع التنموية والخدمية.
البترول والمراعي
وأثرت تلك النزاعات على الاستقرار الأمني بالولاية، حسب إفادة بهاء الدين الذي أضاف أن النزاعات أحدثت أعمال تخريبية مثل النهب المسلح الذي أدى إلى تعطيل الطرق، وشدد على أن جذور الصراع بين القبائل الرعوية، يرجع إلى ضيق المراعي بعد استقلال جنوب السودان نسبة للتوسع في نشاط التنقيب عن البترول وتلف العديد من الأراضي والمراعي، الأمر الذي زاد من حدة الاحتكاك بين القبائل الرعوية، ووصف بهاء الدين التدخلات الرسمية لحل المشاكل القبلية بالفوقية التي لا تلامس لجذور الأزمة، وزاد:”هذه التدخلات تعالج نتائج المشكلة وليس أسبابها وما أن تنتهي النزاعات حتى تندلع من جديد”.
إدارات مجيَّرة
ورغم أن الإدارات الأهلية كان لها دور تأريخي في رأب الصدع بين القبائل وحل النزاعات، إلا أن النظام البائد جيرها لخدمة مصالحه وأجندته في المنطقة، وبهذا الصدد، كشف الناشط المدني بهاء الدين بريمة، أن الإدارات الأهلية في العهد البائد كانت تستثمر في الصراعات بين القبائل للحصول على امتيازات مادية، ودعا إلى إحداث تغيير جذري في سياسات الإدارات الأهلية وطرق اختيارها، وناشد مؤسسات الدولة لوضع حلول جذرية لقضايا الصراعات القبلية تزامنًا مع إجراءات السلام الدائرة حالياً وتفعيل القوانين وفرض هيبة الدولة.
وفي السياق، علمت (عاين)، عن تحركات عدد كبير من شباب تلك القبائل المتعلمين، للنشاط في اتجاه سحب الثقة من الإدارات الأهلية التي يعتبرنها عدواً للسلام وعميلة لأيادي النظام البائد التي تحركها بغرض خلق فوضى وتهديدات أمنية بالمنطقة، الأمر الذي يزيد من تعقيدات الصراع ويضع الدولة في خانة العاجز عن الحل في ظل تدخلاتها الفوقية غير المجدية، وبالرغم من عادة استجابة الإدارات الأهلية لمبادرات الدولة، إلا أن تأثيرها على مجتمعاتها أقوى من تأثير الدولة نفسها.
ترضيات الدفاع الشعبي
وتواجه ولاية غرب كردفان العديد من القضايا الشائكة نسبة لطبيعة المنطقة، ومنها قضية مقاتلي الدفاع الشعبي الذين تم تسريحهم بعد اتفاقيات سلام مع الحركات المسلحة وظلوا مسلحين دون التنازل عن سلاحهم، حيث نشط عدد كبير منهم في أعمال النهب وقطع الطرق، وتتجه قوى الحرية والتغيير بالمنطقة للوصول لاتفاق مرضي لهم مع الحكومة الانتقالية، وحسب معلومات تحصلت عليها (عاين)، فإن عضو المجلس السيادي الفريق شمس الدين الكباشي زار المنطقة وحاول التوصل لاتفاق مع تلك المجموعات وعرض عليهم رتب عسكرية في الجيش السوداني لتسهيل دمجهم في القوات النظامية.
وعطفًا على ذلك، فإن انتشار السلاح بالمنطقة يمثل تهديدًا كبيرًا لعملية السلم الاجتماعي والمصالحة بين القبائل، ويؤكد ذلك ناظر عموم قبائل دار حمر بمدينة بابنوسة صديق جاد الرب، الذي يقول إن انتشار السلاح يعوق التصالح ويمهد للمزيد من التناحر بين المكونات الاجتماعية، وأشار إلى أن عددا من القبائل لم يمتثل لأوامر نزع السلاح نسبة للأخطار الأمنية التي تهددهم، وكشف أن ذلك يولد صراعات يومية بين أفراد القبائل وفروعها، ولفت إلى أن غياب الدولة من مناطق النزاعات يمهد لاستفحال الصراعات القبلية وتزايدها، وأكد جاد الرب أن العلاقات بين القبائل ودية في أصلها ولكن هنالك معوقات تعرقل السلام الدائم، إضافة إلى تفلت عدد قليل من أفراد القبائل.
مؤتمر صلح
وقبل اشهر قليلة، اندلعت صراعات بين قبائل الحمر والمسيرية بين فرعي الجخيسات والفيارين، انتهت بمداولات صلح توسطت فيها قبيلة الرزيقات وإقامة مؤتمر صلح استمر لأربع أيام خلص إلى حل نتائج النزاع بدفع الديات والعفو المشترك، وبلغت مجمل الديات المدفوعة من الطرفين حوالي 50 مليون جنيه، وتعهد الطرفان على الالتزام بتوصيات ومقررات مؤتمر الصلح الذي أقيم بعاصمة الولاية في 20 نوفمبر الجاري، على أن يتم حفظ الجوار والعلاقات التاريخية التي تجمع بين القبيلتين.
صراعات أخرى
ومن جانب آخر، تعاني مناطق جنوب الولاية من صراعات تأريخية بين قبائل المسيرية وقبائل الدينكا نوك، وبعد انفصال السودان ظلت قضية منطقة أبيي التي تسكنها القبيلتين، ذات طابع إشكالي، وكان من المقرر قيام استفتاء شعبي لتحديد انضمام المنطقة لأي دولة بالتزامن مع استفتاء جنوب السودان 2011، ولكن واجهت العملية عقبات طويلة، تبعها استفتاء غير رسمي في 2013 جاءت نتائجه بموافقة 99% من الناخبين على الانضمام لجنوب السودان وذلك بعد مقاطعة القبائل الشمالية للاستفتاء، وقالت رئيسة الاتحاد الإفريقي وقتها، إن التصويت غير قانوني وأنه يؤدي إلى عودة الحرب ويعرقل عملية حل النزاع.
دور الدولة
وينادي ناشطون، بضرورة إيجاد حلول للصراعات القبلية المزمنة المصاحبة للنزاع المسلح، خاصة في غياب الدور التأريخي للدولة المتمثل للتنمية في تلك المناطق، ما عدا المحاولات السابقة في مشاريع استقرار الرحل، والتي لم تراع الطبيعة التكوينية للقبائل المتصارعة وأنماط عيشها، وبالرغم من حدة الصراع التي تتصاعد وانتشار السلاح وغياب الاستقرار الأمني، إلا أن للقبائل رغبة أصيلة في الاستقرار والعيش في سلام واحترام الجوار، ولكن تظل أزمة غياب الدولة في تلك المناطق، إحدى الأسباب الرئيسية في التنازع القبلي. ويطالب مراقبون بضرورة فرض هيبة الدولة وإيجاد حل للتنازع في إطار معالجة جذور المشاكل بتوفير مسارات آمنة للرحل وإنشاء مشاريع تنموية لاستقرارهم وتوفير أراض صالحة للزراعة بجانب تعويض الأراضي التي خسرتها المنطقة بسبب عمليات التنقيب عن البترول.