صدور أول كتاب كاريكاتير يوثق لسنوات من حكم الإسلاميين بالسودان
الخرطوم: 25 فبراير2020م
صدر قبل أيام، في العاصمة السودانية الخرطوم، كتاب “عصر الانقاذ”، لرسام الكاريكتور الشاب عثمان عبيد، يضم بين دفتيه “٢٣٠” رسماً كاريكتورياً، هي مختارات من ما أنجزه طوال العشر سنوات الأخيرة، من عمر نظام الإنقاذ، الذي أسقطه السودانيون، عبر ثورة ديسمبر ٢٠١٨م. وهذه المختارات من الرسوماتٍ منها ما نُشر عبر صفحات الصحف اليومية التي عمل بها عبيد في هذه الفترة، أو التي منعتها الرقابة الأمنية من النشر.
يعتقد د. النور حمد، الذي كتب المقدمة، بأنّ الكتاب يُمثّلُ: “ذاكرةً ساخرةً لمفارقات حكم الإنقاذ وعجائبه وغرائبه”. وأنّ الكتاب يكتسبُ أهميته باعتباره: “سجلٌ لفترةٍ ذات طبيعةٍ خاصةٍ في التاريخ السياسي السوداني. اتسمت بعلو نغمة السخرية في المجتمعات السودانية، على حكم الإنقاذ ورموزه. وكما هو معروف ليس هناك ضرب من ضروب التعبير أقدر على إظهار السخرية التي تذخرُ بها الحياة السياسية والاجتماعية، في أي بلدٍ أكثر من فن الكاريكتور”.
ويقول عبيد، أنّ الفترة التي غطاها الكتاب مهمة في تاريخ السودان، ومساهمة منه في تثقيفهم بفن الكاريكتور، الذي برغم محبة قطاع واسع من السودانيين له، لكن آخر كتاب من هذا النوع صدر لرسام الكاريكتور السوداني: فارس، قبل خمسة عشر عاماً، عندما تمّ اختيار الخرطوم لتكون عاصمةً للثقافة العربية، سنة ٢٠٠٥م.
ويُضيف عثمان، في مقابلة مع (عاين)، بأنه اكتشف في نفسه موهبة الرسم الكاريكتوري عبر تعليقات مستحسنةٍ من زملائه بكلية الاقتصاد، حيث بدأ مقلّداً لخطوط رسامي كاريكتور سودانيين وأجانب. تطوّر الأمر فيما بعد عندما أقنعه أحد أصدقاءه التشكيليين ليُشاركه عرض رسوماته مع لوحاته، كنوعٌ من الدعم. النتيجة التي لم تخلُ من طرافة، كانت أنّ غالب تعليقات زوّار المعرض، كانت عن رسومات عثمان عبيد الكاريكتورية، وليس رسومات صديقه التشكيلي.
يعود عبيد، مستدعياً أول أيامه مع فن الكاريكتور، الذي حوّله من دراسة الاقتصاد، حاملاً أفكاره المرسومة الأولى على ورق، ويعرضه على رسام الكاريكتور فارس، الذي زوّدهُ بالنصائح والارشادات التي أعانته كثيراً مستقبلاً، ومنها أنْ ينفكّ من تأثيرات خطوط الرسم لآخرين، بأنْ تكون له خطوطه التي تخصه، وهو أوّل ما حدب عليه بعد تلك المقابلة مع فارس. واشتهر في السودان العديد من رسامي الكاريكتور، يأتي في مقدمتهم: عز الدين عثمان، هاشم كاروري، عبد العظيم بيرم، منعم حمزة، علي الدويد. فيما برزت رسّامتي كاريكتور سودانيتين هما: أماني عبد الجليل ورنا عامر.
ويصف عبيد تواصل رسامي الكاريكتور في السودان بالمتقطع والضعيف، والمقتصر على بعض المجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي. ويعزو ذلك إلى جملة من المشكلات المتعلقة بأوضاعهم داخل الصحف التي يعلموا بها، وتعامل الناشرين ونظرتهم لهم. والسلطات الأمنية من جانب ثالثٍ.
ويعيش رسامي الكاريكتور حالةً من الاحباط -بحسب عبيد- قللّت من عددهم في الصحف اليومية. حيث تصدرُ يومياً، في الخرطوم أكثر من خمسة عشر صحيفة سياسية، بها خمسة رسّامي كاريكتور فقط.
يُعلّق عثمان على هذه الحالة: “تعامل ناشري الصحف مع رسامي الكاريكتور سيء. والمقابل المالي الذي يُمنح لهم ضعيف، بمقارنة المحررين الذين يعملوا بالصحف. هذا بالإضافة إلى خوف هؤلاء الناشرين من رسامي الكاريكتور، الذين تُهدد رسوماتهم الناقدة والساخرة مصالحهم مع بعض الشخصيات أو المؤسسات. وفي مراتٍ عديدةٍ تضعهم في مواجهةٍ مع السلطات الأمنية”.
لكن كل ذلك، بحسب عبيد لم يمنعهم من الاستمرار في فن الكاريكتور الذي يؤمنون به، وعبره ساهموا في نقد السلطة والإصلاح ومقاومة التسلط والقمع. بل وفي إيصال رسوماته خارج السودان، حيث شارك في العديد من المعارض الكاريكتورية في دول مثل: قطر وبلجيكا، التي شارك فيها بمعرض كاريكتوري عن السلطة والارهاب، وتمّ اختيار عدداً من أعماله لتُنشر في كتاب مع فنانين من دول عربية وأوروبية.
عبيد يرى بأنّ الكاريكتور بالنسبة له، فنٌ ناقدٌ وساخر، يتوسل بالسخرية والفكاهة في توصيل رسائله اليومية، التي ينشرها في الصحف اليومية، أو عبر صفحته على فيسبوك عندما يمنعها سلطان الرقيب. ويعتقد بأنّ الكاريكتور الصحفي مقالٌ مضغوط. وليست هناك فكرة -إجمالاً-لا يستطيع التعبير عنها بالرسم، لكن يتوقف نشرها بحسب تعارضها من قيم المجتمع وسلطاته.
ويُبرّر بأنّ العديد من رسوماته التي يرى فيها البعض بذاءة ما، هي نتاج حالةٍ لا تقلُ بذاءةً من الكاريكتور نفسه. لافتاً إلى أنّه يتحايل بنشرها عبر الفيسبوك، وفي كثير من الأحوال بغير توقيعه. ويضرب عبيد مثلاً بكاريكتور لرجل عاري تماماً، بربطة عُنقٍ فقط. نشره بمناسبة إقامة ولاية الجزيرة وسط السودان، لمهرجان سياحة، في الوقت الذي يُعاني إنسان الولاية من فقرٍ في المعيشة.
ويُصنُف فن الكاريكتور، منذ نشأته، بكونه فن ناقد للسلطة، ويقف دوماً في مواجهة القمع والتسلط والديكتاتورية. وهي ذات تجربة عثمان عبيد في الصحف التي عمل بها، حيث ظلّ ضباط الأمن المسؤولين من رقابة ما يُنشر، أنّهم دائمو السؤال عن كاريكتوراته، ليقوم بمنعها من النشر مباشرةً.